"مؤشرات على نهاية شهر العسل بين دمشق وأنقرة ودور الجامعة العربية ضعيف"
٢٨ أغسطس ٢٠١١تحفظت دمشق على بيان جامعة دول العربية الخاص بالأحداث الداخلية في البلاد. وتصرفت ممثلية سوريا لدى المنظمة العربية في مذكرة أرسلتها إلى الأمانة العامة للجامعة ووزعتها على سفارات الدول العربية في القاهرة ومفادها أنه "وكأن شيئا لم يحدث". ولتسليط الضوء على موقف الجامعة العربية الجديد إزاء سوريا أجرى موقع دويتشه فيله حوارا مع المحلل السياسي السوري الدكتور نجيب غضبان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اركنسا في الولايات المتحدة، وهو ناشط معارض، حول قراءته لموقف الجامعة والموقف الجديد لأنقرة وردود فعل نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وفيما يلي نص الحوار:
دويتشه فيله: هل تعتقد أن تغييرا طرا على سياسة جامعة الدول العربية بعد صدور موقف، يمكن وصفه بأنه أقرب إلى الحزم منه إلى المجاملة المعهودة في بيانات المنظمة العربية؟
نجيب غضبان: لا شك أن هناك ترحيبا بهذا النقلة بموقف الجامعة العربية والتي عادة تكون مواقفها دون الحد المتوقع. والحقيقة الجامعة متأخرة جدا في الاستجابة لمطالب الشعب السوري ووصلت إلى درجة أنه لم يعد بالإمكان أن تتأخر أكثر من ذلك. ولكن ورغم كل ذلك ففقد قرر النظام أن يغيب عن النقاشات حول هذا الموضوع والذي عادة ما يمثله وزير خارجيته. كما رفض المندوب السوري كل ما صدر عن مجلس وزراء خارجية الجامعة، بحجة التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا. والحقيقة أنها مبادرة جيدة تحاول أن تواكب ما يحصل في البلاد.
وماذا يعني ذلك بالنسبة للمحتجين؟
بالنسبة للمحتجين، فهم يطالبون بأكثر من ذلك، كما لاحظنا ذلك من خلال عمل البعثة الدولية التي زارت سوريا مؤخرا وخرجت باستنتاج مفاده أنه ينبغي حماية المدنيين، لأنهم يتعرضون لقمع غير مقبول وغير مبرر في الحقيقة. فالجامعة العربية تسعى إلى منح النظام فرصة لعمل شيء. وأغلب دول العالم وصلت إلى نتيجة بأن هذا النظام غير قادر أو غير راغب في تقديم أي حل ما عدا الحل الأمني. ولهذا نقول فلتحاول الجامعة العربية لأنها ستقيم الحجة على النظام في نهاية الأمر عندما يرفض التعاطي مع مبادرتها.
أمين عام جامعة الدول العربية ينتظر جوابا من دمشق بشأن زيارة ينوي القيام بها بطلب من مجلس وزراء خارجية العرب. ماذا يستطيع الأمين العام للجامعة أن يفعله كي تكون زيارته على دمشق مهمة في ظل رفض سوريا لمجمل المبادرة العربية؟
في الحقيقة، الجامعة العربية لا تستطيع أن تقوم بأي دور فعال لأنها ضعيفة جدا. ونقطة الضعف فيها يتمثل في الفقرة الخاصة في ميثاقها التي تعطي لقضية السيادة الوطنية دورا كبيرا. فالخطوة هذه تصب فقط في عزل النظام السوري دبلوماسيا وإدانته. وهو أمر يعطي للمواقف الدولية زخما جديا في ممارسة الضغط على النظام السوري. والحقيقة، أن هذا هو سقف مبادرة الجامعة العربية والذي يصب في حماية المدنيين في سوريا.
الجامعة لا تستطيع حماية المدنيين، لكنها تستطيع إرسال بعثة وزارية إلى سوريا لمراقبة الأحداث وتوثيق الوقائع. أو يمكن أن ترسل مراقبين إلى البلاد. وهذا ما اشك في أن يقبل به النظام. بيد أن للموقف العربي من خلال الجامعة العربية تأثيرا على مجمل الموقف الدولي، كما لاحظنا ذلك في الموقف من ليبيا حيث شكل موقف الجامعة العربية من أحداث ليبيا عنصرا أساسيا لاتخاذ القرار 1973 الخاص بحماية المدنيين في ليبيا.
إقليميا قال الرئيس التركي عبدالله غول، إن تركيا فقدت ثقتها في النظام السوري مع استمرار حملته ضد المحتجين المدنيين. وإن الإصلاحات الموعودة باتت غير كافية أو فات أوانها. كيف تقرأ هذه التصريحات؟ وهل انتهى شهر العسل بين أنقرة ودمشق؟
لقد كانت هناك مؤشرات عديدة على انتهاء شهر العسل بين الجانبين. فالعلاقات التركية السورية كانت تسير نحو التدهور منذ فترة والنظام السوري يتحمل جزء كبيرة من مسؤولية ذلك. فالأتراك أعطوا النظام كل الوقت والمبررات. وما زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو وسوء التفاهم الذي حصل بشأن تصريحات فيما يخص منح النظام فترة زمنية أو عدمه لحين البدء بالإصلاحات. لقد كانت هذه الزيارة بمثابة المبادرة الأخيرة في تصوري. وقد اتضح الأمر للأتراك على ما يبدو بأن النظام خارج إطار أن يكون قادرا أو صالحا للإصلاح، على الأقل فيما يخص تلك الإصلاحات التي يطالب بها الأتراك منذ عام 2004.
إن قمع المتظاهرين بالعنف المفرط ودخول الدبابات في عمليات مواجهة ضد المحتجين في المدن قد أحرجت الأتراك بشكل كبير دفعت بهم إلى رفع سقف مطالبهم أمام النظام السوري. ولحسم الأتراك موقفهم، من النظام السوري، تأثيره الجيد على مجمل المواقف الدولية الخاصة بتضييق الخناق على النظام وزيادة عزلته الدولية.
كيف تفسر منع سفر بعض وجوه من المعارضة السورية من البلاد في الوقت الذي يعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن تشريع قانون لحرية الإعلام يقولون إنه يضمن رفع القيود عن الإعلاميين؟ هل هناك تخبط في سياسة النظام؟
في اعتقادي أن أداء النظام السوري قد أساء إلى نفسه إلى درجة كبيرة خلال إدارته لهذه الأزمة، سواء تعلق الأمر بالعلاقات مع بعض الإطراف العربية أوالإقليمية، أو تعلق بتعاطيه الداخلي. فموضوع منع السفر أو تشديد القيود على المعارضين والناشطين هو الأصل. أنا أتذكر أن مجلة "أيكنوميست" البريطانية قد ذكرت أن حوالي 400 شخص يخضعون لقرار منم السفر من سوريا. ولكن الرقم الحقيقي يتجاوز حدود ثلاثة آلاف شخص، حسب مصادر بعض النشطاء. لكن النظام كان يسمح بين الحين والآخر بهامش من الحركة ليعطوا انطباع بأن هنالك شيئا من الحراك ومن التسامح. لكن كل ذلك يصب بالنسبة للنظام في ظل هذه الظروف في خانة كسب الوقت. والنظام يعلم انه ليس بوارد تقديم أي شيء. والخطوات التي قدمت كانت متأخرة وغير كافية ولا تلبي التطلعات.
ولهذا فأنا غير مستغرب من قرارات منع السفر ولكن أخشى من أن يعود النظام من جديد إلى اعتقال الناشطين المعروفين. واذكًر بان الناشط وليد البني معتقل مع ابنيه لحد الآن. و أتوقع أن يطال الاعتقال الكثيرين. طبعا هناك أكثر من تحدي في نشاط المعارضة. فالشخصية المعارضة المعروفة حسن عبدا لعظيم يحضر لعقد مؤتمر في النصف الثاني من شهر أيلول/ سبتمبر المقبل. لكن التعاطي الأمني مع الأمور قد لا يسمح بمثل هذا اللقاء.
هناك دعوة لتسليح المحتجين في سوريا على ضوء استمرار العمليات العسكرية والأمنية ضد المدنيين في كل أرجاء سوريا وعلى ضوء الامتعاض العربي والإقليمي والدولي إزاء مواقف النظام. ما هو رأيك بهذه الدعوة؟ وهل الغرض من إطلاقها يخدم قضية الحرية والتغيير في البلاد؟
في قناعتي الشخصية أن أهم عناصر قوة الثورة السورية تكمن في سلميَّتها. كما أنها اثبتت سلميَّتها بشكل واضح غير قابل للشك. والنظام كان يتمنى أن تكون التحركات الشعبية مسلحة كي يبرر دوليا وعربيا وإقليميا ممارسة العنف بحقها وعلى نطاق أوسع مما رأيناه لحد الآن. إن الحفاظ على سلمية الثورة أمر ضروري.
كما ينبغي أن تنتقل الثورة إلى أشكال سلمية أخرى منها استمرار المظاهرات والاعتصام والإضرابات الواسعة ما يضمن نجاح الثورة وبكل تأكيد. أما العناصر الأخرى المطلوبة هي الضغط الدولي والذي يجب أن يتصاعد فعلا كي يصل إلى مستوى حماية المدنيين بوسائل محددة، ولا أتحدث عن تدخل عسكري. لأن هناك صيغ كثيرة لمثل هذا النوع من التعامل. كما ينبغي أن ندعم أو ان نقوم بحملة وطنية بهدف تحريك الأوساط العسكرية في سوريا لاتخاذ موقف وطني واضح والخروج من جبهة الدفاع عن نظام عائلة تتهاوى وبشكل واضح. وينبغي القول إن عسكرة الثورة أو الانتفاضة فيها خطورة كبيرة قد تسحق الكثير من الانجازات التي تم تحقيقها لحد الآن.
أقول ذلك مع تفهمي لوضع الشباب في سوريا الذين يشاركون في الاحتجاجات ويقدمون صورة رائعة من البطولة والتضحيات من اجل الوطن. خاصة عندما يتم استفزازهم فيما يخص حياتهم وأسرهم وفي الانتهاكات المستمرة التي يقوم بها النظام. وأخير بدأ النظام بانتهاك المقدسات. وخلاصة القول إن النظام فقدَ صوابه بشكل تام وعلى الطرف الآخر أن يفهم هذ الأمر. أنا ارفض تسليح المتظاهرين وهذا هو موقفي.
في ظل تعدد المبادرات و الأدوار الإقليمية تظل المعارضة السورية في حالة مرتبكة، كذلك المجتمع الدولي مرتبك أيضا. هل تعتقد أن الوقت يجري لصالح النظام السوري وإن إلى حين؟
ـ لا اعتقد ذلك. وكما أشرت فالمواقف العربية والإقليمية تسير وتتطور لصالح الشعب السوري. بالنسبة للموقف الدولي هناك نقطة ضعف ليس لنا علاقة بها وهي تتمثل بموقف كل من روسيا والصين في المحافل الدولية. و لكن الموقف الغربي مازال قويا وله القدرة على التطور والحسم في المستقبل خصوصا مع دعم من العالم العربي.
أما بخصوص المعارضة فإنها بحاجة أن تكون بمستوى المسؤولية. وأنا متفاءل ببعض المبادرات والأصوات الناشطة الآن. وأنا جزء بسيط مما يسمى بالمجلس الوطني الذي يتم الحديث عنه الآن. وعلى المعارضة أن تملئ الفراغ في الخارج وأمام المحافل الدولية وترتقي بعملها ونوعيته إلى مستوى الحدث في الداخل وعلى ضوء التطور الحاصل عربيا وإقليميا والمنتظر دوليا.
أجرى الحوار حسن ع. حسين
مراجعة: منصف السليمي