الاتفاق النووي مع إيران - من الرابح والخاسر من العرب؟
١٤ يوليو ٢٠١٥بعد أكثر من عشر سنوات من التوتر بين إيران والمجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي الذي تسبب لها في عقوبات اقتصادية قاسية، هاهم قادة الدول الكبرى الست يعلنون التوصل إلى "اتفاق تاريخي". هذا الاتفاق سيُمكّن طهران من جهة من القيام بأعمال الأبحاث والتطوير المحدودة في مجال تخصيب اليورانيوم، ومن جهة أخرى سيحول دون امتلاكها السلاح النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية عنها، وفق ما أعلنه المفاوضون الأوروبيون.
وفيما هلل الإيرانيون ورحب قادة العديد من الدول بهذا الاتفاق، سارعت إسرائيل، التي تتهم طهران بالسعي إلى كسب السلاح النووي، إلى وصفه بـ "الخطأ التاريخي". وفي أحدث ردة فعل قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو: "ستتلقى إيران مئات مليارات الدولارات التي ستستطيع من خلالها تزويد آلتها الإرهابية بالوقود". أما وزير دفاعه موشيه يعالون، فقد وصف الاتفاق "بالمأساة لجميع من يتطلع إلى الاستقرار الإقليمي ويخشى من إيران نووية".
ومن بين هؤلاء الذين يخشون من أن تقوى شوكة إيران، التي أصبح نفوذها وتأثيرها يكاد لا يغيب عن دولة في منطقة الشرق الأوسط، هي السعودية. وفيما فضلت القيادة السعودية رسميا الالتزام بالصمت، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول سعودي لم تكشف عن هويته القول: "سيكون يوما سعيدا للمنطقة إذا منع (الاتفاق) طهران من امتلاك ترسانة نووية، لكنه سيكون سيئا إذا سمح لطهران بأن تعيث في المنطقة فسادا." وأضاف المسؤول قائلا: إن "إيران زعزعت استقرار المنطقة كلها بأنشطتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن"، مشددا بأنه "إذا منح الاتفاق تنازلات لإيران، فإن المنطقة ستصبح أكثر خطورة."
نظام الأسد - الرابح الأكبر من الاتفاق النووي مع إيران؟
يذكر أن السعودية وعدة دول سنية عربية تتهم إيران بتقديم الدعم لجماعة الحوثي التي سيطرت على مناطق واسعة من اليمن وللشيعة في البحرين التي يحكمها السنة، وإن كانت طهران تنفي تسليح الحوثيين أو تشجيع الشيعة على الاحتجاج في البحرين.
وفي العراق وبعد سقوط نظام عدوها اللدود صدام حسين، اضطلع المستشارون العسكريون الإيرانيون بدور رئيسي في مساعدة الحكومة التي يقودها الشيعة والفصائل الشيعية المسلحة في صد زحف "تنظيم الدولة الإسلامية" واستعادة كثير من الأراضي التي سيطر عليها بالبلاد.
كما أن حزب الله يعد الذارع السياسي والعسكري لإيران في لبنان قبل أن يصبح مقاتلوه يقاتلون إلى جانب نظام الأسد في سوريا، والذي تستميت طهران في مساندته ودعمه بالمال والعتاد والمقاتلين. وفي سياق متصل يقول توماس جونو، وهو أستاذ مشارك بجامعة أوتاوا ومحلل سابق لدى الحكومة الكندية في شؤون الشرق الأوسط، في حديث لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "إن إيران لديها دولة حليفة واحدة في العالم هي سوريا". ويوضح أن "خسارة سوريا تمثل ضربة قاصمة لإيران، وبالتالي فهي على استعداد لفعل الكثير للحفاظ على استمرارية نظام الأسد".
ولا يستبعد مراقبون أن تزيد طهران من قوة دعمها لحليفها في المنطقة حتى تحول دون سقوطه، وبالتالي، فإن نظام الأسد وحزب الله من أكثر المستفدين من كسر العزلة الدولية عن إيران، على ما يرى المحلل عبد الباري عطوان في مقال لصحيفة رأي اليوم. ويرى أيضا أن عمان والإمارات، وخاصة منها إمارة دبي، من المستفيدين من رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران. وهو رأي يشاركه فيه الخبير في شؤون الشرق الأوسط خطار أبو دياب، حيث يقول: "هناك في الخليج دول كثيرة لها علاقات طيبة مع إيران على غرار سلطنة عمان التي ساهمت في الترتيب الأساسي لهذا الاتفاق عبر وساطة عمانية عام 2014 وكان لها دور كبير في التوصل إلى اتفاق اليوم." أما دبي فشكلت المتنفس الاقتصادي للإيرانيين خلال السنوات الماضية وقد تتوطد العلاقات الاقتصادية أكثر من بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وفق المصدر ذاته.
هل تحل طهران محل الرياض لدى واشنطن؟
أما الموقف السعودي الرافض لأي اتفاق نووي مع إيران فيعزوه أبو دياب إلى مخاوف الرياض من أن تتحول طهران إلى الحليف الاستراتيجي لواشنطن في المنطقة. ويقول في حوار مع DW عربية: "المخاوف هي بالأساس من قبل القوة الإقلمية الأخرى في الخليج هي العربية السعودية من أن يمهد هذا الاتفاق لكي تصبح إيران الشريك للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، أي بمعنى ما لم يتمكن من تحقيقه شاه إيران في الماضي من أن يصبح الشرطي الإقليمي في الخليج، قد تنجح في تحقيقه الجمهورية الإسلامية. وهذا من شأنه أن يكون على حساب موقع السعودية لدى واشنطن."
أما السعوديون أنفسهم، فيبررون رفضهم لأي اتفاق مع إيران بسياستها العدائية إزاء بلادهم. ففي سياق متصل قال الكاتب السعودي، جمال خاشقجي، المقرب من دوائر صنع القرار فى المملكة، في تغريدة على موقع توتير: "لولا سياسة إيران العدائية لاستوجب الاتفاق ترحيبًا سعوديًا، ولكن الواقع يفرض عليها أن تعارضه وتضغط دوليًا ضد كل تفاصيله، بل تعطله إن أمكن".
وعليه، يرى مراقبون أن السعودية هي الخاسر الأكبر في المنطقة من الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني، خاصة وأن إيران لن تحرم من مواصلة أنشطتها النووية. الأمر الذي"سيفتح الباب أمام سباق التسلح النووي في المنطقة"، على ما يقول الدكتور خطار أبو دياب. ويضيف في حديث لـDW عربية: "لقد لاحظنا في السنوات الأخيرة أن السعودية بدأت بالفعل بالعمل مع فرنسا وروسيا للحصول على مفاعلات نووية".