ما مصير 20 ألف مدني تحتجزهم روسيا "كأسرى" في أوكرانيا؟
٤ يونيو ٢٠٢٣بنبرة يعتصرها الأسى وفيما كان يجلس في وسط داره في قرية تقع على بعد 30 كيلومترا شمال العاصمة الأوكرانية، قال أنطون تشيركوف "الجميع يصر على القول أنه يتعين علينا الانتظار، لكننا انتظرنا لأكثر من عام والظروف في الأسر عند القوات الروسية ليست في أفضل حال".
وكان تشيركوف يتحدث وهو يستقبل الزائرين في منزله حيث كان يجلس على كرسي صنعه والده أولكسندر، الذي لم يراه منذ أكثر من عام، في هذه القرية الصغيرة التي احتلتها القوات الروسية في 25 فبراير/ شباط العام الماضي فيما كانت تمضي قدما في التحرك صوب العاصمة كييف.
وخلال الأسابيع الثلاثة الأولى من وقوع القرية تحت الاحتلال الروسي، تعطلت خطوط الهواتف وانقطع التيار الكهربائي، لكن والده أنطون، الذي يعمل في خدمات الجنائز، وجاره دميترو بوهاجفسكي ساعدا سكان القرية على المضي قدما في حياتهم حيث كانوا يتجمعون حول بئر والده، لذا يشك أنطون أن الروس اعتقدوا أن والده يتزعم تشكيلا للمقاومة ضد الجنود الروس.
وفي ذلك، قال أنطون "جاء الجنود الروس في 16 مارس/آذار العام الماضي لجمع الأسلحة. الجميع في القرية يمتلك بعض الأسلحة وكان لدينا ثلاثة قطع في الخزنة. وبعدها أبلغوا والدي أنه يتعين عليه جمع أغراضه فيما جرى اعتقال جارنا بوهاجفسكي أيضا".
وقالت والدة بوهاجفسكي إنها ذهبت إلى مجلس القرية لمعرفة مكان احتجاز نجلها فيما كان رد الجندي: "لا حاجة للقلق إنهم يتمتعون بظروف جيدة".
اعتقالات في هوستوميل وديمر
وفقا للسلطات الأوكرانية، فإنه جرى نقل الأسرى الأوكرانيين إلى مسبك يقع في جنوب مدينة ديمر حيث أُجبر نحو 40 شخصا على البقاء في غرفة واحدة فيما جرى اتهامهم "بمقاومة العملية العسكرية الخاصة" وهو الوصف التي تطلقه روسيا على توغلها العسكري في أوكرانيا.
وأضافت السلطات المحلية أن بعض الأسرى جرى إجبارهم على حفر خنادق فيما تعرض آخرون للضرب في إطار استجوابهم عن مدى انخراطهم في "مقاومة القوات الروسية"، مشيرة إلى أن الروس أطلقوا سراح البعض، لكنه جرى نقل آخرين إلى مطار بمدينة هوستوميل حيث تم احتجازهم في حاويات مبردة ضخمة.
وكشفت السلطات الأوكرانية عن هذه الملابسات بعد تحرير المنطقة حيث تراجعت القوات الروسية في 28 من مارس / آذار العام الماضي فيما تركت ورائهم عشرين أسيرا.
وقالت والدة بوهاجفسكي "عندما أدركنا أن ابننا دميترو لم يكن من بين الأسرى الذين تركهم الروس بعد انسحابهم، بحثت أنا وزوجي عنه في جميع الغابات والأودية والمباني على أمل العثور عليه، لكن دون جدوى".
السجن في روسيا
ويعد فولوديمير خروبون الذي كان يعمل متطوعا في الصليب الأحمر، من بين سعداء الحظ الذين جرى الإفراج عنهم في عملية تبادل للأسرى في أبريل / نيسان العام الماضي.
وقال إن الجنود الروس أخذوا معهم عشرات المدنيين الأوكرانيين بعد انسحابهم من المنطقة حيث جرى نقلهم عبر بيلاروسيا إلى سجن في بلدة نوفوزيبكوف الروسية المتاخمة للحدود المشتركة بين بيلاروسيا وأوكرانيا.
وفي السياق ذاته، قالت كارينا دياتشوك، مؤسسة منظمة "مدنيون في الأسر" التي تضم أقارب أكثر من 350 أسير من ست مناطق في أوكرانيا، إن "الأسرى الذين جرى إطلاق سراحهم هم المصدر الرئيسي لمعلوماتنا".
وبعد معرفة مكان احتجاز الأوكرانيين، بدأ ذووهم في مخاطبة الأجهزة الروسية من مسؤولين في السجون والجيش ووزارة الداخلية ووكالة الاستخبارات المحلية (أف سي بي) من أجل الوقوف على شروط الإفراج عنهم.
وقالت والدة بوهاجفسكي التي لديها قائمة تضم أسماء 42 من المفقودين، "لم نحصل على أي إجابة"، مضيفة أن هناك أكثر من 600 أوكراني مدنيا وعسكريا رهن الاعتقال.
من جانبه، قال دميترو لوبينيتس، الذي يشغل منصب مفوض حقوق الإنسان في البرلمان الأوكراني، إن القوات الروسية تحتجز أكثر من 20 ألف مدني أوكراني بينهم مدنيون موجودون في شبه جزيرة القرم ومناطق في شرق البلاد تطلق عليها روسيا "الجمهوريات الشعبية" في منطقتي دونيتسك ولوغانسك مناطق تخضع لسيطرة الروس في خيرسون وزابوريجيا.
وقال إميل كوربيدينوف، المحامي والحقوقي الذي يدافع عن نشطاء المجتمع المدني لتتار القرم، إن بعض الأوكرانيين الأسرى متهمون بالتجسس أو الإرهاب بموجب القانون الروسي فيما يتم احتجاز الآخرون دون أي اتهام.
"اعتقال المدنيين جريمة حرب"
وتقول السلطات الأوكرانية إن اعتقال المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الروس يرتقي إلى جريمة حرب.
وأكد تقرير صدر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" في أبريل / نيسان الماضي أن اتفاقية جنيف بشأن حماية المدنيين زمن الحرب تسمح "باحتجاز مدنيين أو وضعهم رهن الإقامة الجبرية فقط في الحالات الأمنية الحتمية مع ضمان حقوقهم في الطعن على قرار الاعتقال والتواصل مع محامين والأقارب والحصول على معاملة إنسانية في كافة الأوقات".
ورغم ذلك، قالت دياتشوك إن الأوكرانيين المحتجزين في روسيا لا يحصلون على هذه الحماية فيما بدأت روسيا في الشتاء الماضي في تسجيل الجنود والمدنيين الأوكرانيين "كأسرى حرب".
وقد وجدت والده بوهاجفسكي معلومات عن نجلها المعتقل على موقع روسي على الإنترنت خاص بنشر بيانات عناصر الجيش والشرطة الأوكرانية فيما عثر فريق DW على معلومات بشأن أولكسندر تشيركوف.
ويقول ما يُعرف بـ "المقر التنسيقي الأوكراني بشأن معاملة أسرى الحرب" إنه يجب إطلاق سراح المدنيين دون شروط مع رفض أن يتم ذلك بموجب صفقات تبادل الأسرى.
مفاوضات لإطلاق سراح المعتقلين
وأشارت كارينا دياتشوك، مؤسسة منظمة "مدنيون في الأسر"، إنه إذا جرى "إطلاق سراح المدنيين مقابل جنود روس في صفقات تبادل، فسوف ينجم عن ذلك سيناريو يُصبح فيه كل سكان الأراضي المحتلة رهائن".
الجدير بالذكر أنه جرى إطلاق سراح حوالي 140 مدنيا أوكرانيا خلال صفقات تبادل الأسرى منذ فبراير / شباط العام الماضي بما في ذلك والد دياتشوك فيما لم يقدم المقر التنسيقي الأوكراني بشأن معاملة أسرى الحرب، المزيد من التفاصيل إذ اكتفى بالقول إن "المدنيين يتم احتجازهم في الاتحاد الروسي كرهائن من أجل إجبار أوكرانيا على الدخول في مفاوضات سياسية".
وأضاف أولكسندر كونونينكو، المسؤول في المنظمة، إن المحادثات جارية بهدف إطلاق سراحهم.
كذلك، فمن المقرر أن يبحث مفوض حقوق الإنسان في البرلمان الأوكراني مصير المدنيين الأوكرانيين الذين تحتجزهم روسيا خلال اجتماعه في أنقرة مع تاتيانا موسكالكوفا، مفوضة حقوق الإنسان في روسيا.
إيهور بورديجا / م. ع