مصر.. استراتيجية إسكات النشطاء السياسيين عبر معارك قانونية
٢ ديسمبر ٢٠٢٢عندما استقل باتريك زكي سيارته لمسافة 130 كيلومترًا من القاهرة إلى المحكمة في المنصورة صباح الثلاثاء، قال الناشط السياسي إنه عند رؤية سيارة الترحيلات والقيود الحديدية وغيرها شعر بــ "بصدمة نفسية حقيقية" مثله في ذلك مثل كل من مروا بتجربة السجن، وذلك قبل بدء الجلسة الثامنة لمحاكمته.
كتب الناشط الحقوقي البالغ من العمر 31 عاماً باللغة العربية على صفحته على فيسبوك: "كل جلسة اضطر أذهب فيها إلى المنصورة للحضور بشخصي للجلسات خلال الطريق.. كل مرة استعيد شريط سنتين من الذكريات التي لا أتمنى أن تعود بالتأكيد فأصبحت الجلسات المستمرة لما يقارب السنة ثقل شديد لأنها تشعرك بقرب شديد من إعادة تلك التجربة الشاقة".
ويضيف: "أحد أهم أزمات الحبس أنك لا تخرج من محبسك حتى وإن خرجت من جدرانه يظل السجن قابع في داخلك طويلاً يرافقك في باقي مشوارك أو هذا ما يحدث معي حتى الآن بالرغم من كل ما أحاول أن أبذله من مجهود لتجاوز التجربة تجدها تهاجمك في معظم الأوقات".
يشير الباحث المصري إلى 22 شهراً قضاها في الحبس الاحتياطي بتهمة نشر "أخبار كاذبة" بعد نشر مقال عن قمع المسيحيين المصريين على منصة "درج" على الإنترنت في عام 2019.
وعلى غرار جلسات الاستماع السبع السابقة، سأله القاضي مرة أخرى يوم الثلاثاء عما إذا كان قد شارك في نشر أخبار كاذبة في مصر وخارجها. وقال زكي لـ DW في مقابلة هاتفية بعد المحاكمة: "كما حدث في السابق، قُلت لا".
لكن المدعي العام له رأي مختلف. يقول زكي:"قال الإدعاء إنه لا يوجد تمييز ضد الأقلية المسيحية، وإننا متساوون في الحقوق، وختم حجته بمطالبة القاضي بإعطائي أقصى عقوبة دون رحمة".
في حالة إدانته، سيواجه زكي عقوبة تصل إلى السجن لخمس سنوات. لكن قبل أن يتمكن زكي من تقديم دفاعه القانوني، تم تأجيل الجلسة لثلاثة أشهر حتى شباط/ فبراير 2023 - تماماً كما حدث في الحالات السبع الماضية.
محاكمة زكي المطولة ليست أمراً فريداً من نوعه في مصر. فقد أدرك المراقبون السياسيون ومنظمات حقوق الإنسان وجود نمط وراء العدد المتزايد من المحاكمات المطولة في البلاد. ويبدو أنها استراتيجية جديدة لقمع المعارضة.
مطلق السراح .. لكن ليس حراً
قال زكي: "تم تجديد "حزمة الحرية" الخاصة بي لثلاثة أشهر أخرى .. تماماً كما تفعل مع تجديد باقة هاتفك المحمول".
يقول الشاب المصري إنه لا يشعر بالحرية، ويضيف: "لا يمكنني إنهاء دراستي في إيطاليا بسبب حظر السفر المفروض عليّ، ولا يمكنني توقيع عقد عمل لأنني لا أعرف أبداً ما الذي سيحدث في غضون ثلاثة أشهر".
في هذا الوقت وفيما ينتظر قراراً في قضيته، يعمل باتريك بشكل مستقل في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وقال: "نشرت موضوعين فقط، لأن فريقي القانوني يشعر بالقلق باستمرار من أنني قد أغضب النيابة أكثر".
في غضون ذلك، تدعمه جامعته في بولونيا في إيطاليا ومنظمات حقوق الإنسان بحملات مستمرة.
وقال سليمان بنغازي ، الناشط الإقليمي في منظمة العفو الدولية ، لـ DW: "باتريك جورج زكي سجين رأي يجب الإفراج عنه دون قيد أو شرط حيث تتم مقاضاته لمجرد ممارسته حقه في حرية التعبير".
بدورها، دأبت منظمة العفو الدولية على دعوة السلطات المصرية لإسقاط التهم الموجهة إلى زكي ورفع حظر السفر والسماح له بالعودة إلى إيطاليا لمتابعة دراسته. وطلبت DW من النيابة العامة في المنصورة إفادة، لكنها لم تتلق رداً حتى وقت النشر.
استراتيجية واسعة الاستخدام
قال عمرو مجدي، الباحث من منظمة هيومن رايتس ووتش: "حقيقة استمرار هذه المحاكمة المسيسة (ضد زكي) هي أيضاً رسالة لكل من يجرؤ على التحدث: يمكن أن تعلق حياتهم بسنوات في السجن وحظر السفر والملاحقات القضائية المسيسة".
يتفق معه في الرأي تيموثي قلدس، الباحث في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط والذي يرى أن تعليق القضايا وعدم إصدار أحكام هي قرارات استراتيجية.
وقال قلدس: "إبقاء المتهمين بجرائم سياسية في طي النسيان هو جزء من استراتيجية الحكومة للحد من الضغط الخارجي على مصر بشأن القضايا السياسية مع منعهم (الأطراف المتهمة في القضية) من ممارسة حياتهم بحرية".
مثال مشابه هو حالة الصحفي الاستقصائي ومدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حسام بهجت، حيث اعتقل هو وآخرين من العاملين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعد اجتماع مع مجموعة من السفراء الغربيين في خريف 2020.
قال قلدس: "أُطلق سراحهم في نهاية المطاف بعد ضغوط هائلة من العواصم الغربية مع وجود تهم بحقهم لاتزال معلقة" مضيفاً: "لم يكونوا أحرارًا في عام 2020 وما زالوا غير أحرار حتى اليوم".
ولا يزال فريق الباحثين والعاملين بالمنظمة يواجهون تهماً وتم منعهم من السفر فيما جُمدت أصولهم المالية.
وأوضح قلدس أن "إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص من السجن أتاح للسلطات المصرية إنهاء الضغط الدولي على القضية، لكنه ترك باب التهديد مفتوحاً بإمكانية إعادة اعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان في أي وقت وخصوصاً أولئك الذين يرغب النظام في ترهيبهم وإسكاتهم".
بعد COP27 .. عودة إلى القمع كالمعتاد
كان سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان والعدد الهائل من السجناء السياسيين - تشير تقديرات لمنظمات دولية بأنه يصل إلى 65 ألف شخص - موضع تركيز مؤخراً خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، COP27، الذي عُقِد في مصر الشهر الماضي.
قبل كل شيء، أثيرت انتقادات بسبب تقاعس مصر عن أي تحرك في ضوء الإضراب المتزايد عن الطعام للسجين علاء عبد الفتاح، الذي توقف عن شرب الماء خلال المؤتمر، وكذلك بسبب التطبيق الرسمي COP27 الذي أشار خبراء إلى أن الصلاحيات التي يحصل عليها البرنامج عند تنزليه على الهاتف الذكي ترقى إلى وصفه ببرنامج للتجسس.
وقال بنغازي الخبير بمنظمة العفو الدولية: "سلط المؤتمر الضوء على مصر، وفضح أزمة حقوق الإنسان المستمرة في البلاد، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية الجماعية، فضلاً عن قمع الاحتجاجات السلمية وإنهاء الفضاء المدني وملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان من خلال التحقيقات الجنائية وتجميد الأصول وحظر السفر". ومع ذلك، وعلى الرغم من الانتقادات، لا يبدو أن شيئاً قد تغير في أعقاب COP27. يقول قلدس إن "قمع الحكومة مستمر".
في الأسبوع الماضي فقط، وفي اليوم الذي أفرجت فيه لجنة العفو الرئاسية عن 30 سجيناً سياسياً، أفاد محامون ومدافعون عن حقوق الإنسان أن نيابة أمن الدولة قد وجهت اتهامات إلى 40 سجيناً سياسياً جديداً، على حد قول قلدس لـ DW الذي أكد على أن "فكرة وجود حكم القانون في مصر هي وهم لا يمكن الدفاع عنه".
رغم كل هذا لم يفقد باتريك زكي الأمل. وقال: "أريد أن تنتهي هذه القضية حتى أتمكن من المضي قدماً في حياتي". وعندما يفكر في كل الأشياء التي يريد القيام بها في المستقبل، يبتسم: "قبل كل شيء، أريد الزواج من صديقتي. إنها تنتظر منذ وقت طويل".
جينيفر هوليز/ع.ح.