مراجعة شاملة لأسباب تراجع مهنة البحث العلمي في ألمانيا
٢٢ سبتمبر ٢٠١٢منذ أن قررت متابعة رحلتها الدراسية، كانواضحا بالنسبة لفيبكة اسيدار(28 ربيعا) أن فرصة إيجاد عمل لها في المستقبل غير مضمونة،فهي تعد أطروحة الدكتوراه في جامعة بيلفيلد. فبعد أن عملت فيبكه فيمشروع بحث علمي، حصلت على منحة دراسية إضافة إلى ساعات عمل محدودة. قرب انتهاءالمنحة الدراسية يجعل فيبكه قلقة بشأن مستقبلها العملي، فرغم عرض رئيستها للعمللديها،إلا أن ذلك غير مؤكد،حسبما تقول فيبكه وتضيف "يتعلق الأمر بالحصول على موافقة لتمويل مشاريع بحثيةأخرى".
حال فيبكه يشبه حال الكثير من طلاب الدراسات العليا في ألمانيا والذين يبلغ عددهم حوالي 200 ألف طالب. فعلى هؤلاء الطلبة الحصول على شهادة الدكتوراه رغم الشروط القاسية المفروضة عليهم. إذ لا تعد شهادة الدكتوراه بمستقبل مهني آمن، رغم ساعات العمل الطويلة والرواتب المنخفضة و عقود العمل المؤقتة. و حتى طلبة البحث العلمي من حاملي شهادة الدكتوراه تبقى عقود عملهم مؤقتة لسنوات عديدة قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى منصب الأستاذية المرموقة. الأمر الذي يجعل البحوث العلمية في ألمانيا ضعيفة حسبما يؤكد بعض الخبراء. إذ غالبا ما يفضل العلماء الأجانب الابتعاد عن الجامعات الألمانية. أما الباحثون الألمان الذين تتاح لهم فرصة الذهاب إلى الخارج فيفضلون الدراسة في الجامعات المرموقة خارج ألمانيا.
وظائف ثابتة بدلا من عقود عمل مؤقتة
وتدعو نقابة التربية والعاملين في البحث العلمي في ألمانيا إلى إحداث تغييرات جذرية في شروط الجامعات الألمانية، وذلك من خلال إجراء تعديلات في السياسة المتعلقة بشؤون الموظفين في الجامعات ومؤسسات البحث العلمي. ففي عام 2010 عقدت نقابة التربية والعاملين في البحث العملي مؤتمرا للعلماء في مدينة تمبلين، والذي تم فيه بحث ميثاق يتضمن عشرة مطالب كتأمين فرص عمل لطلاب الدراسات العليا إلى جانب ضرورة ضمان آفاق ملموسة للباحثين العلمين من حملة شهادة الدكتوراه وفرص عمل للمحاضرين الجامعين.
أما مؤتمر العلوم لهذا العام الذي عقد في شهر أيلول/سبتمبر الحالي، فركز على "بناء الجامعات" في ألمانيا. وخلال المؤتمر الذي أقيم في مدينة هيرشنغ بالقرب من ميونخ ، تمت مناقشة "ميثاق" أطلقوا عليه أسم "ميثاق هيرشينغ"والذي ينص على ضرورة تحسين عقود عمل العلماء. وستعرض النتائج النهائية لهذا المؤتمر في شهر نوفمبر /تشرين الثاني المقبل. ويؤكد الميثاق الذي خرج به المؤتمر على ضرورة إحداث تغييرات عملية في مجال البحث العلمي، إذا أرادت ألمانيا المنافسة على الصعيد الدولي. فالمستقبل المهني للعلماء في ألمانيا غير مضمون حسبما يؤكد أندرس كيللر من نقابة المعلمين والذي يقول " عقود العمل قصيرة مايقيد ذوي الكفاءات العلمية العالية".
"المسار الوظيفي" مصطلح جديد
علاوة على ذلك تفتقد ألمانيا إلى مخططات عمل للعلماء الطموحين، كتلك الموجودة في بلاد أخرى منذ زمن بعيد. فعلى سبيل المثال ستقوم جامعة ميونخ التقنية بتطبيق إجراء "المسار الوظيفي" الذي يعد جزءا من الحياة اليومية في انكلترا وأمريكا. ومن خلاله يحصل العلماء الشباب على منصب أستاذ مساعد لمدة ست سنوات براتب ثابت وكثير من المسؤوليات.
والعلماء الذين ينجحون في عملهم خلال السنوات الست يتم ترقيتهم إلى منصب أستاذ مشارك، وهو منصب غير محدد بفترة زمنية، ويتيح إمكانية الوصول إلى منصب الأستاذية المرموق. رغم أن الضمان المادي من خلال هذا النموذج أفضل من ذي قبل، إلا أن هناك ضغوطات أخرى حسبما تؤكد طالبة الدراسات العليا فيبكه والتي تضيف "قد لا أنجح في البقاء في هذا النظام في السنوات الست الأولى، ما يجعل الآفاق المستقبلية محدودة وخاصة لمن يرغب في تأسيس عائلة".
استعداد لمستوى وظيفي جديد
و هو أمر دفع النقابة إلى التشجيع على ضرورة تقوية المستوى الوظيفي بين الأساتذة والعلماء الصغار كما هو الحال في بعض الدول كفرنسا وانجلترا. فالعلماء الذين يملكون عقود عمل دائمة يقع على عاتقهم القيام بمهمات البحث العلمي دون أن تتم بالضرورة ترقيتهم إلى منصب الأستاذية المرموق.
ويطالب كيللر بضرورة ضمان أماكن عمل طلاب البحث العملي من حملة شهادة الدكتوراه ويضيف في هذا الصدد قائلا" هؤلاء الطلبة يجب أن تكون لديهم آفاق تضمن بقائهم في الجامعة". تساؤلات كثيرة تدور حول ما إذا كانت الجامعات ستوافق على تطبيق هذا الميثاق الذي ترى فيه نموذجا جيدا، كما يوجد لديها الكثير من العمالة الرخيصة والناشطة في مجال البحث والتعليم.