"مانديلا العربي" حلم مستحيل أم نموذج قابل للتطبيق؟
٦ ديسمبر ٢٠١٣في أعقاب اندلاع أولى ثورات الربيع العربي في تونس ثم مصر، أرسل الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا برسالة لشباب البلدين نبههم فيها إلى أن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم. وانتقد مانديلا في رسالته التي بدت وكأنها قراءة للمستقبل ، إضاعة الوقت عقب الثورات في السباب بين الفصائل السياسية المختلفة وتبني فكر الإقصاء والتشفي داعيا لتنحية الخلافات جانبا والتركيز على المرحلة الانتقالية.
لكن بالرغم من وضوح رسالة المناضل القديم المبنية على خبرات واسعة، إلا أن التطورات السياسية في دول الربيع العربي توضح زيادة حالة الانقسام والفجوة والإقصاء بشكل يومي، فهل يعني هذا أن نهج مانديلا السياسي المبني على التسامح يصعب تطبيقه في العالم العربي، كما كان من الصعب تطبيق النصائح التي جاءت في رسالته؟
خلق البيئة المناسبة أولا
يرى الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، أن العالم العربي بحاجة أولا لتكريس ثقافة معينة تسمح بوجود نماذج سلمية ومتسامحة مثل مانديلا وغاندي ويقول في حوار مع DWعربية" ثقافة الإلغاء هي السائدة في المنطقة العربية، فإذا نظرنا للنموذج المصري مثلا سنجد أن الإخوان نسوا مصر عندما وصلوا للحكم..المطلوب تكريس ثقافة تجمع بين التمسك بالمبادئ والمرونة في الوقت نفسه ومحاولة صياغة حلول مرحلية".
يحتاج العالم العربي في المرحلة الراهنة لنماذج سياسية مثل مانديلا لمحاربة فكرة إقصاء الآخر وتشكيل تحالفات سياسية واسعة لا تنظر فقط لنقاط الخلاف فيما بينها، لكنها تعزز الأهداف المشتركة. إيجاد هذا النموذج يتطلب أولا خلق البيئة المناسبة له مع وضع الظروف الخاصة للدول العربية وعقلية الحاكم العربي في الاعتبار، كما يوضح نبيل يعقوب، عضو مجلس الأمناء للمنظمة العربية لحقوق الإنسان.
ويقول يعقوب لـDWعربية "بالطبع نحتاج مثله (مانديلا) في بلادنا العربية لكن لا يمكن نسخ هذا النموذج دون إمعان النظر في الشروط اللازمة لذلك وأهمها التخلص من كارثة الصراعات والفكر الإقصائي".
ويلخص الدكتور أبو دياب الجوانب المستفادة من حياة مانديلا في نقاط محددة وهي ":طول النفس وهو ما نفتقده كعرب، لأن كافة الأطراف تتعامل بسرعة شديدة، التمسك بالمبادئ مع المرونة، عدم السير وراء رغبات الانتقام والفكر المتطرف".
الزهد على كرسي الحكم
قرر مانديلا التخلي عن السلطة في عام 1999 بعد خمسة أعوام فقط في مقعد الرئاسة بالرغم من أن الدستور يسمح له بالترشح لفترة ثانية وبالرغم من شعبيته الكاسحة.
يشير الناشط الحقوقي يعقوب إلى أن الطبيعة الشخصية لمانديلا هي التي ساعدت في إكمال صورته النضالية، إذ لم يكن صاحب شخصية تسعى للسلطة وهو ما يظهره تنازله عنها طواعية، على العكس من النماذج العربية التي تجد في الغالب صعوبة بالغة في ترك الكرسي "قبل أن يزورها الموت أولا".
في الوقت نفسه تميز مانديلا أيضا بشخصية لا تدعي أنها المالك الوحيد للحقيقة، الأمر الذي سمح له بالبحث عن النقاط المشتركة مع الآخر للوصول لأرضية مشتركة للتفاهم، وهي نقطة تبدو الحاجة ملحة لها في العالم العربي حاليا.
تنفيذ أفكار مانديلا في العالم العربي مسألة غير مستحيلة، كما يرى يعقوب بشرط تحقيق عدة أمور، منها، "قبول الرأي الآخر، والتنوع الديني والفكري وضمان الحرية لكل شخص طالما لا يدعو فكره للعنف".