مسرح الحرية في جنين: الكفاح من غير سلاح
١٩ يونيو ٢٠١٢في وسط الحوار ينزع الممثل ربيع تركمان قميصه، ويقول: "هنا، الندبة. أربع رصاصات إسرائيلية أصابتني". وفي عام 2000، عندما اندلعت الانتفاضة الثانية، كان عمر ربيع 16 عاما، وانضم إلى كتائب الأقصى، وهي مجموعة مسلحة تابعة لحركة فتح. انتهج الكفاح المسلح لمدة سبع سنوات: "بقيت سبع سنوات أنام في الجبال وفي الطرقات". وعندما حاول جنود إسرائيليون اعتقاله، كانت أخته الصغيرة تقف في خط النار لتقضي نحبها.
واليوم بات ربيع "مناضلا من أجل الحرية دون سلاح"، ويقف على خشبة المسرح في برلين، إلى جانب أربعة خريجين مسرحيين آخرين من مسرح الحرية من مدينة جنين. على مسرح بالهاوس في برلين يقدمون عرضهم "أثناء الانتظار" – المستوحاة من مسرحية "في انتظار غودو" لمؤلفها صموئيل بيكيت. تقدم الفرقة عروضها العالمية في نيويورك وفنلندا وبرلين، والفضل في وجود ربيع مع الفرقة يعود لرجل هو جوليانو مير خميس.
في عام 2006 أسس الممثل المعروف فرقة مسرح الحرية في جنين. جوليانو مير خميس ولد لأم إسرائيلية يهودية وأب فلسطيني مسيحي. ويرى الفنان في المسرح فعلا ثوريا للمقاومة السلمية، كما يرى فيه أملا بأن الشبان الفلسطينيين يمكن أن يعبروا عن أنفسهم بحرية. مواقفه هذه خلقت له أعداء من الإسرائيليين وكذلك من الفلسطينيين المحافظين، وفي الرابع من أبريل/ نيسان 2011 وأمام مسرح الحرية في جنين جرى إطلاق النار من قبل مجهولين على جوليانو مير خميس.
مسرح العبث لحالة عبثية
طلابه في المسرح وقفوا مذهولين من هول الصدمة. ولكن بعد ذلك قرروا أن يهدوا معلمهم ومثلهم الأعلى مشروع التخرج: "مسرحية بيكيت العبثية مناسبة تماما لهذه الجريمة التي لا هدف لها"، كما يقول أودي ألوني، المخرج الإسرائيلي وصديق مير خميس، والذي حل محله. مرحلة التدريبات صعبة. مرارا وتكرارا تعرّض العاملون والطلاب في مسرح الحرية للاعتقال من قبل الجيش الإسرائيلي.
كما حصل مع رامي حويل. بقي شهرا كاملا معتقلا من دون تهمة، ولم يسمح له بحفظ دوره في المسرحية. "وبسبب هذا التعسف اضطررنا لأن نعطي لكل ممثل دورين في المسرحية"، كما يقول ألوني.
الثورة المزدوجة
"لقد أخذوا حقوقنا - كلا، نحن الذين تخلينا عنها".
حوار من مسرحية بيكيت، تتبادله باللغة العربية امرأتان فلسطينيتان. هذا الحوار يعتبر بالنسبة لأودي ألوني تعبيرا عن رسالة قوية جدا. يتم هنا كسر العديد من المحرمات. لأن صمويل بيكيت كان يمنع منعا باتا أن تلعب النساء أدوار فلاديمير وإيستراغون. ولكن الثورة الكبرى هي أن تقف امرأتان من جنين على الخشبة. بتول طالب (بدور إيستراغون)، ومريم أبو خالد (بدور فلاديمير)، هما أول امرأتين، تقفان إلى جانب الرجال على خشبة المسرح في جنين. وبسبب ذلك تعرضتا في هذه المدينة للشتم والسب في الشارع عدة مرات.
جنين هي واحدة من أكثر المدن محافظة في الضفة الغربية. وفيها منعٌ للكثير مما يعتبر نوعا من "الثقافة الغربية". لذلك فإن محاربة هذا النوع من "الاحتلال في العقول"، هي مهمة تلاميذ جوليانو مير خميس.
القليل من الحرية
ومنذ وفاة مؤسسها، تقيم الفرقة المؤلفة من خمسة أفراد في رام الله، حيث يتم تقدير قيمة الثقافة وحيث توجد فضاءات أوسع من الحرية. يريدون أن يواصلوا دراسة التمثيل والعمل على خشبة المسرح. في رام الله حظيت مسرحيتهم "أثناء الانتظار" باحتفاء الجمهور. أما في جنين فقد عرضوها مرة واحدة فقط؛ وردود الفعل لم تظهر، بل تم كبحها.
الآن لا يريدون العودة إلى جنين. الخوف كبير جدا. فلم يتم بعد القبض على قتلة جوليانو مير خميس. "لا السلطات الإسرائيلية ولا الفلسطينية تبذل جهدا في البحث عن الجناة. وبدلا من ذلك، تعتقل بشكل عشوائي العاملين في المسرح"، كما يقول الممثل ربيع تركمان. وقبل بضعة أيام جاء الجيش الإسرائيلي، عند منتصف الليل، واعتقل زميله نبيل الراعي من منزله ليقتادوه إلى جهة مجهولة. ومازالت التهم غامضة ولا يعرف موعد إطلاق سراحه.
وهذا التعسف تحديدا، انتظار الحرية التي لا تأتي، ألهم الممثلين القادمين من جنين قطعتهم المسرحية هذه، التي جاءوا الآن ليؤدوها في برلين.
ثقافة على قدم المساواة
تدفق الجمهور في العاصمة الألمانية لدرجة أن جميع مقاعد المسرح حجزت. ولذلك يجلس حوالي 30 زائرا على الأرض بجانب حافة المسرح. الممثل الكوميدي المعروف عدي خليفة يحييهم باللغة الألمانية: "إذا أردت أن أسافر إلى برلين، فإنني أحجز خمسة أيام في المدينة وثلاثة في المطار. لأن الإسرائيليين يفتشوني ويحققون معي طوال تلك المدة". خليفة، هو واحد من فلسطينيي 48، وبالتحديد من الناصرة. يعتبر جوكر الفرقة. يحل دائما محل الممثل المتغيب، الذي لا يسمح له بالمغادرة. ويقول خليفة: "لدى إسرائيل مشاكل مع المسرح أكثر من لو أننا رميناهم بالحجارة"، ثم يضيف " يمكنهم أن يحاربوا ضد الحجارة، ولكن عندما يصبح الفلسطينيون في مستوى ثقافي مشابه، فإنهم يخافون".
وفي برلين، يحتفي الجمهور خصوصا بميلاي (11 عاما)، وهي ابنة مير خميس، التي تلعب في "أثناء الانتظار" دور الصبي الذي ليس له اسم. ويقول أعضاء الفرقة: "إننا لا نريد أن نصبح مشهورين كممثلين". لدينا رسالة واحدة فقط: "نحن لسنا إرهابيين، نحن لا نريد أن تدمر ثقافتنا، ونحن نريد أن نكون مثلكم. نحن نريد أن نكون بشرا".
بتينا كولب/ فلاح آل ياس
مراجعة: عبد الرحمن عثمان