ما بعد الثورات العربية: مشروع مارشال أم سياسات اقتصادية جديدة؟
١٢ أكتوبر ٢٠١١بعد الحرب العالمية الثانية قادت الولايات المتحدة الأمريكية حملة لدعم وإعادة بناء الاقتصاد الأوروبي عرف بمشروع "مارشال". وكان له أثر كبير في دعم الاقتصاد الألماني وإعادة بنائه بعد الخسائر الفادحة التي أصابته من جراء الحرب.
اليوم يثار نفس السؤال حول الدول العربية ومستقبلها الاقتصادي خصوصاً تلك الدول التي شهدت في الفترة الماضية تغيرات سياسية جوهرية وثورات أعقبها تغيير بنية النظام السياسي في بعضها وامتداد هذا التغيير إلى النظام الاقتصادي. والتحدي الذي يواجه معظم هذه الدول هو: هل هي قادرة اقتصاديا على عبور تلك المرحلة الانتقالية؟ وهل يحتاج اقتصاد تلك الدول إلي دعم خارجي ودولي على غرار مشروع "مارشال".
هبات لا قروض
يوضح رضا شكوندالى مدير المعهد الأعلى للتصرف في تونس طبيعة العلاقات الاقتصادية الأوروبية التونسية، حيث يرى أن الاقتصاد التونسي يتنفس من خلال رئتين الأولى هي الاتحاد الأوروبي، إذ يشكل حجم التبادل بين تونس والاتحاد الأوروبي 80% من حجم صادراتها الخارجية. أما الرئة الثانية فهي ليبيا. لكن الاثنين يمران بظروف اقتصادية سيئة. فليبيا لا تزال في حالة حرب والاتحاد الأوروبي يمر بأزمة مديونية الأمر الذي كان له تأثير سلبي على وضع الاقتصاد التونسي.
ينتقد شكوندالى شكل العلاقات الاقتصادية الأوروبية التونسية وذلك لسببين رئيسين "أولاً علاقات تونس الاقتصادية ليست مع كل الاتحاد الأوروبي بل تتركز مع أربع دول فقط (فرنسا، إيطاليا، أسبانيا، وألمانيا). بالتالي فحينما تمر أي من هذه الدول بأزمة اقتصادية يكون لها تأثير سيء على الاقتصاد التونسي. ثانياً معظم الاستثمارات الأوروبية في تونس تركز على الصناعات البسيطة كصناعة النسيج وغيرها التي تستغل العمالة التونسية الرخيصة. والمشكلة الآن، وهي أحد الأمور التي أدت لانفجار الثورة، هي بطالة أصحاب الشهادات العليا". لذلك يرى الباحث التونسي أن بلاده تحتاج في المقام الأول إلى استثمارات في الصناعات والقطاعات الاقتصادية التي تقوم على الأيدي العاملة الماهرة".
وعن مستقبل التعاون الأوروبي التونسي الاقتصادي، يقول رضا شكوندالى "الدول الأوروبية وأمريكا في ورطة حقيقية، فمن جهة أعلنت هذه الدول أكثر من مرة أنها تدعم الديمقراطية والتحول الديمقراطي، ومن جهة أخرى تمر بأزمات اقتصادية طاحنة. ولذا فحتى الآن غير معلوم ما هو نوع الدعم الذي تقدمه أوروبا وأمريكا للدول العربية التي تسير في طريق التحول الديمقراطي".
وفي قمة مجموعة الثماني الأخيرة أعلن الرئيس باراك أوباما أن هذه الدول ستدعم التحول الديمقراطي في تونس والمنطقة العربية بحوالي 25 مليار دولار. إلا أنه، وكما يقول شكوندالي، ليس معروفا حتى الآن ما هو نوع هذه الدعم وهل الـ 25 كمليار دولار ستكون على شكل قروض أم هبات. فإذا كانت قروضا "فنحن بالطبع نرفضها لأن سياسية القروض أثبتت فشلها في كل تجارب الدول النامية وزادت من فقر الدول الفقيرة، حيث تتحول فائدة الدين إلى ثقب في موازنة تلك الدول، لذلك فالأفضل أن تكون هذه المساعدات على شكل هبات، أو على الأقل تقوم الدول الأوروبية بإلغاء ديون الدول العربية التي تمر الآن بمرحلة التحول الديمقراطي".
التشريعات الاقتصادية قبل الاستثمارات
أما عبد الخالق فاروق، الباحث الاقتصادي المصري، فلا يرى أن مصر أو الدول العربية في حاجة لمشاريع تمويلية ضخمة على غرار مشروع مارشال. فوضع الاقتصاد المصري، حسب فاروق، ليس سيئاً أو متدهوراً لهذه الدرجة. كما أن المشكلات الاقتصادية التي تعانى منها مصر تحديداً ليست نتيجة لأزمة في الموارد بقدر ما هى نتيجة سوء إدارة من المجموعة الاقتصادية في الحكومة الحالية. فهي على حد وصفه "مجموعة اقتصادية غير متجانسة بالتالي أحيانا ما تبدو قراراتها أو مؤشراتها الاقتصادية متضاربة". ويضرب فاروق مثالاً على ذلك بالقرض الذي طلبته مصر من البنك الدولي منذ شهور ثم تراجعت الحكومة المصرية عن طلبها ونتيجة لهذا التخبط في إدارة الحكومة الانتقالية لملف الاقتصاد المصري تمر القطاعات المالية والاقتصادية بهزات قد تبدو عنيفة أحياناً لكنها لم تؤد إلى انهيار كامل تحتاج معه لمشروع تمويلي ضخم كمشروع مارشال.
ويقارن عبد الخالق فاروق على سبيل المثال بين نظام الضرائب في ألمانيا ومصر. فبينما تصل الضرائب على الشركات في ألمانيا في بعض الأحيان إلى 43% لا تتعدى ضرائب الشركات في مصر 20% . وحتى هذه النسبة الضئيلة يوجد عشرات الثغرات القانونية التي تمكن الشركات من التهرب من دفعها، وأحيانا تذهب القضية للمحكمة وضرائب العام الواحد يتم دفعها بعدها بخمسة أعوام.
ويحدد فاروق أهم القرارات السياسية التي يحتاجها الاقتصاد المصري قائلاً: "سياسة ضريبية موحدة وواحدة. إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة فليس من المعقول أن العاملين في الرئاسة يتقاضون 1800% من المرتب الأساسي وزملائهم في الجهاز الحكومي البالغ عددهم ثلاثة ملاين ونصف يأخذون 75 % من مرتبهم الأساسي. تخفيض مصاريف تشغيل الجهاز الحكومي. إلغاء القانون رقم 11 والذي فصل الهيئات الاقتصادية كقناة السويس والبنك المركزي عن الجهاز الإداري للدولة."
وعن الآراء التي تلقي مسئولية تدهور الاقتصاد المصري على الإضرابات والاعتصامات، التي تؤدي إلي هروب الاستثمارات الأجنبية، يري فاروق أن وضع حد أدنى وحد أقصي للأجور داخل الجهاز الإداري للدولة كفيل بتهدئة المواطنين، وبالتالي التقليل من الاحتجاجات والإضرابات العمالية وهو ما سيكون له أثر كبير على الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد. أما عن الاستثمار الأجنبي فرغم أهميته إلا أن عبد الخالق فاروق ينتقد توجهات تلك الاستثمارات التي تجاوزت 15 مليار يورو في عام 2010 لأن "العبرة ليست في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بل في توجهاتها، ونحتاج إلى محفزات لتوجيه الاستثمارات الأجنبية نحو قطاعات الزراعة والصناعة".
أحمد ناجي
مراجعة: أحمد حسو