خدمة تطوعية لمساعدة اللاجئين
١١ يناير ٢٠١٦"سلطة الفواكه" هو الموضوع الذي اختارته المعلمة إينا أوربيتس اليوم في حصة اللغة الألمانية بصفها السادس في مدرسة "ليوني" في العاصمة برلين. وتنوي المعلمة أوربيتس من خلال عرض هذا الموضوع على تلاميذها، الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و12 عاما، على خلق جو حيوي غير ممل لتعلم اللغة.
يجلس التلاميذ بشكل دائري حول معلمتهم، عمار من سوريا يجلس بجانب محمد من العراق وروخ من ألبانيا. المعلمة إينا أوربيتس تحمل صور للفواكه في يدها وتسأل تلاميذها: "ما هي الفواكه التي نريد اختيارها لتحضير سلطة فواكه؟"
رفع التلاميذ كلهم أيديهم تقريبا بسرعة إلى الأعلى. تقدم عمار ليأخذ من معلمته صورة الموز ويعلقها على السبورة، ويجب عليه الآن اختيار البطاقة التي عليها إسم الموز باللغة الألمانية وتعليقها بجانب الصورة. لكن عمار اختار البطاقة التي كُتب عليها تفاح ما دفع التلاميذ الآخرين إلى التدخل وتنبيهه. صراخ التلاميذ أربك عمار وجعله مترددا بعض الشيء في أمل الحصول على المساعدة التي لم يدم انتظارها طويلا. الشاب محمد رحال، الذي أنهى قبل مدة قصيرة الخدمة التطوعية الاتحادية، لم يتأخر في تقديم العون لعمار. ويساعد محمد رحال في هذه المدرسة الابتدائية ضمن مشروع بوفديس، وهي كلمة مشتقة من الجملة الألمانية "الخدمة التطوعية الاتحادية"، يُساعد المعلمة إينا أوربيتس في عملها داخل "صف الترحيب" الذي أنشأ خصيصا للأطفال اللاجئين.
10 آلاف وظيفة إضافية
محمد رحال البالغ من العمر 22 عاما من أصل فلسطيني يتحدث اللغتين الألمانية والعربية بطلاقة، بالإضافة إلى ذلك يتحدث اللغة الإنجليزية والفرنسية وقليل من اللغة الإسبانية. فبعد أن ساعد الشاب محمد رحال التلميذ عمار أولا بالعربية ثم بالألمانية على اختيار اسم الموز بالألمانية لصورة الموز، جلس إلى جانب التلاميذ الآخرين، منضمَا الى الوزيرة الاتحادية للأسرة مانويلا شفيزيغ التي تشارك هي الأخرى في هذه الحصة وتجلس مع التلاميذ. وتقوم الوزيرة الألمانية بزيارة هذه المدرسة الابتدائية لأجل الحصول على صورة شاملة عن عمل متطوعي مشروع بوفديس -الخدمة التطوعية الاتحادية- لمساعدة أطفال اللاجئين وإدماجهم.
وتلقى الخدمات التطوعية إقبالا كبيرا في ألمانيا، اذ يقضي حوالي 100 ألف شخص حاليا سنة من الخدمة التطوعية الاجتماعية أو الخدمة التطوعية البيئية أو الخدمة التطوعية في الجيش. ويساعد هؤلاء في رياض الأطفال أو في القراءة للمسنين في دور المسنين، أو يرافقون ذوي الاحتياجات الخاصة من الأطفال إلى المدارس أو هم منخرطون في مشاريع للمحافظة على البيئة.
وإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة الألمانية في إطار برنامج خاص للخدمات التطوعية الاتحادية بتخصيص 10 آلاف وظيفة جديدة إلى جانب 35 ألف وظيفة قائمة فعلا، على شرط أن تقدم هذه الوظائف الجديدة خدمات ومساعدات للاجئين. عمل هذا البرنامج الجديد محدود حتى نهاية عام 2018 وسيتم تمويله بـ 50 مليون يورو سنويا من الميزانية الاتحادية. وسيتقاضى هؤلاء المتطوعون أجرا أقصاه 363 يورو إضافة إلى تقاضيهم بدلا ماليا عن وجبات الطعام والسكن والملابس إذا اقتضى الأمر ذلك.
"بوفديس" مشروع يمكن للاجئين العمل فيه
منذ إطلاق هذا البرنامج الخاص أوائل شهر (ديسمبر/كانون الأول 2015) تقدم 893 متطوعا من أصول غير ألمانية، ومن بين هؤلاء المتطوعين أيضا 143 لاجئا معترف بلجوئهم وطالبو لجوء معظمهم من سوريا وإيران وأفغانستان والعراق.
ويمكن لهؤلاء اللاجئين إذا أرادوا تقديم خدماتهم الاجتماعية مثلا في نوادي المسنين أو نوادي رياضية، وترى وزيرة الأسرة مانويلا شفيزيغ أنّ الاشتراك في العمل التطوعي قيمة مضافة إلى المجتمع وتقول في هذا الصدد: "أعتقد أنه من المهم جدا أن ينخرط اللاجئون في هذا العمل التطوعي لأن ذلك يؤدي إلى خلق نوع من التماسك الاجتماعي ويساعد أيضا في الاندماج وفي تعلم لغتنا".
وزيرة الأسرة شفيزيغ أبدت سرورها للإقبال الكبير على هذا المشروع الجديد مشيرة الى أنّ الخدمة التطوعية: "لبنة هامة لتعزيز استدامة ثقافة الترحيب عندنا". معتبرة أنّ إشراك اللاجئين في هذا العمل التطوعي يوازي دعم "الذين يرغبون في الاستقرار والعيش معنا" حسب تعبيرها.
التغلب على كل العقبات يتطلب مساهمة الجميع
الشاب محمد رحال يعتبر نفسه ألمانيا ويرى أنّ المساهمة في مثل هذه المشاريع التطوعية أمر مهم جدا. محمد رحال يريد أن يصبح معلما في المستقبل ومشاركته في هذا المشروع التطوعي بالمدرسة الابتدائية ليست مجرد تجربة عابرة ،بل هو يرى فيها إمكانية تحقق الفائدة قدر الإمكان ، وهو أمر جعل الجهات الإدارية تعترف بهذا العمل التطوعي كتدريب عملي.
يعمل الرحال من الساعة 8 صباحا حتى الساعة الثانية بعد الزوال على مدار الساعة، ومعلمة الصف السادس إينا أوربيتس سعيدة جدا بوقوف محمد رحال إلى جانبها ومساعدتها وتقول: "لا يمكنني العمل لوحدي في هذه الحصة المخصصة لتعليم اللغة الألمانية".
كثير من الأطفال جدد في ألمانيا مازالوا في مراكز إيواء اللاجئين ، ووجودهم هنا في هذا الصف مؤقت ، ما يجعل معلمة الصف إينا أوربيتس أمام تحد كبير لكونها تعيش دائما توافد تلاميذ جدد: "الدروس التي بدأت بها مع انطلاق السنة الدراسية يمكنني إعادتها كل يوم".
وترى إينا أوربيتس أن مساعدة محمد رحال لا تقتصر على الجانب اللغوي فقط بل أنّ وجوده في القسم يسهم أيضا في تقريب القيم للتلاميذ، وهو أهم جزء في عملها كمدرسة، لأن سن المراهقة من أصعب مراحل التربية ويتطلب عناية تربوية أساسية.