مرصد تونسي لمراقبة البرلمانيين والساسة وفق النموذج الألماني
١٢ سبتمبر ٢٠١٢في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي أسس شبان تونسيون منظمة "البوصلة" غير الحكومية (وغير الربحية) بهدف مساندة المسار الديمقراطي في تونس وتعزيز "الصحوة المواطنية" في البلاد بحسب ما تقول المنظمة على موقعها الرسمي الإلكتروني. المنظمة التونسية أخذت زميلتها الألمانية "مرصد البرلمان" غير الحكومي كنموذج.
وكان الألمانيان غريغور هاكماك وبوريس هيكيل قد أسسا عام 2004 "مرصد البرلمان" وموقعه الإلكتروني www.abgeordnetenenwatch.de لمراقبة عمل البرلمانيين والساسة في ألمانيا وربطهم بالمواطنين من خلال أسئلة يطرحها هؤلاء.
تجربة "مرصد البرلمان" الألماني
وقال "غريغور هاكماك" في مؤتمر صحفي عقده الأربعاء (11 سبتمبر/ أيلول 2012) بالعاصمة تونس أن مبادرة "مرصد البرلمان" تقوم على مراقبة سياسيين ونواب في البرلمان الألماني عبر نقل أسئلة موجهة من المواطنين إلى النواب والسياسيين ونشر الأسئلة والأجوبة على الموقع الإلكتروني للمرصد. وأوضح أن الهدف من هذه المبادرة هو دعم "الشفافية" السياسية وتكريس مشاركة المواطن في الشأن العام.
وأضاف أن مرصد البرلمان الألماني يقوم اليوم بمهامه بشراكة وتعاون مع 3 وسائل إعلام كبيرة في ألمانيا إضافة إلى نحو 50 وسيلة إعلام محلية، موضحا أن نحو 90 في المائة من البرلمانيين في ألمانيا يشاركون في هذه المبادرة معتبرا هذه النسبة "إيجابية جدا". وقال إنه تم نقل تجربة "مرصد البرلمان" إلى كل من النمسا ولكسمبورغ و"قريبا" إلى أيرلندا وأن هذه التجربة معتمدة أيضا داخل البرلمان الأوروبي.
وبحسب المتحدث يتم شهريا ومنذ سنة 2004 توجيه معدل يتراوح بين 5 و10 أسئلة لسياسيين وبرلمانيين ألمان وأن نسبة الإجابة عن هذه الأسئلة في حدود 81 في المائة. وتابع أن "مرصد البرلمان" يحظى بدعم مالي من 1300 مانح بمعدل 10 يورو من كل مانح في الشهر وأن عدد زوار الموقع الالكتروني للمرصد بلغ 3 ملايين سنة 2011. وقال إن المرصد يسند في نهاية كل عام دراسي علامات للبرلمانيين حسب نسبة إجابتهم عن أسئلة المواطنين موضحا أن البرلماني الذي يجيب عن أكثر من 80 % من الأسئلة يحصل على أعلى الدرجات (الدرجة "أ").
وردا عن سؤال لـDW عربية حول كيفية التعامل مع النواب الذين يرفضون الإجابة عن الأسئلة قال هاكماك إنه يتم في هذه الحالة الاستعانة بشركاء المرصد من وسائل الإعلام التي "تضغط" على البرلمانيين للحصول منهم على إجابة وإن تعذر هذا الأمر تقع الإشارة على موقع المرصد بأن السياسي أو النائب المعني بالأمر رفض الإجابة عن تساؤلات المواطنين وهو ما يعتبر في حد ذاته فضيحة لذلك الشخص .
وكشف هاكماك أن نائبا في البرلمان الألماني استقال من مهامه سنة 2007 بعد أن ضغطت عليه وسائل إعلام إثر رفضه الإجابة عن أسئلة المرصد. وختم بأن المرصد "شجع ملايين من المواطنين على التواصل مع نوابهم في ألمانيا. وبهذه الطريقة ساهمنا في بناء ثقة في البرلمان وتعزيز الديمقراطية ونحن سعداء جدا بتقاسم خبرتنا مع منظمة البوصلة التونسية".
إشراك المزيد من النواب في حوار مع المواطنين
أميرة اليحياوي رئيسة منظمة "البوصلة" قالت لـ DW عربية إنه تم التفكير في بعث "المرصد" التونسي بهدف تعزيز الشفافية ومشاركة المواطن في الشأن السياسي وإشراك المزيد من النواب في الحوار مع المواطنين. وأشارت إلى أن عملية كتابة الدستور التونسي الجديد تتم حاليا داخل المجلس التأسيسي "بطريقة غير تشاركية" إذ ااستُبعِدَ منها مواطنون مهتمون بالموضوع.
اليحياوي أوضحت أن المرصد التونسي سيعتمد بدوره نظام أسئلة/ أجوبة تمكن المواطنين من طرح أسئلتهم وإقامة حوار دوري مع نوابهم، وسيوفر لوسائل الإعلام قاعدة بيانات تتعلق بالنواب وتبادلاتهم مع المواطنين وتمثل مصدرا للمقالات والمحادثات والتحاليل الصحفية. وأضافت أن المرصد سيعتمد أيضا على "مجلس حكماء" يضم 3 شخصيات مشهود لها بالكفاءة والحياد والخبرة في عدة مجالات بينها القانون والإدارة والانترنت.
مصاعب أمام تطبيق التجربة في تونس
وقالت أميرة اليحياوي إن منظمة البوصلة أقامت في 30 أغسطس/ آب 2012 دعوى قضائية ضد المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) المنبثق عن انتخابات 23 أكتوبر 2011 بسبب عدم التزامه بتطبيق "المرسوم عدد 41 المتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية" الذي فعلته الحكومة في مايو/ أيار الماضي.
وأوضحت الناشطة التونسية أن منظمتها وجهت في مناسبتين طلبا إلى رئيس المجلس التأسيسي لتطبيق القانون ونشر كل محاضر الجلسات التي يعقدها المجلس على الموقع الالكتروني لهذه المؤسسة لكنها لم تتلق ردا حتى الآن فلجأت إلى القضاء. وقالت إن مكتب رئيس المجلس التأسيسي ومعاونيه "يعطلون كل شيء" أمام من يريد الحصول على المعلومات والوثائق.
وتعليقا على هذا الأمر صرحت سلسبيل القليبي أستاذة القانون الدستوري بالجامعة التونسية وعضو لجنة تحكيم المرصد التونسي، إن تونس تحتاج اليوم إلى "ثورة في العقليات"، متوقعة أن يساهم المرصد في تعزيز الشفافية السياسية في تونس "حتى لا تنحرف السلطة" نحو الممارسات غير الديمقراطية.
وبدوره يرى لطفي الصايبي عضو مجلس الحكماء في تخصص "الإدارة والقيادة" أنه لا معنى للديمقراطية إن أعطينا السلطة السياسية لمن ينتخبهم الشعب والاكتفاء بالمتابعة السلبية لهم، مؤكدا ضرورة أن يستعين المواطن بآليات مثل المرصد تمكنه من مراقبة السياسيين ومتابعتهم في وقت قياسي.
في المقابل قالت أميرة اليحياوي إن عددا من نواب المجلس التأسيسي من المناصرين لمبدأ الشفافية يتعاونون مع منظمتها بشكل إيجابي جدا؛ إذ يمدونها بكل محاضر الجلسات التي تعقد داخل المجلس ويطلبون نشرها، لكنها أشارت إلى عدد هؤلاء قليل إذ لا يتعدى 7 من مجموع 217 نائبا في المجلس.
وبخصوص تفاعل البرلمانيين التونسيين من عدمه مع هذه البادرة قال الباحث الاجتماعي طارق بلحاج محمد لـDW عربية "أعتقد أن قلة قليلة من نوابنا سيتفاعلون إيجابيا مع المرصد لأن السياسيين في تونس معروفون بعدم رحابة صدرهم وحساسيتهم المفرطة من النقد وخاصة ممن يذكرهم بأنهم وصلوا إلى المواقع السياسية بفضل تفويض شعبي".
بيد أن الباحث الاجتماعي توقع في المقابل أن يكون المرصد "منبرا لردم الهوة والقطيعة التي تفصل بين النواب والسياسيين وقواعدهم الشعبية داخل البلاد".