مركز دورتموند: المحطة الأولى في حياة طالبي اللجوء بألمانيا
٢٦ أكتوبر ٢٠١٤فرحة حسن كانت كبيرة. سألناه عن سببها، فأجاب: "أرسلوني إلى مدينة غيسن .. إنها قريبة من المدينة التي يقيم بها أخي". حسن متواجد اليوم مع مئات من الأشخاص في مركز تقديم طلبات اللجوء في مدينة دورتموند الألمانية. هذا المركز هو أحد أنشط المراكز في ألمانيا، ويستقبل 27 % من طالبي اللجوء، قبل أن يتم إعادة فرزهم، بحسب موقع بلدية دورتموند على الإنترنت.
قليلون جدا من يحالفهم الحظ، ويتم فرزهم بحسب رغبتهم في أماكن قريبة من أقارب أو أصدقاء مقيمين في ألمانيا، حيث كثيرا ما يكون الفرز مرتبطا بتوزيع النسب المئوية على الولايات الألمانية الستة عشر، فيتم إغفال رغبة طالب اللجوء.
طريق طويل قبلها
الابتسامة العريضة التي شاهدناها على وجه حسن، سبقها وقت عصيب، كما يقول لـDWعربية: "لم أصل إلى هنا، إلا بعد قطع بحار وجبال ووديان"، على حد تعبيره، في إشارة إلى الرحلة الطويلة من الوطن إلى هنا. الشاب ذو الـ26 من عمره، بدا في حالة نحول وضعف عام، عللها بأنه خرج من بلده سوريا قبل عامين من الآن، متجها إلى تركيا. مكث في المخيمات لفترة، ثم توجه إلى اسطنبول، ولكن "لم أجد عملا، لأني لا أتحدث التركية .. مللتُ وأنا أنتظر الفرج. أريد أن أتابع دراستي. فقد درست حتى السنة الرابعة في الجامعة، تخصص الكيمياء، ولكن بسبب الحرب في بلدي لم أتمكن من متابعة المواد الأخيرة لي كي أتخرج".
النقطة الحاسمة كانت عندما تعرف حسن على مجموعة وانتقلوا عبر بلغاريا، إلى أوروبا، بعد أشهر من التنقل والتخفي. وفي النهاية وصل ألمانيا، حيث يقيم أخوه الأصغر سنا والذي يدرس الطب هنا.
وجوه كثيرة شاهدناها في مركز دورتموند. لفتت انتباهنا كثرة السوريين الباحثين عن الحماية واللجوء. يتجمعون في قاعة صغيرة نسبيا مقارنة بعددهم الكبير، ينتظرون دورهم في دخول القاعة التالية الموجود فيها مكاتب الموظفين الذي يدخلون البيانات في برنامج الكمبيوتر، قبل أن تنقل هذه المعلومات إلى مرحلة ثالثة، حيث يقرر موظفون آخرون مكان الفرز.
الحياة في المأوى المؤقت
عند الساعة الـ12 والنصف ظهرا حان وقت الاستراحة، فأخرج الحراس جميع المنتظرين إلى خارج المبنى، وفي الباحة الخارجية كانت هناك خيمة لا تتسع لهم جميعا، دخلوا تحتها لوقايتهم من المطر. ولكن يبدو أن الوجود في أوروبا لا يعني تغيير العادات الاجتماعية فورا، حيث كان يقف ثلاثة رجال يدخنون في وسط الخيمة، الممتلئة بأناس كثر بينهم أطفال. اندلعت ملاسنة بين إحدى الأمهات والمدخنين، طلبت منهم فيها أن يدخنوا خارج الخيمة .. تركناهم على ذلك الحال، وذهبنا لنرى قسما آخر في مركز دورتموند، إنه المأوى المؤقت.
أصوات الأطفال يلعبون أمام المأوى تستقبلك من بعيد. اللغة المشتركة هي اللعب. أطفال من صربيا وآخرين من أفغانستان أو ارتيريا مع الأطفال السوريين. عائلتان سوريتان تقتسمان غرفة كبيرة. الأسرّة فوق بعضها، في منظر "يشبه الأسرّة العسكرية للجنود"، كما قال لنا أبو سالم، الأب لإحدى العائلتين.
"أخبرونا أن إقامتنا هنا مؤقتة، وبعدها سيفرزوننا إلى مأوى آخر في مدينة أخرى .. لا ندري ماذا ينتظرنا هناك"، قالها الرجل السوري وهو يتنهد، قبل أن يتابع: "ولكن الوضع هنا أفضل على أي حال من البقاء في الدول المجاورة لسوريا".
أعداد مضاعفة من اللاجئين
أحد الموظفين في مركز دورتموند تحدث إلينا بالقول: "لقد ازدادت الأعداد مؤخرا بشكل كبير، اضطررنا لتعيين عاملين جدد. نحن نعمل هنا منذ الصباح الباكر، على ورديتين، لاستيعاب طلبات اللجوء الكثيرة".
وبالفعل عند النظر إلى الإحصائيات الرسمية التي يصدرها المركز، نلاحظ أن شهر يوليو/ تموز مثلا من عام 2007 شهد تقديم 368 طلبا، فيما كان العدد 3178 طلبا لذات الشهر ولكن للعام الحالي 2014.
وبالعودة إلى المأوى، فهو مصمم كي يبيت فيه 350 شخصا، ولكن وبسبب العدد الكبير يتم استقبال أكثر من 400 شخص هنا وأحيانا 500 شخص، يمكثون لأيام قليلة، قبل أن يغادروا ويأتي غيرهم، بحسب بلدية دورتموند.
وعند الساعة الثالثة بعد الظهر تأتي حافلات وتنقل اللاجئين من هذا المأوى إلى مدن أخرى. وهناك يتم توزيعهم. الموظف يشرح لي: "العائلة تحصل غالبا على شقة لوحدها .. أما العازبون فينقلون إلى أماكن إيواء جماعية، لحين البت بطلب اللجوء".
وفي كثير من الأحيان يستغرق البت في طلب اللجوء حوالي 6 أشهر تقريبا، لكن وزراء داخلية الولايات الألمانية، اتفقوا الأسبوع الماضي على تسريع البت في طلبات اللجوء، سواء بالرفض أو القبول. وفي حال الرفض، يجب أن لا يجزع مقدم الطلب، لأن لديه فرصة للطعن بالقرار أمام المحكمة الإدارية. هذا الطعن يؤخر ترحيله من ألمانيا لحين فصل المحكمة بالقضية. أما في حال عدم الطعن فعليه مغادرة ألمانيا خلال 30 يوما.