سياسة الحصار الإسرائيلية تعرقل المساعدات الأوروبية للفلسطينيين
١١ يونيو ٢٠١٢عندما تزينت مرتفعات سوسيا بالأضواء في ربيع عام 2009، بدا وكأن تعاونا إسرائيليا فلسطينيا إضافيا قد جاء بثماره. مجموعة "Comet-ME" (مجموعة الطاقة والتكنولوجيا في الشرق الأوسط)، قامت بتمول من وزارة الخارجية الألمانية ببرلين بتثبيت وحدات لتوليد الطاقة من الرياح والشمس، في المرتفعات التي تقع جنوب مدينة الخليل، وذلك لتحسين ظروف الحياة هناك. المزارعون ورعاة الماشية الذين يعيشون هناك في الخيام أو في بيوت الصفيح يعتبرون من الناس الأكثر فقرا في الضفة الغربية. السلطات الإسرائيلية لا تقدم للفلسطينيين هناك أي نوع من البنا التحتية. المدارس والطرق وإمدادات الكهرباء والمياه لا يمكن للناس هناك إلا مشاهدتها في أحلامهم، وللاستفادة من هذه المكتسبات الحضارية، ليس أمامهم سوى التوجه عبر طريق وعرة للوصول إلى أقرب مدينة فلسطينية مجاورة، وهي مدينة يطا.
وضع قانوني غير واضح
"1800 شخص يستفيدون من مبادرتنا، التي تجلب تسهيلات صغيرة، ولكنها أساسية في الحياة اليومية للسكان"، توضح آيا شوشان، مديرة التنظيم والتطوير في مجموعة "Comet-ME". وفي يناير/ كانون الثاني 2012 جاء أمر بوقف العمل، وبات خطر الهدم يلوح في الأفق. ثم تضيف شوشان بالقول: "الوضع القانوني غير واضح، وبالطبع نحن أخبرنا الجهات المانحة بالتطورات". الجهة المانحة هي جمهورية ألمانيا الاتحادية. وكان كل من وزير الخارجية غيدو فيسترفيله ووزير التنمية والتعاون ديرك نيبل قد تطرقا للأمر، خلال زيارتهما إلى إسرائيل في وقت سابق من هذا العام، وكذلك خلال الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إلى برلين في مارس/ آذار الماضي، ولكن الحديث جرى خلف أبواب مغلقة. كما أن السفارة الألمانية على اتصال وثيق مع السلطات الإسرائيلية المختصة بشأن هذه القضايا، كما تؤكد متحدثة باسم وزارة الخارجية في تصريح لموقع DW. ونتيجة لذلك، لم يتم هدم مصادر الطاقة، ولكن بعض المساكن التي يقطنها القرويون وبعض الإسطبلات التي ُشيد المشروع أصلا لصالحها ُهدمت.
تعامل غير عادل
تلك هي الصعوبة الأساسية في مجال مساعدات التنمية في ما يطلق عليه "المناطق ج" في الضفة الغربية، حيث تخضع القضايا الإدارية والأمنية لسيادة اسرائيل. يمنح الإسرائيليون تراخيص البناء؛ وكل طلبات الترخيص التي يقدمها الفلسطينيون أو تلك المتعلقة بمشاريع بنا تحتية لخدمة الفلسطينيين، فإنه يتم غالبا رفضها. أما المستوطنات الإسرائيلية في "المناطق ج"، فتبدو كواحات متوجة بأحدث التطورات الغربية على التلال المتاخمة للقرى الفلسطينية. "في المنطقة التي نعمل فيها، هناك 18 مستوطنة، وبعضها يعتبر حتى من قبل الحكومة الإسرائيلية بؤرا استيطانية غير قانونية، ومع ذلك فهي مزودة بإمدادات الكهرباء والمياه"، تضيف شوشان والغضب بادٍ على محياها بسبب المعاملة غير العادلة. ثم تقول آيا شوشان: "منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية لم يتم بناء ولو حتى مدينة فلسطينية واحدة هنا".
ولكن عدد السكان في الأراضي الفلسطينية، بما فيها قطاع غزة، زاد في السنوات العشر الماضية بنحو 25 في المائة.
مستقبل مجهول
في مناطق أخرى، وهي "المناطق ب" تخضع لإدارة السلطة الفلسطينية، بينما السيادة الأمنية تخضع للسلطات الإسرائيلية. أما "المناطق أ" فتخضع للسيادة التامة للفلسطينيين. هنا يمكن لهم أن يجربوا حكم دولة خاصة بهم. "طبقا لخطة التنمية للسلطة الفلسطينية، فإننا نركز جهودنا بالنسبة للمشاريع الرئيسية للبنية التحتية على "المناطق أ"، وفق ما يقول جان فان دير بلويغ، مستشار المشاريع الكبرى لدى المفوضية الأوروبية في رام الله. أمثلة على ذلك تتجلى في تشييد مبنى مجمع بلدية نابلس الجديد بتكلفة 17 مليون يورو، وبلدية جنين بتكلفة بلغت حوالي 20 مليون يورو. وفي هاتين الحالتين يعتبر الاستقرار الأمني عاملا مهما أثناء التخطيط. "الصعوبات التي نواجهها هنا، تكمن بالأحرى في الانتهاء من المباني ضمن الوقت المحدد"، يضيف فان در بلويغ. ولأن "المناطق أ" تبدو كجزر بالنسبة للمناطق الإدارية الأخرى، التي يمكن أن يقام فيها، في أي وقت، نقطة تفتيش إسرائيلية، فإنه لا يمكن ضمان نقل مواد البناء أو وجود العمال الفلسطينيين في أماكن العمل بشكل دائم.
في السنوات الخمس الماضية، قدم الاتحاد الأوروبي حوالي 40 إلى 50 مليون يورو سنويا كمساعدات للتنمية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي قطاع غزة تبدو المشكلة مختلفة، كما يقول فان در بلويغ: "في قطاع غزة، نواجه مشاكل مختلفة تماما، لأن هناك نقصا في كل شيء بسبب الحصار الإسرائيلي. ولكن يجب أن أذكر هنا بأن القيود المفروضة على الاستيراد قد خففت فيما يتعلق بتشييد البنا التحتية، الذي يتم تحت رعاية دولية". ويذكر المسؤول الأوروبي عددا من المشاريع الهامة، مثل محطة معالجة مياه الصرف الصحي والتوسع في المعبر الحدودي "كيريم شالوم"، الذي يتوقع أن يسمح مستقبلا بمرور 700 شاحنة يوميا لضمان إيصال الإمدادات لسكان غزة البالغ عددهم 1.6 مليون نسمة.
فلوريان ميبيس/ فلاح آل ياس
مراجعة: محمد المزياني