متحف بودية رسالة حضارية وإنسانية
١٧ أكتوبر ٢٠٠٦تعد المتاحف مرآة حقيقية للشعوب والحضارات، وتحكي قصة أمة وتؤرخ لنشاط حضارة لكل ما أبدعته عقول أبنائها من نتاج فكري وثقافي. فهي بلا شك نافذة مهمة نطل منها على الماضي العريق لنستطيع استقراء الحاضر واستشراف المستقبل. ولطالما دأبت الدول على إنشاء المتاحف إدراكا منها بأهميتها في المحافظة على التراث وتشكيل الشخصية المعرفية وصقل الهوية الثقافية للأجيال. ولم تنحصر أهمية إنشاء المتاحف على الناحية الثقافية فحسب، بل أصبحت معلما حضاريا لبلد ما ورمزا مهما من رموزه. وألمانيا وهي بلد تنشط فيه الحركة الثقافية وذات تنوع ثقافي كبير أولت المتاحف عناية خاصة سواء من حيث عددها أونوعيتها أوالموارد المالية التي تخصص لها.
وفي ظل هذا الاهتمام يجيء إعادة افتتاح متحف "بوده" الذي يحمل اسم أول مدير له بعد عملية ترميم شاملة، ليضم معروضات نفيسة من الفن البيزنطي ولوحات جدارية وقطعا نقدية وتماثيل متنوعة من العصر الإغريقي المتأخر وحتى العصر الكلاسيكي، صنفت حسب الموضوعات أو التدرج الزمني. هذا المتحف يأخذ الزائر وهو يبحر في التاريخ إلى رحلة جميلة عبر الحضارة ليشعر الإنسان بعظمة هذه الإبداعات وهو يرى هذه التماثيل والرسومات تتحدث عن نفسها وتحكي قصتها التي تحمل العديد من الدلالات التاريخية. إذ يستطيع الزائر من خلال هذا أن يتوصل إلى مقاربة ثقافية وتاريخية حول العلاقة بين فني الرسم والنحت ويتلمس ذلك التداخل بينهما تبعا للمؤثرات المختلفة التي تشكل ملامح كل مرحلة، كما أوضح مدير المتحف آرنيه إيفن بيرجر.
رحلة عبر العصور التاريخية والفنية
وأجمل ما يبهر الزائر أثناء تجوله في هذا المتحف ذلك التفنن والإبداع في اختيار أجمل المواقع وأكثرها روعة، وأبدعها إضاءة لعرض المنحوتات في صالات المتحف التي أعيد تشكيلها أثناء عملية الترميم بطريقة حديثة. فالأسطح الخشبية والرسومات على الجدران تزيد المكان روعة وتألقا، تجعل من التاريخ وكأنه ولد وبعث من جديد.
ويزداد المشهد جمالا من خلال القطع الأثرية التي تؤرخ لعصور وأزمان مختلفة ومتباعدة تتوزع ما بين عصر النهضة والعصر الباروكي والعصر الكلاسيكي. وكذلك يضم المتحف منحوتات في غاية الروعة لدوناتيلو وبسانو وبرنيني وشولتر. ويبلغ عدد القطع المعروضة 1700 قطعة منذ البدايات الأولى للعصور الوسطى وحتى نهاية القرن الثامن عشر. كما أن هذا المتحف أشبه بسجل للعلاقة بين الدين والفن وتجليات ذلك من خلال الأعمال الفنية، حيث يقدم المتحف البيزنطي صورة للفن في العصر البيزنطي المسيحي الأول وحتى القرن التاسع عشر. ويضم هذا المتحف حوالي 300 قطعة فنية تعود إلى بلدان مثل تركيا واليونان وروسيا ومصر ودول البلقان.
تأريخ سك النقود
وتعتبر النقود من الوثائق المهمة في تاريخ أي حضارة، فعملية ضرب النقود تشكل علامة فارقة في تاريخ الأمم وتحمل دلالات سياسية واقتصادية مهمة. ومن هنا يأتي احتواء هذا المتحف على قسم خاص بالقطع النقدية في عملية تأريخية لسك النقود عبر التاريخ منذ العصر اليوناني القديم وحتى يومنا هذا. وتعد هذه المجموعة الأكثر أهمية في العالم نظرا لندرة بعض القطع المعروضة وأهمية دلالتها التاريخية، إذ تشمل حوالي 500.000 قطعة أصلية. وتعد الخزنة في قلب صالة عرض النقود لؤلؤة هذا القسم من المتحف، حيث تتكون من عدة أدراج تم تأمينها بجدار حديدي مصفح.
عملية ترميم شاملة
وتعد جزيرة المتاحف في برلين حقلا جاذبا لحوالي أربعة ملايين زائر سنويا، لما توفره هذه الجزيرة من لوحة فسيفسائية متداخلة الألوان ومتعددة الخيوط من الأزمنة والعصور الفنية والتاريخية. ويشكل إعادة افتتاح معرض بوده بعد الانتهاء من عملية الترميم خطوة أولى في عملية ترميم وتوسعة شاملة ستنفذ في جزيرة المتاحف والمصنفة على أنها ميراث عالمي حسب اليونسكو. إذ سيتم عام 2009 إعادة افتتاح „المتحف الجديد" وقد تزين بالتمثال النصفي للملكة نفريت ومجموعة الآثار المصرية. واستمرارا لهذه الجهود سيتبع ذلك عملية ترميم متحف "بيرغامون" والمتحف القديم. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من عملية الترميم الشاملة لجزيرة المتاحف في حلول العام 2015.