مسلمو بريطانيا يحاربون الفكر المتشدد بانتقاد الذات
٢٤ يونيو ٢٠١٥يحاول الرجلان الحليولة دون ذرف الدموع وهما يناشدان بعودة زوجتيهما. محمد شعيب واختر إقبال يفتقدان زوجتيهما، سرجة وخديجة داود إضافة إلى أختهما الثالثة زهرة داود. السيدات توجهن إلى سوريا شهر أيار/ مايو الماضي وقررن بعدها تأدية مناسك الحج. وكان من المفترض أن يعدن إلى مدينة برادفورد البريطانية بعد ذلك، إلا أن الاتصال بهن فقد منذ التاسع من مايو الماضي. وفي منتصف شهر حزيران/ يونيو لم يجد الرجلان الباكستانيان طريقة سوى عقد مؤتمر صحفي للمناشدة بعودة هؤلاء السيدات.
من المرجح أن تكون الأخوات الثلاث قد توقفن في تركيا ليعبرن بعد ذلك الحدود التركية السورية للوصول إلى منطقة النزاع التي ينشط فيها تنظيم داعش. ومن المحتمل أن يكن قد قررن الانضمام إلى هذا التنظيم الإرهابي علما بأنهن لم يكنّ لوحدهن بل كان بصحبتهن 9 أطفال أعمارهم ما بين الـثالثة والخمسة عشر عاما. ومن الواضح أنهن قد لبين دعوة أعضاء في تنظيم داعش الإرهابي للانضمام إلى صفوف هذا التنظيم. وليس من المعروف حتى الآن أين هن متواجدات بالتحديد داخل سوريا.
إصدار فتوى بشأن تنظيم داعش
هذه القصة ليست الأولى من نوعها. فأكثر من 700 مواطن بريطاني توجهوا إلى سوريا للانضمام إلى صفوف الجهاديين، 350 منهم عادوا إلى بريطانيا بالفعل.
النقاش الدائر في بريطانيا حول أسباب اللجوء إلى الفكر المتشدد يماثل النقاشات المنتشرة في باقي أوروبا. أسباب ذلك ترجع أغلبها إلى التمييز الممارس تجاه شباب المسلمين وغياب آفاق مستقبلية لديهم. إضافة إلى الهوية الهشة التي يعانون منها، كونها هوية تتأرجح بين ثقافتين وهو من الأسباب التي قد تدفع إلى التوجه إلى ما يعرف بالإسلام المتشدد أو الجهادي.
منذ عدة أسابيع وأشهر بدأ بعض الأئمة المعروفين في المشاركة في هذه النقاشات. وفي أيلول/ سبتمبر من العام الماضي قام بالفعل بعض منهم بإصدار فتوى تحرم تنظيم داعش وبالتحديد وبحسب هذه الفتوى فإن "تنظيم داعش هي مؤسسة متشددة وحرام من الناحية الإسلامية الانضمام إليها أو مناصرتها". وبالنسبة للمسلمين البريطانيين فمن المفروض التصدي بفاعلية لهذه "الإيديولوجية السامة".
الانتحاريون مكانهم في النار
في الثالث والعشرين من شهر يونيو الجاري قام رجل الدين الباكستاني محمد طاهر القادري في العاصمة البريطانية لندن بتقديم منهاج من المفترض أن يساهم في الحيلولة دون جنوح الشباب نحو التطرف. والقادري هو مؤسس ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "منهاج القرآن الدولية"، التي تعمل على مكافحة التطرف الإسلامي. وفي عام 2010 قام القادري بإصدار فتوى حول الانتحاريين الذي يفجرون أنفسهم في الأعمال الإرهابية وصنفهم على أنهم أعداء للدين الإسلامي ولا ينتمون له وأن جزاءهم هو دخول النار. وقد أوضح القادري في فتواه أن النظام القضائي في الإسلام لا يوجد فيه أي تشريع يبيح ما تقوم به مجموعات إرهابية مثل تنظيم "داعش" الذي يهجم على الدول الإسلامية ويضر بالنظام العام، "تنظيم داعش عدو لبشرية"، حسب تعبيره.
القضاء على الفكر المتشدد
وفي أحد برامج البي بي سي الإذاعية قام رجل الدين القادري بتوضيح المنهاج الذي وضعه لمكافحة الإرهاب والتطرف الفكري مطالبا بأن يقوم ممثلون عن مؤسسة "منهاج القرآن" بتفسير موقف الإسلام في المدارس والجامعات البريطانية من الإرهاب وتوضيح أنه دين يدعو للسلام. كما تحدث القادري عن ضرورة أن يكون موضوع "التشدد" من المواضيع المطروحة في المنهج المدرسي.
القادري يرى أن "السلام والأبحاث المتعلقة بموضوع السلام لابد وأن تكون من المواد التي تدرس في المؤسسات التعليمية"، وكذلك القضاء على الفكر المتشدد في الإسلام والحرب على الإرهاب من المواضيع التي يجب طرحها للنقاش على عدة مستويات.
"المشكلة أن هذه المواضيع لم يتم نقاشها على المستوى الديني والإيديولوجي، بل يتم التطرق لها حتى الآن من المنظور السياسي والاقتصادي والاجتماعي فقط"، يقول القادري الذي يرى أنه من المهم أن تصبح هذه المواضيع من المواد الإلزامية التي يجب أن تدرس للمسلمين .
تقديم هذه المناهج من قبل رجل الدين القادري يأتي في وقت تقوم فيه الجاليات الإسلامية بتحمل مسؤولية توجه شباب المسلمين إلى الفكر المتشدد. "فالمسلمون يجب أن يتوقفوا عن توجيه أصابع الاتهام إلى آخرين حين يتعلق الأمر بمتشددين إسلاميين وألا يلقوا باللوم على السلطات البريطانية"، كانت إحدى الجمل التي نشرت في مقال لصحيفة الديلي تليغراف البريطانية بتاريخ 17 يونيو هذا العام نقلا عن كلام منسوب لواحد من أعمدة الجاليات الإسلامية.
وقال منظور موغال، رئيس مجلس إدارة "منتدى المسلمين" في بريطانيا، إن التشدد يعد "مشكلة إسلامية" وذلك في مقال نشره في صحيفة الديلي ميل. وبالطبع الأمر يصبح سيئا بالنسبة للأسر الإسلامية حينما تفقد واحدا من أولادها بانضمامه إلى صفوف "داعش". "ولكنني قلق من سماع نفس الكلام، أن السبب في ذلك يعود إلى أشخاص آخرين"، يكتب منظور في مقاله.