السلطة الرابعة تخوض "معركة وجود" في تونس
٣٠ أغسطس ٢٠١٢التحول الذي تنشده الصحافة التونسية منذ الإطاحة بالنظام السابق، نظام بن علي، مازال يفتقد في نظر الخبراء إلى التأهيل الأكاديمي فضلا عن ضرورة تأسيس منظومة قانونية تسير القطاع، سواء عبر هيئات متخصصة او نصوص تشريعية. ولا تقف معضلة التحول عند هذه النقطة. فالسلطة الجديدة بدورها تعتبر ان من واجبها تطهير الإعلام الفاسد وريث النظام السابق، وان من اختصاصتها إدارة المؤسسات الإعلامية العمومية وتعيين من تراه مناسبا على رأسها.
وكانت الهيئة الوطنية لإصلاح الاعلام والاتصال والتي تأسست بمرسوم في آذار/مارس 2011 لتنظيم القطاع قد اعلنت في الرابع من يوليو/تموز الماضي عن حل نفسها بنفسها احتجاجا على طريقة اقالة وتعيين المديرين بمؤسسات إعلام عامة من قبل الحكومة المؤقتة. وقالت الهيئة في بيان لها إنها ترفض ان تكون "ديكورا" مشيرة إلى المخاطر التي تتهدد حرية الاعلام في تونس بسبب عدم تفعيل الحكومة للمرسومين 116 و115 لسنة 2011 والمنظمان للقطاع الاعلام.
وتعتبر الحكومة إن المرسومين المذكورين يتضمنان اخلالات قانونية ويفتقدان إلى قوة القانون لعدم التصديق عليهما داخل المجلس التأسيسي.
"واقع ضبابي"
وقالت سيدة الهمامي عضو بالمكتب التنفيذي للنقابة التونسية للصحافيين وعضو تنفيذي في الجمعية التونسية للصحافيين الشبان في حديثها لـDW "الاعلام اليوم يعيش واقعا ضبابيا بسبب الفراغ القانوني وغياب الهيئات المتخصصة التي ستشرف على دواليب القطاع مثل توزيع الإشهار ومراقبة اخلاقيات المهنة وغيرها، وتتقاسم الحكومة والنقابات مسؤولية ذلك. فمن جهة، الحكومة متمسكة بعدم تفعيل المراسيم المنظمة للقطاع والنقابات بدورها، متمسكة بتطبيق تلك القوانين ولا تبدي استعدادا لتعديلها".
وأعقبت حملة التعيينات التي أطلقتها الحكومة المؤقتة بقيادة حركة النهضة الإسلامية وشملت مديري التلفزة والإذاعات العمومية ودار الصباح شبه الحكومية، موجة احتجاجات من جانب نقابة الصحافيين والوسط الإعلامي ولدى منظمات من المجتمع المدني كما فجرت شكوكا بشأن مدى جدية الحكومة في احترام مبدأ استقلالية الاعلام ما بعد الثورة.
لكن الهمامي التي تعمل صحفية بإذاعة "موزاييك اف ام" تعتبر ان معركة التعيينات مفتعلة. فهي ترى أن من حق الحكومة بحسب القوانين ان تعين موظفيها في قطاع الاعلام العمومي، لكن يبدو الاشكال حسب رأيها انها قد أخطأت في تعيين الأشخاص المناسبين. وتعتبر في المقابل أن ليس من حق النقابات ان تتدخل في التعيين فهي لديها مهام وواجبات اخرى.
وقالت الهمامي "كان من الممكن مثلا لتفادي هذه الزوبعة الاحتكام الى قانون الشغل ما يسمح بترقية الموظفين النزهاء وبالتالي يمكن ان يكونوا مديرين في تلك المؤسسات الاعلامية العمومية".
وأوضحت "إن اي سلطة في العالم تريد تقليص هامش حرية الاعلام وهذا يرتبط بمدى قدرة الوسط الاعلامي على الصمود والنضال وعدم الارتهان للسلطة. واليوم نرى في تونس ان البعض من الصحافيين بدأ يرتهن للسلطة كما أن شق آخر ارتهن للمعارضة، وبالتالي فإن الخطورة من الجانبين".
قائمة سوداء
ولا تقتصر معركة الاعلام والسلطة على جبهة واحدة إذ يبدو أنها بدأت تاخذ منحى جديدا وأكثر حدة. فمن جهة، بدأت الحكومة تلوح بنشر القائمة السوداء للصحافيين الذين تمعشوا من النظام السابق وملاحقة حتى البعض منهم قضائيا وفي المقابل بدأت نقابة الصحافيين تلوح بالإضراب العام احتجاجا على ما تراه تضييقا لحرية الاعلام ويعتزم بعضهم رفع قضايا ضد مسؤولين حكوميين بسبب تصريحات مسيئة واتهامات غير صحيحة حسب رأيهم.
وأدى ايقاف سامي الفهري مالك قناة "التونسية" الخاصة بتونس والتي تحظى بنسبة مشاهدة عالية على خلفية ضلوعه في مخالفات مالية في النظام السابق، إلى تصاعد الأزمة خاصة مع تصريحات الفهري التي أكدت وجود ضغوط حكومية لإلغاء برامج ساخرة وناقدة للسلطة تبث على قناته، وخاصة برنامج "اللوجيك السياسي" الذي تجسد فيه عرائس شخصيات سياسية في حوارت ساخرة تحظى بمتابعة واسعة.
وقد أعربت منظمة "مراسلون بلا حدود" عن قلقها إزاء عملية ايقاف سامي الفهري. وذكرت المنظمة في بيان لها إنها قلقة "من عيوب الإجراءات التي ساهمت في تسريع إصدار مذكرة الإيقاف ضد مالك قناة التونسية الخاصة سامي الفهري" وتطالب بإقامة محاكمة عادلة "لا تشهد أي تدخل من السلطة".
وسبقت هذه المحاكمة قضايا اخرى مرفوعة ضد مديري مؤسسات اعلامية خاصة وصحفيين. اتهموا اما بالثلب او ترويج اخبار كاذبة والاخلال بالامن العام او مخالفة الآداب الحميدة.
"معركة لي زراع لين السلطة والإعلام"
وقال الناشط الحقوقي زهير مخلوف رئيس فرع منظمة العفو الدولية في تونس في حديثه مع DW "هي معركة لي ذراع بين السلطة والاعلام، السلطة تبحث عن تطويع الاعلام لتنفيذ مشاريعها الخاصة والاعلام من جهته يحاول ان يتصدى ويهيمن على الحكومة حتى لا تنفذ قراراتها وتنفيذ مشاريعها الخاصة".
وأضاف "الاعلام اليوم يخوض معركة وجود ومعركة الاستقلالية والحيادية. وهي جزء من معركة المجتمع المدني الذي يريد ان يكون بوضع موازن للسلطة والحكومة. وهذه الظاهرة المثالية شرط اساسي وصحي لتأسيس مجتمع ديمقراطي فعال".
ولا ترى السلطة هذه المعركة بنفس المنظار. فهي تعتبر ان جزء من المشهد الاعلامي مورط مع ما يسمى "بقوى الردة" في تونس وبقايا النظام السابق الذين يخططون لاجندة مضادة للحكومة المنتخبة بصفة شرعية بعد انتخابات 23 اكتوبر من العام الماضي.
وقال عدنان منصر الناطق باسم رئاسة الجمهورية في حديث مع DW "هذا التجاذب بين السلطة والاعلام سينتهي بمجرد ان يتحول الإعلام الى إعلام محترف، ولا يجب هنا ان نخلط بين الحابل والنابل. فهناك اعلاميون يمارسون دورهم بحرفية ولكن الكثير من المنخرطين في العمل الصحفي ضالعون اليوم في الصراع السياسي، ونسبة كبيرة منهم كانت تطبل للديكتاتورية وهي نفسها التي تنشر حنينها الى النظام السابق وتهاجم الحكومة والوضع ما بعد الثورة والانتخابات، باختلاق أخبار زائفة بطريقة غير مهنية والمس من كرامة الناس وأعراضهم. ونحن نعتقد ان جزء هام من هذا يحصل بطريقة ممنهجة".
وأوضح منصر "يجب الاعتراف من جهة أخرى ان الاعلام مثل بقية القطاعات يمر بمخاطر ويحتاج إلى وقت حتى يصلح نفسه ويتجاز الاعلاميين المهنيين والشرفاء فيه أخطاء بعض المنتسبين اليه".