قمة الصين إفريقيا: تأثير بكين الناعم
٤ سبتمبر ٢٠١٨أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في افتتاح منتدى التعاون الصيني الإفريقي في بكين أنه سيتم إعفاء البلدان الأفريقية الأقل نموا من سداد بعض ديونها إلى الصين. كما أعلن خلال المنتدى المنعقد بمشاركة العشرات من قادة الدول الإفريقية سلسلة من المشروعات والشراكات في مجالات مثل التجارة والبنية التحتية والرعاية الصحية والأمن. ومن أجل توثيق العلاقات مع إفريقيا سافر رئيسا حكومتين أوروبيتين في الأيام الماضية إلى إفريقيا. فالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تسعيان بزيارتيهما إلى تقوية العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية. ورافق ميركل إلى غينيا ونيجيريا والسنغال وفد رجال أعمال. وأوروبا تريد تدارك الكثير في إفريقيا حيث التأثير السياسي والاقتصادي للصين كبر في السنوات الأخيرة.
ويرمي منتدى التعاون الصيني الإفريقي إلى دعم وتقوية هذا التأثير. "ستكون أكبر قمة في جميع الأوقات"، كما ذكر وزير الخارجية الصينية خلال لقاء صحفي الأسبوع الماضي حيث أكد أن الصين وإفريقيا توجدان في "موقف رابح رابح"، لأن التعاون سيجلب الفائدة للبلدان المشاركة.
وقبل أسابيع من انطلاق فعاليات منتدى التعاون الصيني الإفريقي الاثنين والثلاثاء في بكين أطلقت وسائل الإعلام الصينية حملة تشيد يوميا بالتعاون الصيني الإفريقي. ونوه أحد الأخصائيين الصينيين بشؤون إفريقيا بالزيارات المتكررة التي يقوم بها الرئيس الصيني إلى إفريقيا التي زارها أربع مرات، وهي تأتي بالثمار، كما قال الخبير الصيني.
"شريك مهم جدا"
ونمو التجارة بين الصين وإفريقيا مثير فعلا للانتباه: فمؤتمر التجارة العالمية والتنمية أعلن أن حجم التجارة في عام 2000 كان يحقق 10 مليارات دولار. وفي غضون 17 عاما تجاوز عشرين مرة هذا الحد حيث وصل مؤخرا إلى نحو 200 مليار دولار. في الوقت الذي تشهد فيه التجارة مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ركودا منذ سنوات. وبموازاة ذلك يُسجل نمو قوي في الاستثمارات المباشرة للصين في إفريقيا.
وحتى قبل انطلاق القمة الصينية الإفريقية يشغل الأفارقة حيزا واسعا في وسائل الإعلام الصينية. فوزير الاقتصاد والمال الليبيري قال:" تُعد الصين بالنسبة إلى استراتيجية التنمية عندنا شريكا هاما جدا". وتسعى ليبيريا بالأساس إلى بناء الطرق وتشييد شبكة الكهرباء إضافة إلى تحديث نظام الصحة.
بدوره تحدث رئيس كينيا في مقابلة بشكل إيجابي مشيرا بالقول "منتدى التعاون الصيني الإفريقي يقدم فرصا كبيرة لجميع البلدان المشاركة. وكبلد وكقارة نحن على دراية بأنه لن تكون هناك إلا فوائد إذا قمنا بتطوير علاقاتنا مع الصين". وفي المقابلة نفسها تحدث رئيس كينيا عن دعمه للأسواق المفتوحة بين الصين وإفريقيا" نحن الأفارقة لا يجوز لنا الانعزال. فسياسة حمائية سيكون لها على المدى الطويل تأثير سلبي على الناس في إفريقيا".
صادرات رخيصة من الصين
"في الحقيقة وجب على رئيس كينيا انتقاد الصين، لأن الصين دمرت بصادرات مدعومة الأسواق الإفريقية، لاسيما بصادرات رخيصة من شركات حكومية بمواد استهلاك رخيصة من الدراجة إلى مصباح اليد ومن الشمعة إلى البراد"، يقول روبرت كابيل، وهو اقتصادي في التنمية بجامعة لايبتسيغ. فالتجارة الحرة التي يروج لها رئيس كينيا عبر التلفزة الصينية ساهمت في النهاية في تدمير الصناعة في البلدان الإفريقية.
ويرى كابيل مخاطر إضافية في تبعية الأفارقة من القروض الصينية. "الصين تمول إجراءات البنية التحتية مثلا في بناء السكك الحديدية من جيبوتي إلى أديس أبابا أو من مومباسا إلى نيروبي. وهي تكلف الكثير من الأموال التي يجب على الدول الإفريقية تسديدها، لأن الصينيين لا يتبرعون بالمال". وهذا بالطبع يدفع الكثير من الدول الإفريقية مباشرة إلى فخ الديون.
وإلى جانب المكوٍن الاقتصادي، يشمل التعاون الصيني الإفريقي مكونا سياسيا وثقافيا. ففي جنوب السودان تشارك الصين في مهمة إحلال السلام، وفي جيبوتي تدير الصين قاعدة عسكرية، وهكذا تمارس الصين تأثيرا كبيرا في التطور السياسي، كما يقول كابيل:" الصين تؤكد باستمرار أنها لا تمارس التأثير على القضايا الداخلية. لكنها تفعل ذلك بدقة ولو بصفة غير مباشرة".
وإذا أثمر هذا التطلع، فهذا سيلحظ- حسب الخبير كابيل - في علاقات الدول الإفريقية مع تايوان: فجميع الدول الإفريقية تخلت عن التعاون مع الجزيرة المنشقة، وآخرها قد تكون بوركينا فاسو في أيار/ مايو من العام الجاري:" الصين دفعت جميع البلدان إلى التعاون فقط مع جمهورية الصين الشعبية. وحتى هنا يوجد إذن تأثير سياسي واضح"، كما يقول كابيل.
ويعتبر مراقبون أن الصين كان لها أيضا دور في إبعاد روبرت موغابي عن السلطة في زيمبابوي. فخلفه زار بكين في نوفمبر 2017 قبل تنحي موغابي عن السلطة. إلا أن بكين تنفي ممارسة أي تأثير. وبعد مرور شهور قليلة على توليه السلطة أبرم الحاكم الجديد في زيمبابوي " شراكة استراتيجية" مع الصين.
أنطونيو كاسكايس/ م.أ.م