"محطة مصر النووية لن تؤجج السباق النووي في الشرق الأوسط"
٢٧ أغسطس ٢٠١٥كشف المدير العام لهيئة الطاقة الذرية الروسية سيرغي كيرينكو لوكالة "ريا نوفوستي" الروسية عن بعض تفاصيل مشروع المحطة النووية، التي تنوي مصر بنائها بمساعدة الخبراء الروس. وأوضح أن مذكرة التفاهم بين البلدين تتعلق ببناء أربع محطات لإنتاج الكهرباء بطاقة 1200 ميغاوات لكل منها بقيمة خمسة مليارات دولار. ويتزامن الإعلان عن هذا المشروع مع مجموعة من المتغيرات الدولية والإقليمية أهمها توصل المجتمع الدولي لاتفاق مع طهران حول برنامجها النووي، وتذبذب العلاقات بين القاهرة وواشنطن بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي. ويُذكر أن الطموحات النووية المصرية ليست وليدة اليوم، إذ كانت مصر من أولى دول المنطقة التي سعت لتطوير برنامج نووي لإنتاج الطاقة، غير أن ذلك تعثر على مدى العقود الماضية. ولتوضيح خلفيات المشروع المصري الجديد أجرت DW الحوار التالي مع الدكتور عامر البياتي، الإعلامي والخبير في الشؤون الذرية والنفطية.
DW: ما هو تقييمك لفكرة مشروع بناء أكبر محطة نووية مصرية والتي أعلنها كل من الرئيسين فلاديمير بوتين وعبد الفتاح السيسي؟
الدكتور عامر البياتي: بالفعل اتفق الجانبان الروسي والمصري على إنشاء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، ومعلوم أن مصر كان لها منذ عهد الرئيس السابق حسني مبارك تطلعات لإنشاء مفاعل نووي في مدينة الضبعة (التابعة لمنطقة مرسى مطروح). ومن بين أسباب تعثر المشروع معارضة إسرائيل المباشرة له. والواقع أن مصر تخلت عن برنامجها النووي بسبب الضغوط الأمريكية، والكل يعرف حجم المساعدات الأمريكية للجيش المصري، وبالتالي تم تعليق المشروع.
اليوم تغيرت الظروف الدولية والإقليمية، والسيسي يحول البوصلة في اتجاهات مختلفة، محاولا جس النبض بين الشرق والغرب، ثم إن لا أحد يمكنه أن يمانع أو يعترض على طموحات مصر لتوليد الطاقة الكهربائية بواسطة مفاعلات نووية، والوكالة لدولية للطاقة الذرية في فيينا لم تعترض على ذلك أبدا. وأعتقد أن الأمر لا يتعلق فقط باتفاق روسي مصري، ولكني أتوقع أن يكون السيسي حصل على ضوء أخضر من واشنطن بهذا الشأن.
وما هي مؤشرات وجود مثل هذا الضوء الأخضر؟
أعتقد أن السيسي لا يستطيع أن يغضب الولايات المتحدة والغرب وحتى إسرائيل في هذه الظروف، فمصر تمر في أوضاع اقتصادية وأمنية وسياسية حساسة، وبالتالي ليس بإمكانه التفريط في علاقاته مع الغرب، وإن كان يسعى في الوقت ذاته لتنويع علاقاته مع روسيا ولكن أيضا مع الصين والهند.
في وقت توصل فيه المجتمع الدولي لاتفاق بشأن برنامج طهران النووي، هل تعتقد أن بناء مصر لمحطة نووية سيعيد تأجيج السباق الذري في المنطقة؟
لا أعتقد ذلك، فبعد الاتفاق النووي بين مجموعة خمسة زائد واحد مع إيران الذي وُقع في فيينا، بات البرنامج النووي الإيراني تحت المراقبة والمتابعة الدولية، و لم يعد بمقدور طهران تجميع اليورانيوم المخصب، كما تخلت عن مفاعل آراك الذي يعمل بالماء الثقيل. ثم إن مصر رغم ضعفها ستحاول في المرحلة المقبلة التموقع ربما كقطب مقابل إيران خصوصا وأن السعودية قد تضعف في المستقبل بعد تورطها في اليمن كما تورط العراق في الماضي في حربه ضد إيران.
كيف تتوقع رد فعل إسرائيل على المشروع النووي المصري، خصوصا وأنها عارضته في الماضي كما أشرت لذلك في البداية؟
طالما استطاع النظام المصري تأمين حدوده مع إسرائيل، خاصة في سيناء حيث تنامي الإرهاب، فلن نرى أي رد فعل سلبي من قبل الدولة العبرية اتجاه المحطة النووية المزمع تشييدها في مصر، فإسرائيل لا تريد إزعاج مصر في هذه الفترة.
هل تعتقد أن مصر، بهذا المشروع، تسعى لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية في المنطقة؟
المنشآت النووية المدنية ليست لها أبعاد عسكرية، وإنما لها دور اقتصادي لتوليد الطاقة الكهربائية، وهناك مفاعلات من هذا النوع تنشأ كل يوم في كل أنحاء العالم في البرازيل والأرجنتين وغيرها، فلماذا لا تفعل مصر ذلك أيضا؟ المشروع وإن كانت له مظلة سياسية فهو مشروع اقتصادي بالدرجة الأولى.
مصر كانت من أولى دول المنطقة التي خططت لبناء برنامج نووي، وأسست عام 1955 "هيئة الطاقة الذرية"، إلا أن المشروع تعثر لأسباب مختلفة، هل تعتقد أن السيسي يسعى لإعادة أمجاد وطموحات جمال عبد الناصر بهذا الشأن؟
هذا سؤال يطرح باستمرار، حتى أن السيسي بات يسمى بناصر الجديد، لكني أعتقد أن التطورات الدولية والإقليمية مختلفة تماما عما كان عليه الأمر في عهد عبد الناصر. أرى أن السيسي يسعى لإخراج مصر من المأزق الذي توجد فيه بعد ما يسمى بالربيع العربي. وأعتقد أنه سواء كان السيسي أو عبد الناصر، فإن لا شيء سيتحقق دون تعاون ودعم الشعب المصري.
الدكتور عامر البياتي إعلامي وخبير مختص في الشؤون الذرية والنفطية ومتابع عن كثب لأنشطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا.