مخاوف أمنية واجتماعية وراء تراجع تونس عن فتح حدودها للرعايا المغاربيين
١٤ يوليو ٢٠١٢في 28 حزيران/يونيو 2012 أعلن عبد الله التريكي، كاتب الدولة(وزير دولة) التونسي لدى وزير الشؤون الخارجية، المكلف بالشؤون المغاربية والعربية والإفريقية أن بلاده ستسمح لمواطني الجزائر والمغرب وموريتانيا بدخول تونس "بمجرد الاستظهار ببطاقة الهوية عوضا عن جواز السفر" وستمنحهم حريات التنقل والشغل والتملك والاستثمار في تونس. وبعد أربعة أيام فقط تراجعت وزارة الخارجية عن القرار وأعلنت في بيان (أصدرته يوم 3 تموز/يوليو 2012) أن "التراتيب (الجاري بها العمل) المتعلقة بتنقل الأشخاص بواسطة جوازات السفر ما زالت سارية المفعول ولم يحدث عليها أي تغيير".
ويأتي التراجع بعد إعلان الجزائر وأحزاب معارضة تونسية رفضها للقرار وإطلاق نشطاء انترنت تونسيين حملة على شبكات التواصل الاجتماعي تحمل عنوان "لا لفتح الحدود".
الجزائر ترفض "الحريات الأربعة" والمغرب يؤيد "الخمس"
قرار الحكومة التونسية بمنح مواطني الجزائر والمغرب وموريتانيا الحريات الأربع "يدخل في سياق تدابير استباقية من جانب واحد (..) والسلطات الجزائرية ليست معنية بهذا القرار (الذي) لم تُستشر بشأنه ولم تشرك فيه"، هكذا رد مسؤول في الخارجية الجزائرية على القرار التونسي. المسؤول الجزائري برر في تصريح صحفي نشرته جريدة الخبر الجزائرية يوم 2 يوليو/تموز 2012 موقف بلاده الرافض للقرار التونسي بعدم استقرار الأوضاع الأمنية في ليبيا.
وبعد أيام قليلة من تراجع تونس عن قرارها، لوحظ ان الجزائر احتضنت اجتماعا لوزراء خارجية بلدان المغرب العربي، شدد على أهمية التحديات الأمنية التي تواجه البلدان الخمس، فيما يعتبر رسالة لأولوية الاعتبارات الأمنية على حساب مسألة حريات التنقل والتملك والاستثمار الذي سعت الحكومة التونسية لتحقيقه عبر قرارها الذي تراجعت عنه.
بيد أن ردود فعل دول المغرب العربي من المبادرة التونسية كانت متفاوتة، فقد ففي 4 يوليو/تموز 2012 طالب السفير المغربي بتونس نجيب زروالي وارثي في مؤتمر صحفي السلطات التونسية "بالمعاملة بالمثل" مذكرا بأن التونسيين المقيمين في المغرب يتمتعون (بموجب اتفاقية وقعها البلدان سنة 1964) بحق الإقامة والعمل والشغل والتملك والاستثمار وتحويل المدخرات المالية.وأضاف أن الأمر الملكي الصادر سنة 1973 خصّ التونسيين والسنغاليين دون سواهم بحق تملك الأراضي الزراعية في المغرب. وتابع أن بلاده تمنح الأجانب الذين يقيمون على أراضيها منذ أكثر من 5 سنوات حق المشاركة في الانتخابات البلدية (المحليات).
ويقيم في تونس 20 ألف مغربي "لا يتمتعون بأي حق من الحقوق الأربعة المنصوص عليها في الاتفاقيات الثنائية" بحسب عبد الله التريكي الذي قال إن هؤلاء طالبوا وزارة الخارجية التونسية بتفعيل الاتفاقيات والمعاملة بالمثل.
في الأثناء لم يصدر عن موريتانيا أو ليبيا موقف رسمي بخصوص القرار التونسي.
مخاوف أمنية واجتماعية من الحريات الأربعة
ورغم وجود دعوات على فيسبوك منذ سنوات تدعو لفتح الحدود بين بلدان المغرب العربي، وخصوصا الحدود الجزائرية المغربية المغلقة منذ سنة 1994، فقد أثار قرار الحكومة التونسية فتح الحدود لرعيا بلدان المغرب العربي، دعوات مضادة لنشطاء تونسيين على فيسبوك، وأبدوا مخاوفهم من فتح حدود البلاد.
وأبدى بعض الشبان التونسيين الذين استطلعت DW عربية آراءهم، مخاوفهم من قرار حكومة بلادهم منح مواطني دول المغرب العربي الحريات الأربع .وقال أحمد (25 عاما، خريج جامعة عاطل عن العمل) إن فتح الحدود أمام مواطني المغرب العربي في هذا الظرف قرار "خطير ومتسرع وغير مدروس ويشكل تهديدا أمنيا كبيرا لتونس".
وأضاف ''التهديد الأمني يأتي أساسا من الجزائر التي يرابط فيها تنظيم القاعدة (في بلاد المغرب الإسلامي) الذي يشتغل في الإرهاب وتجارة المخدرات...وإن تم اعتماد بطاقات الهوية بدلا عن جوازات السفر التي تحمل أختام الدخول والخروج، يمكن أن يتسلل بعض أعضاء التنظيم بسهولة إلى تونس".
نفس الموقف تقريبا، عبَرعنه فؤاد (27 عاما، عامل في متجر) الذي قال إن دول المغرب العربي "تعاني مشاكل اجتماعية كبيرة كارتفاع البطالة وتفشي الجريمة وتجارة المخدرات والدعارة... ويبدو أن حكام تونس يريدون أن يستوردوا لنا مزيدا من هذه المشاكل".
أما سلمى (32 عاما، موظفة في وكالة أسفار) فقد حذرت من "فتح أبواب البلد على مصراعيها أمام كل من هب ودبّ" واقترحت وضع شروط معينة لقبول الوافدين المغاربيين مثل أن يحمل الوافد مبلغا معينا من المال يحفظ كرامته خلال إقامته بتونس، وأن يكون نقيا من السوابق العدلية".
تونس والمغرب يقللان من مخاطر الحريات الأربع
عبد الله التريكي، كاتب الدولة التونسي لدى وزير الشؤون الخارجية، المكلف بالشؤون المغاربية والعربية والإفريقية قلل من مخاوف التونسيين من منح المغاربيين الحريات الأربع. ووصف التريكي مخاوف التونسيين من منافسة مواطني دول المغرب العربي لهم في سوق الشغل التونسية بأنه "غير مبرر".
وقال إن "الأجر الأدنى في المغرب والجزائريعادل أضعاف الأجر الأدنى في تونس" وأن "اليد العاملة المختصة المغربية والجزائرية كالمهندسين والأطباء وغيرهم تتقاضى أجورا أضعاف ما يتقاضاه أمثالهم في تونس".وبخصوص الجانب الأمني أفاد التريكي أن "العبور إلى تونس عن طريق الاستظهار ببطاقة الهوية لا يعنى عدم متابعة الوافدين والتثبت من هوياتهم وذلك في إطار الجهود التنسيقية مع بلدان المصدر".
أما السفير المغربي بتونس فقد اعتبر أن "حمل مواطني المغرب وتونس لبطاقة الهوية البيومترية (الالكترونية أو الذكية) يعتبر أكثر أمانا من جواز السفر". وأضاف أنه تم خلال اجتماع اللجنة العليا المشتركة التونسية المغربية الذي انعقد بالرباط يومي 15 و16 حزيران/يونيو 2012 ، الاتفاق على إحداث لجنة بين وزارتي الداخلية في تونس والمغرب لدراسة آليات السماح لمواطني البلدين بالسفر في الاتجاهين ببطاقة الهوية. وتوقع أن تقدم اللجنة نتائج عملها إلى القمة المغاربية المقرر عقدها في تونس في تشرين الأول/أكتوبر 2012.
رئيس تونس يريد الحريات الخمس
الرئيس التونسي منصف المرزوقي أعلن في حزيران/يونيو 2012 انه قدم مشروع قانون إلى المجلس الوطني التأسيسي (له سلطات التشريع) للمطالبة بإعطاء مواطني دول المغرب العربي "الحريات الخمس" أي حرية التنقل والإقامة والعمل والاستثمار والمشاركة في الانتخابات البلدية (المحليات). وقال المرزوقي إن الحريات الخمس ستكون "الهدية" التي ستقدمها بلاده إلى بلدان المغرب العربي خلال قمة قادة الدول المغاربية المقررة في تونس في تشرين الأول/أكتوبر 2012 والتي ستكون الأولى من نوعها منذ 18 عاما.
من ناحيتها أعلنت وزارة الخارجية التونسية (في بيان نشرته يوم 3 تموز/يوليو 2012) أنها "بصدد تنظيم اجتماعات ثنائية بالجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا (...) في إطار الحرص على تحقيق المبادرة التي أعلنها رئيس الجمهورية (المنصف المرزوقي) بشأن إطلاق الحريات الخمس لمواطني بلدان المغرب العربي".
وتعطلت مسيرة منذ 1994 بسبب الخلافات بين المغرب والجزائر حول الصحراء الغربية. سامي الرمادي رئيس الجمعية التونسية للشفافية المالية قال لـ DW عربية إن السلطات الحالية في تونس ليس لها "شرعية" اتخاذ قرار بهذه "الخطورة". وذكر بأن هذه السلطات وصلت إلى الحكم إثر انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أجريت يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 وبالتالي فإن "شرعيتها تأسيسية" فقط (أي كتابة دستور جديد يؤسس للمرحلة القادمة) مطالبا بعرض الخيارات السياسية الكبرى على "استفتاء شعبي".
حاتم الشافعي – تونس
مراجعة: منصف السليمي