مجزرة لاس فيغاس تضع علامات استفهام على عجز التدابير الأمنية
٣ أكتوبر ٢٠١٧حركت مجزرة لاس فيغاس، التي تعتبر الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، الجدل حول الأمن في الفنادق ومواقع التجمعات العامة، رغم أن العديد من الخبراء يرون أنه لم يكن من الممكن للتدابير الأمنية منع وقوع مأساة الأحد الماضي.
وإن كانت الأحداث الدامية مثل عملية إطلاق النار الأحد تدفع في كل مرة إلى تشديد التدابير الأمنية، إلا أنها تسلط الضوء على صعوبة تدارك هجمات جديدة يشنها مهاجمون يبتكرون على الدوام وسائل غير مسبوقة لتنفيذ خططهم.
وقال الشرطي السابق في نيويورك باتريك بروسنان الذي يعمل حالياً مستشاراً في المسائل الأمنية: "لم يكن بالإمكان منع وقوع المأساة، بكل بساطة".
مؤشر يبعث على القلق
والفنادق هي مواقع مفتوحة يمكن الدخول إليها بسهولة بدون أن يكون هناك آلات لرصد المعادن عند المداخل ومن غير أن يتم تفتيش الحقائب، ولا سيما في الفنادق والكازينوهات الضخمة التي تشتهر بها لاس فيغاس حيث إجمالي عدد غرف الفنادق 150 ألف غرفة. وهذا ما ساعد منفذ مجزرة لاس فيغاس ستيفن بادوك في جمع ترسانة حقيقية من 15 سلاحاً نارياً في فندق ماندالاي باي.
من جانبه يقول العنصر السابق في الإف بي آي والأستاذ المساعد في دراسات الأمن الداخلي في جامعة سانت جون ريتشارد فرانكل: "يحمل الناس معهم حقائب ضخمة إلى الفنادق، وهذا ليس مؤشراً يبعث على القلق". غير أن الكازينوهات تخضع لمراقبة أشد من ردهات الفنادق.
وأدى الاعتداءان اللذان وقعا مؤخراً في قاعتي مانشستر أرينا وباتاكلان في باريس إلى تشديد الأمن في قاعات الحفات الموسيقية. وعلى إثر اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، تم اعتماد إجراءات أمنية مشددة في المطارات.
التفاف على التدابير الألمانية
في لاس فيغاس، تمكن ستيفن بادوك من الالتفاف على كل التدابير الأمنية المفروضة لحماية موقع الحفل الموسيقي الذي استهدفه مطلق النار تحديداً. فنزل في الطابق الـ32 من الفندق المقابل للساحة وأطلق وابلاً من الرصاص على 22 ألف مشاهد، حاصداً ما لا يقل عن 59 قتيلاً وأكثر من 500 جريح. وقتل نفسه قبل أن تقتحم الشرطة غرفته، ولا تزال دوافعه غامضة.
أوضح نائب رئيس شركة "بينكرتون" لخدمات إدارة المخاطر جيسون بورتر ردا على أسئلة وكالة فرانس برس أنه من الممكن مراقبة كل ما يدخل إلى الفنادق والكازينوهات بصورة أفضل لكن على هذه المنشآت أن "تحافظ على توازن بين الأمن والبقاء مواقع مفتوحة" أمام الزوار والنزلاء يقصدها الناس للترفيه والتسلية.
ويرى باتريك بروسنان أنه بالإمكان مراقبة الحقائب بقدر ما هو ممكن من الناحية الاقتصادية، بحيث لا يتسبب ذلك بتشكل صفوف انتظار هائلة تشل النشاط في هذه المواقع وتجعل مكاتب الاستقبال في الفنادق أشبه بمكاتب التسجيل في المطارات.
كما يمكن نشر كاميرات مجهزة ببرامج تحليلية تساعد على رصد الأسلحة، فيما تحدث ريتشارد فرانكل عن اعتماد بروتوكولات جديدة تتضمن نشر قناصة على السطوح ومروحيات وطائرات بدون طيار تتيح التدخل بسرعة خلال التجمعات الحاشدة. غير أن الجميع متفق على أن القضاء على المخاطر تماماً أمر غير ممكن.
تكاليف باهظة
وفي هذا السياق قال رئيس شركة "كاس غلوبال سيكيوريتي" الأمنية شون إنغبريشت: "لوقف ذلك، يجدر تثبيت جهاز لكشف المعادن عند كل باب مع نشر ضباط وكاميرات عند كل نقطة دخول وأشخاص لمراقبتها. وهذا لا يمكن أن يحصل".
ومثل هذه العملية ستكون باهظة الكلفة في ظل كثافة الحركة في فنادق لاس فيغاس، فضلاً عما تمثله من تعد على الحياة الخاصة في مدينة تعرف بلقب "مدينة الرذيلة".
وفي حال تشديد الأمن، فقد يضر ذلك بصورة عاصمة القمار والمتعة في الولايات المتحدة، ما يمكن أن يثني بعضاً من روادها الذين يبلغ عددهم 43 مليون زائر في السنة، وينعكس سلباً بالتالي على عائداتها البالغة 60 مليار دولار في السنة.
وقال بروسنان "لن يود زوار لاس فيغاس فتح حقائبهم. هناك العديد من سهرات وداع العزوبية فيها، وأحياناً يجلبون معهم ماريخوانا أو كحولاً" أو غيرهما.
ويشير شون إنغبريشت إلى أنه "لو لم يتمكن ستيفن بادوك من حجز غرفة في ماندالاي باي، لكان قصد النزل المقابل أو تمركز على سطح أحد المباني". ويضيف متشائماً: "إن جاءك شخص حاملا بندقية هجومية وبنيته القتل، لن تبقى على قيد الحياة طويلاً".
أما بالنسبة إلى حظر الأسلحة النارية أو تنظيم حيازتها في الولايات المتحدة، فلا يبدو الرئيس دونالد ترامب ولا الكونغرس على استعداد للمساس بهذا الحق الذي يضمنه التعديل الثاني في الدستور الأمريكي. وختم إنغبريشت "نعيش في مجتمع مفتوح، لا يمكننا الدفاع عن كل شيء في كل لحظة، وعلينا أن نتعايش مع هذه الحقيقة".
ع.غ/ ح.ز (آ ف ب)