"محاكمة القرن" تشعل فتيل ثورة ثانية في مصر
٢ يونيو ٢٠١٢لم يكد المستشار أحمد رفعت ينهى الملخص المكتوب بخط اليد لحيثيات منطوق الأحكام الصادرة بحق المتهمين الـ 11 في "قضية القرن"، حتى ضجت القاعة بالهتافات الغاضبة من أقصى يسار المنصة، حيث المدعين بالحق المدني عن أسر الضحايا وأقصى اليمين حيث كان يتواجد دفاع المتهمين ومحامين من أنصار الرئيس السابق حسني مبارك.
بهدوء انسحب قاضي "محاكمة القرن" من القاعة، وسط ضجيج الحضور واشتباكات الأيدي بين أحد الصحفيين ورجال الأمن، ليغيب "رفعت" عن المشهد التاريخي للأبد، خاتما مسيرة مهنية تصفها مصادر قضائية مقربة منه، وكثيرا ممن عرفوه، بـ"النزيهة" و"المشرفة"، مشفقين عليه من تداعيات تصديه لهذه القضية الشائكة.
اختفى القاضي ومستشاراه، ومعهم ممثلو النيابة والادعاء العام، قبل أن يقطع التلفزيون الرسمي بثه المباشر ويلملم مصورو التلفزيون أسلاك كاميراتهم ومعداتهم. وفي حين كانت القاعة تضج بهتافات "باطل باطل" و"الشعب يريد تطهير القضاء"، كان محامو هيئة الدفاع عن المتهمين، لاسيما الحاصلين منهم على البراءة، ينفثون دخان سجائرهم، وهم يتلقون التهاني بـ"الفوز".
دفاع أحد المتهمين: كنت واثقا من البراءة
وفي حديث ملؤه النشوة، قال مجدي حافظ، من هيئة الدفاع عن عدلي فايد، مدير قطاع الأمن السابق، وأحد المتهمين الـ11، لـ DW، "كنت واثقا من براءة موكلي، لكن كان يقيني أيضا أنه من خلال أوراق القضية سيحصل مبارك على البراءة". وأوضح بالقول"النيابة حين وجهت الاتهام لوزير الداخلية حبيب العادلي، قررت في أمر الإحالة أنه خالف أمر رئيس الجمهورية في تاريخ 28 يناير بتأمين المنشآت، ثم عادت وقررت أنه كان هناك اتفاقا بينه وبين وزير الداخلية يوم 27 يناير، وذلك في تناقض يقطع بالبطلان".
وتوقع حافظ أن يتقدم فريد الديب، محامي مبارك، بالطعن خلال 60 يوما، كما توقع أن تقدم النيابة "الادعاء العام" بدورها طعنا في الحكم. وأبدى زميل له رفض الإفصاح عن اسمه قناعته بأن "النيابة كانت سلوكياتها على مدار الجلسات غير منضبطة"، و"سعت لإيهام الرأي العام ببيانات غير صحيحة"، على حد قوله.
أحد المدعين بالحق المدني: الحكم سياسي وسنلجأ للعدالة الدولية
في المقابل، ألقى أحمد رزق مطر، أحد المدعين بالحق المدني عن أسر الضحايا، باللائمة على القاضي، معتبرا أن حكمه "مخيبا للآمال وجاء سياسيا أكثر منه قانونيا". وقال لـ DW "المؤبد لمبارك مجرد حكم صوري لحين يتم الطعن بالنقض". وأضاف "كان على القاضي أن يصدر حكمه بناء على عقيدته، وكان عليه إعمال قانون العقوبات الذي يلزمه بتطبيق الإعدام".
من جانبه، تعهد المحامي محمد الأشقر، مدع ثان بالحق المدني عن أسر الضحايا، باللجوء إلى محكمة العدل الدولية، "أسوة برئيسي يوغسلافيا وليبريا السابقين". واتفق مع مطر في أن الحكم "مسيس". وقال لـ DW "كان المفترض أن تقام محكمة ثورية غير عادية، لا تستند إلى أدلة قاطعة، لأن النيابة حقيقة تعذر عليها الحصول على أدلة دامغة".
وبعيدا عن القاعة التي تم إخلاؤها فورا إلا من عناصر وزارة الداخلية والمجندين في ملابس مدنية، جلست فاطمة عبد العليم، أم مصطفى حلمي الذي لقي حتفه اثناء ثورة 25 يناير، تحت حرارة الشمس، رافعة صورة ابنها. وردا على سؤال لـ DW حول ما إذا كان حكم المؤبد يرضيها، فقالت «مؤبد لمين؟ لواحد عمره 80 سنة؟! المفروض كان القصاص يعني الإعدام".
"سأعود إلى ميدان التحرير"
هنا غلبت الدموع "أم مصطفى" وهي تقول: «هل تعلمين ما هو شعوري عندما أتفتح غرفة ابني كل يوم فأرى سريره فارغا.. أفتح دولابه، فأجد ملابسه مرصوصة كما هي منذ أكثر من عام؟!». قالتها وأكدت أنها لن تنتخب أحمد شفيق ولا محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، مشددة على أنها ستعود إلى ميدان التحرير.
والواقع أن الطريق من التجمع الخامس إلى ميدان التحرير، بعد ساعات قليلة من صدور الحكم، لم يكن سهلا، إذ قطع عدد من أهالي الضحايا، كما أكد شهود عيان، الطريق الدائري الواصل بين المنطقة شبه الصحراوية الواقعة شرق القاهرة وقلب العاصمة. واضطر ذلك العائدين من أكاديمية الشرطة إلى سلك طريق أشبه بـ"رأس رجاء الصالح"، فلم يتسن لـ DW الوصول إلى "وسط البلد" قبل الدوران عن طريق مدينة نصر، ومن ثم رمسيس، حيث مقر دار القضاء العالي ومحكمة النقض.
هتافات المحتجين تطول القضاء على سلم "النقض"
كان عشرات المحتجين، من بينهم الناشطة ذائعة الصيت أسماء محفوظ، قد وصلوا إلى سلالم محكمة النقض عصر السبت، لتبدأ هتافات تندد بحكم العسكر والسلطة القضائية على حد سواء. وردد المتظاهرون هتافات "يا سيادة النائب العام.. هو مبارك دفع كام؟"، "أيوة باحرض ضد العسكر.. يسقط يسقط حكم العسكر"، "اقتل خالد واقتل مينا، كل رصاصة بتقوينا".
وأمام المظاهرة، وقفت "المهندسة ندا" تردد مع الجموع، وبسؤالها قالت بانفعال "لا اصدق أن حسن عبد الرحمن (رئيس مباحث أمن الدولة في عهد مبارك) حصل على البراءة!" .أما "الحاجة منى"، فمرت أمام المتظاهرين بنظرة متحسرة. وبسؤالها، قالت لـ DW «إن ردة فعل الشباب مبالغ فيها، لذلك يجب ان يكون حوار ، فالبلاد على حافة الانفجار، لكنهم معذورين على انفعالهم لان المحاكمة لم تكن عادلة. وختمت بأسى «نحن بحاجة إلى معجزة».
القاهرة – أميرة محمد
مراجعة: يوسف بوفيجلين