مخرج إسرائيلي: أناضل من أجل فلسطين لأني أحب ديني اليهودي
٢٠ فبراير ٢٠١٦عُرِضَ فيلم "مفرق 48" للمخرج الأمريكي الإسرائيلي أودي ألوني في مهرجان برلين السينمائي "البرليناله" لهذا العام (2016). ويحكي قصة الشاب الفلسطيني كريم من مدينة اللد، ويمثل دورَه مغني الراب الفلسطيني تامر النفار. يطمح كريم إلى أن يصبح مغني راب وأن يكون باستطاعته إقامة الحفلات في الملاهي الإسرائيلية. لكنه يصطدم بالتمييز العنصري، الذي يتعرض له لكونه فلسطينيا داخل إسرائيل. ومن خلال شخصية كريم وعائلته وأصدقائه، يسرد الفيلم واقع حياة "فلسطينيي 1948" وما يتعرضون له من تهميش وقمع وظلم. ولكنه في نفس الوقت يتناول المشاكل، التي يعانون منها داخل مجتمعهم، كالمخدرات والبطالة والعنف وترسخ السلطة الذكورية.ولكنه يعرض أيضاً قصة حب رقيقة بين كريم والشابة الجامعية منار. DWعربية التقت مخرج الفيلم أودي ألوني وأجرت معه الحوار التالي:
DWعربية:كيف نشأت فكرة هذا الفيلم الذي يتناول وضع فلسطينيي 1948 بالتعاون مع تامر النفار؟
أودي ألوني:لقاؤنا الأول كان قبل أربعة عشر عاماً. آنذاك نشأت صداقة رائعة بيننا وعملنا معاً في عدة مشاريع فنية، كان منها مشروع في مسرح الحرية بمخيم جنين. حاولنا من خلال هذه المشاريع الفنية أن نكسر الحاجز الاصطناعي، وأن نعيد الصلة بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفلسطينيي 1948. هؤلاء شعب واحد، ولكن الحدود الفاصلة بينهم جعلتهم يطورون ثقافات مختلفة، وحتى لغات مختلفة. كنا نريد من خلال مشاريعنا الفنية أن نكسر هذه الحواجز. وكل مرة كنا نعمل فيها معاً كنا نقترب من بعضنا البعض، وذات يوم قررنا أن نبدأ في مشروع هذا الفيلم.
لماذا اخترتم بالذات مدينة اللد كمسرح لأحداث الفيلم؟
كان من المهم بالنسبة لي أن يُظهر الفيلم كيف تشتت الشعب الفلسطيني وتقسم بعد 1948، حيث ذهب جزء منه ليعيش في مخيمات اللاجئين في غزة وغيرها من المناطق، وجزء آخر بقوا في أرضهم، التي أصبحت إسرائيل. صحيح أن هؤلاء لهم حقوق أكثر من غيرهم من الفلسطينيين، لكنهم لا زالو نوعاً ما لاجئين في أرضهم، وبالأخص في اللد. فمعظم السكان الفلسطينيين هناك من الذين هُجروا من مدن أخرى مثل يافا ونزحوا إلى اللد. كانت هناك موجات نزوح في الداخل. وهذا ما أردنا أن نظهره في الفيلم من خلال اللهجات التي يتكلمها الأشخاص، وكيف يتصرفون ويتحركون.. إلخ.
اخترت في فيلمك أن توظف موسيقى الراب وأن تعمل مع مغني الراب الفلسطيني تامر النفار. لماذا؟
أنا فنان وما يهمني في الدرجة الأولى هو الفن، الذي أحبه، والذي أعتبره أداة للمقاومة. هناك عدة ضروب من الفن، وليس هناك فرق بين غناء الراب أو عرض مسرحية "بانتظار غودو"، المهم هو إتقان هذا الفن. ليس هناك فن راقٍ وفن شوارع. صديقي جوليانو مير خميس، الذي أُغتيل قبل بضعة أعوام أمام مسرح الحرية في جنين، كان يقول "رقي الفن هو المقاومة". وتامر النفار له حضور قوي كمغني راب، لذا قررنا أن نعمل هذا الفيلم الذي يمكن للمشاهد خارج البلاد أيضاً أن يفهمه. فمثلاً إذا شاهد السود في أمريكا كيف تفتش الشرطة الإسرائيلية الشباب العرب في الفيلم فقط لأنهم عرب، فإنهم (أي السود) سيتفهمون هذا الشعور، لأنهم يتعرضون لهذا التمييز العنصري في بلدانهم أيضاً. وهذا ليس شيئاً جديداً بالنسبة لهم. ليس الهدف أن نستخدم الثقافة الغربية في أعمالنا الفنية فقط، بل أن نستخدم الثقافة الغربية وأن نضيف عليها العنصر المحلي، ثم نعرضها على العالم مجدداً ليستفيد منها ويتعلم.
في الفيلم لا نرى شخصيات إسرائيلية طيبة. فالإسرائيليون في الفيلم يعاملون الفلسطينيين بعنصرية وعنف. هل تعمدت هذا في "مفرق 48"؟
هذا وصف خاطئ للفيلم. الفيلم لا يكترث بالشخصيات الإسرائيلية. فهو يركز على شخصيات الفلسطينيين الذين هم مواطنون إسرائيليون. اليهود الإسرائيليون ليسوا مهمين في الفيلم، فهو لا يحاول أن يفهم نفسيتهم. في الحقيقة يظهر الفيلم أيضاً شخصيات فلسطينية كتاجر المخدرات العربي، الذي يقتل أعز أصدقائه، أو العائلة التي تقيد حرية ابنتها وتهددها. صناعة الأفلام في هوليوود مُتَعَوّدة أن تظهر اليهودي الإسرائيلي على أنه هو الشخص الرئيسي، الذي يعاني، حتى ولو كان شريراًـ وأنا أتكلم هنا فقط عن اليهودي الإسرائيلي في مضمون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وليس بشكل عام. الأفلام التي يصنعها غربيون ليبراليون تصور الإسرائيلي اليهودي كشخص له مشاعر، بينما يُصوَر الفلسطيني على أنه شيء ما تُسقط عليه هذه المشاعر. على العكس من ذلك، يتعامل فيلمي مع القضايا داخل المجتمع الفلسطيني على اختلافها وتنوعها. هناك نرى شخصيات تسعى إلى حياة عادية، ونرى أيضاً عصابات مخدرات، ونرى شخصية الأم الرائعة، التي كانت ماركسية، ثم أصبحت حكيمة تشفي المرضى بتلاوة آيات القرآن. في هذا الفيلم نحن ملتزمون فقط بالحقيقة، ولا نحاول أن نظهر المجتمع الفلسطيني على أنه سيء أو جيد، بل نصف الوضع كما هو.
كيف تتوقع أن يتلقى الجمهور الإسرائيلي اليهودي فيلمك؟
إذا كنت متفائلاً من هذه الناحية، فإنني أعتقد أن كثيرين سيأتون لحضور الفيلم. أعتقد أن السياسة في إسرائيل أيديولوجيّة جداً، واليمين المتطرف فاشي النزعة، ولكن أعتقد أن كثيرين من الجيل الجديد يبحثون عن شيء ما، وكثيرون منهم يحترمون تامر، حتى بعض مغني الراب اليهود المناصرين لليمين الإسرائيلي. فربما سيثير الفيلم عندهم نوعاً من الفضول ويأتون لمشاهدته وربما سيحبونه.
الفريق المنتج للفيلم كان فيه فلسطينيون وإسرائيليون يهود. كيف كانت تجربتكم؟
عملية إنتاج هذا الفيلم كانت بحد ذاتها شيئاً رائعاً. فقد جمعنا أحسن العاملين في مجال صناعة السينما من الإسرائيليين ومن فلسطينيي الداخل، وعملنا هذا الفيلم من منظور فلسطيني. أي أننا لم نعمل فيلماً آخر يسرد قصة الفلسطينيين من منظور اليهود الإسرائيليين الليبراليين اليساريين. ومع أن نهاية الفيلم متشائمة، لكن ما حدث خلف الكواليس هو نوع من "اليوتوبيا"، بعيداً عن خطاب الكراهية والتطرف والعنف، وهو أن يعمل فريق من اليهود مع فريق من الفلسطينيين معاً على إنتاج هذا الفيلم. وهذا ما جعلني أصبح متفائلاً بعض الشيء. وليس من السهل أن يكون المرء متفائلاً في هذه الأيام.
أنت إسرائيلي يهودي، ولكن مواقفك السياسية هي ضد سياسية الحكومة الإسرائيلية. فكيف توفق بين كونك يهوديا وبين كفاحك من أجل حقوق الفلسطينيين؟
أنا ولدت كيهودي إسرائيلي، ويهوديتي مهمة جداً بالنسبة لي، مع أنني إنسان يحترم القيم الإنسانية العالمية. ولكنني أدركت أن الإمكانية الوحيدة لي من أجل البقاء في إسرائيل لن تتحقق إلا إذا تضامنت كلياً مع فلسطين. لن يكون لي كيان إلا عندما يصبح الفلسطينيون متساوين معي. من خلال فيلمي هذا ومن خلال هذا الشيء الجديد، أخلق إمكانية جديدة لوجودي.
بما أنك تكافح من أجل حقوق الفلسطينيين وتعارض حكومة بنيامين نتنياهو بشكل جذري، هل تتعرض لاتهامات بأنك معادٍ للسامية؟
أنا أعلم أن هناك معاداة للسامية في أوروبا، ولا أريد أن أكون ضد شعبي. ولكنني أشعر أنني عندما أناضل من أجل فلسطين، فإنني أناضل في نفس الوقت من أجل مصلحة اليهود. الطرفان موجودان على نفس الجهة، وليسا متضادين. أنا أنتقد إسرائيل لأنني أحب فلسطين/ إسرائيل، أحب هذا المكان، وأحب الشعبين. وأنتقد إسرائيل لأني أحب ديني اليهودي، ولا أرضى أن يسكتني اليمينيون، كما أني لا أنخدع بادعاءاتهم.
من الواضح أن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وصلت إلى طريق مسدود. فكيف يمكنك متابعة كفاحك كفنان وناشط في ظل هذا الوضع؟
بالإضافة إلى مشاركتي في الاحتجاجات ضد مصادرة الأراضي الفلسطينية، هناك طريقة أخرى، وهي أن أساهم في جعل أولاد شريكي في الفيلم تامر النفار وابنتي ينظرون إلى آبائهم ويدركون أن هناك طرقاً أخرى للتعايش، وليس فقط التفرقة العنصرية. وربما سنكون نحن قدوة للجيل الجديد. فنظام التفرقة العنصرية سيزول، لأنه لا بد أن تـَكبّر وحماقة هذا النظام سيدمرانه يوماً ما. عندئذ نريد أن نكون هناك، وأن نعرض بديلاً، لغة بديلة ـ لغة تعلمناها من محمود درويش وإدوارد سعيد وأمي شولاميت ألوني. ما نعمله هو شيء متواضع، لكنه كافٍ من أجل جعلنا متفائلين قليلاً.
أجرى الحوار: نادر الصراص