ماذا تخفيه "سياسة عدم التدخل" الصينية في إفريقيا؟
٥ سبتمبر ٢٠١٨إلى أي مدى يتوافق تأكيد الصين على أنها لا تضع "شروطا سياسية" في التزامها الاقتصادي في إفريقيا مع الواقع؟
هلموت أشه: صحيح أن الصين لا تضع باستثناء القضية الثانوية في الاعتراف بتايوان شروطا سياسية ضمنية. فالأمر يتعلق بصفة رسمية بنوع من "سياسة عدم التدخل" التي قد تؤدي في حالات معروفة إلى تدخل حقيقي، كما هو الحال في تغيير السلطة في زيمبابوي حيث تمت إقالة الرئيس موغابي والحكومة الصينية لم تتمكن بصفة مقنعة من نفي أن الرئيس الحالي لم يحصل قبلها على موافقة بكين. كل واحد يعلم أن الحزب الحاكم في زيمبابوي تلقى طوال عقود من الزمن الدعم من الصين. ولا يمكن لنا تسمية هذا بشروط سياسية، بل ممارسة تأثير سياسي.
ولماذا تؤكد الصين في آن واحد أنها لا تربط التعاون بشروط سياسية؟
أعتقد أن ذلك له علاقة وطيدة مع أن عدم تدخل منهجي يعني بالطبع ممارسة تأثير. أريد إثارة المثال الأهم المتمثل في وضع حقوق الإنسان في كثير من بلدان إفريقيا حيث تتدخل البلدان الغربية وبالتحديد الاتحاد الأوروبي وألمانيا وتقول: هذا غير مقبول ونحن نربط سياسة التنمية بتحسين وضع حقوق الإنسان، وإذا لم يحصل ذلك فإننا سنوقف المساعدة الإنمائية باستثناء المساعدة الطارئة أو المساعدة الإنسانية. وهذه السياسة صحيحة، إلا أنها لا تجد في الآونة الأخيرة بسبب قضية الهجرة مجالا للتنفيذ مثلا تجاه بلدان مثل السودان. وهذا يختلف بشكل إيجابي كثيرا عن سياسة الصين، والحكومة الصينية تحاول مقارعة هذا النهج بموقفها الذاتي.
هل هذا الموقف يتضمن أكثر من مجرد القول نحن لن نتدخل؟
نعم إنه انتقاد غير مباشر لسياسة التنمية الأوروبية. والشيء الذي يتم انتقاده بصفة غير مباشرة هو "الاستعمار الجديد" الذي يمارسه الأوروبيون والأمريكيون عبر مساعدات التنمية. هذا الاستعمار الجديد موجود. ولكن كما قلت في ارتباط مع انتقاد خروقات حقوق الإنسان، فإن ممارسة التأثير السياسي من جانب أوروبا له جوانب إيجابية. وهذا التمييز لا نراه البتة في السياسة الصينية. فالحكومة الصينية لم تظهر في أي مكان أنها انتقدت خرقات حقوق الإنسان.
هل يجب انتقاد سياسة عدم التدخل الصيني برمتها؟
يجب الفصل بين أمرين. الواحد ذكرته لتوه والآخر هو المركَب الكامل للديمقراطية والانتخابات الحرة والصحافة الحرة. فيما يخص الجانب الثاني نحن نمارس التأثير ـ وهذا جزء من اتفاقيات الشراكة للاتحاد الأوروبي مع إفريقيا عندما نقول: نحن ندعم ديمقراطية تعدد الأحزاب وتغيير السلطة بانتخابات حرة. وهذا يحصل بصفة جيدة في بعض البلدان الإفريقية، والأمثلة المعروفة هي السنغال وغانا.
لماذا لا تكون هذه الجوانب السياسية مهمة بالنسبة إلى المساعدة الإنمائية؟ أم أنها تزعج؟
نحن نتفهم أن سلسلة من المؤسسات بينها نظام عدالة مستقل هي جوهرية بالنسبة إلى نجاح برامج التنمية. من جانب آخر يمكن لنا أن نتجادل حول أي تسلسل يجب أن يحصل ذلك أي هل أنه من المهم للغاية أن يكون لبلد في طور مبكر لتنميته نظامُ تعدد أحزاب وتداول منتظم على السلطة كما نشاهد ذلك في مثال غانا ونيجيريا أو السنغال حيث تتدحرج جهود التنمية الأخرى إلى الخلف.
كيف هو وضع التعاون الإنمائي الصيني مقارنة مع نظيره الغربي والألماني؟
التعاون الإنمائي الصيني فيما يخص الوتيرة والامتداد وحجم دعم البنية التحتية ـ تشييد السكك الحديدية والطرقات والاتصالات وإلى آخره ـ يسبق التعاون الغربي ويتجاوزه. وآخرها ما يرتبط برزنامة حلول تركز فيها عدة شركات صينية على ورشة كبيرة في البنية التحتية. بالمقابل فان بنك التنمية الأوروبي، مؤسسة القروض لإعادة البناء، لا يتوفر على قوة خيال، والصين هنا أفضل بكثير. وهناك مجال ثان وهو دعم الصناعة الذي يكون فيه التعاون الإنمائي الصيني فعالا أكثر من الغربي أو الألماني. ونحن نكتشف لتوه من جديد أنه يجب علينا في قطاع الصناعات التحويلية دعم الاستثمارات في إفريقيا بقوة لجعل هذا المجال يكتسب جاذبية أكبر للمستثمرين الألمان. وهنا تكون جمهورية الصين الشعبية متقدمة علينا بعقود من الزمن.
هل يجب على ألمانيا الاعتناء أكثر بالصفقات أكثر من التركيز على السياسة في إفريقيا؟
موقفي لا يدعو البتة إلى تحويل قضايانا السياسية المشروعة التي نمثلها إلى الخلف، بل العكس. وأن يحصل ذلك الآن في إطار سياسة اللجوء وما يُسمى "إدارة الهجرة" ويحصل إبراز (تأهيل) لبعض الأنظمة مثل السودان أو اريتريا، فهذا غير مقبول.
لكن ما يمكن لنا تعلمه من الصين هو فعلا عرض رزنامة دعم جذابة فيما يخص دعم الاستثمارات والصادرات والعمل على تجميع شركات تركز بتسهيلات ضريبية على مشاريع كبرى في إفريقيا. والكل يقع في النهاية تحت جانب خلق فرص عمل. وكل واحد يعرف أنه إذا أردنا بعض الشيء محاربة أسباب الهجرة، فإن مواطن العمل تشكل مفتاحا. وفي هذه النقطة بالذات وجب دعم المستثمرين الألمان ومكافأتهم عندما يخلقون في البلدان الإفريقية فرص عمل في قطاعات مستقبلية.
أجرى المقابلة مو تشوي
+ البروفيسور هلموت أشه عمل منذ 1986 كمستشار حكومي في الاقتصاد في إفريقيا، وأستاذ في جامعتي لايبتسيغ وماينتس إضافة إلى كونه مديرا مؤسسا لمعهد التقييم الألماني للتعاون الإنمائي.