مؤتمر ميونيخ ـ منتدى عالمي تخلّف عنه الإعلام العربي
١٥ فبراير ٢٠١٦حظي مؤتمر الأمن العالمي، الذي احتضنت مدينة ميونيخ أيام 12-14 فبراير/ شباط 2016، أعماله هذا العام باهتمام إعلامي غير مسبوق، ويعزو متابعون ذلك إلى طبيعة الملفات الساخنة التي تصدرت أجندته، وفي مقدمتها الأزمة السورية إضافة إلى ملفات الحرب على الإرهاب والعلاقات المتوترة بين روسيا والغرب. أما البعد الجديد الذي أعطى لمؤتمر ميونيخ أصداء عالمية واسعة، فيكمن في التطور المذهل لتأثير وسائل الإعلام ودخول مواقع التواصل الاجتماعي كلاعب استراتيجي في المعادلة الإعلامية.
في حوار مع DWعربية، يؤكد أوليفر رولوفز المتحدث الرسمي باسم مؤتمر ميونيخ أن أكثر من 700 مندوب عن وسائل الإعلام من أكثر من 50 بلدا شاركوا في تغطية المؤتمر، الذي تم نقله على المباشر على نطاق عالمي وخلفت أصداء في مختلف أنحاء العالم، كما يقول. بيد أن الحضور الإعلامي المكثف من مختلف أنحاء العالم إلى ميونيخ قابله حضور إعلامي عربي ضعيف، كما يرصد ذلك المتتبعون لأعمال أهم مؤتمر عالمي حول الإستراتيجيات الأمنية والعسكرية.
النادي المغلق أصبح منتدى عالميا مفتوحا
مؤتمر الأمن العالمي، الذي تأسس سنة 1963، تحول مع الزمن إلى مؤسسة يجتمع فيها صناع القرار السياسي والأمني والعسكري، وممثلو الصناعات العسكرية. ولكن التحول النوعي الذي حدث في هذه المؤسسة هو كونها انتقلت إلى منتدى عالمي مفتوح بفعل تنوع المشاركين فيه والأصداء الإعلامية التي يخلفها، بعد أن كان عبارة عن نادٍ مغلق، يشبهه البعض بنادي صناع القرار في العواصم الأكثر تأثيرا في العالم.
وشارك في المؤتمر هذا العام رؤساء دول وحكومات أكثر من ثلاثين بلدا، و63 وزيرا للخارجية والدفاع، وعشرات من كبار القادة العسكريين ورؤساء أجهزة الاستخبارات. وتمحورت أعماله في شكل جلسات رئيسية وعشرات الندوات الفرعية. وخلال هذا العام تصدرت أزمات الشرق الأوسط أعمال المؤتمر بدءاً بالأزمة السورية والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية وأزمة اللاجئين، وصولا إلى الأزمة الليبية. بالإضافة إلى أزمات دولية مثل العلاقات بين روسيا والغرب، والتحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي، وقضايا المناخ والتطورات التكنولوجية الحديثة.
وفي قاعات فندق باييرشه هوف التاريخي الفاخر، في قبل مدينة ميوينخ، عقدت جلسات مغلقة لم يتسن لوسائل الإعلام متابعتها، مثل الجلسة الخاصة بموضوع حروب المستقبل وفرضيات استخدام المقاتل الآلي في الحروب، التي شارك فيها صناع قرار وقادة عسكريون ورؤساء أجهزة استخبارات.
وتابع الإعلاميون أعمال المؤتمر مباشرة عبر مختلف أصناف وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة والإلكترونية، سواء بنقل مباشر من القاعات الفاخرة لفندق باييرشه هوف، أو من مركز إعلامي ضخم من ثلاثة طوابق أقيم في بناية مجاورة للفندق، ويتوفر المركز على أحدث التجهيزات وتقنيات النقل والبث الإعلامي المباشر، وضمنها عشرات محطات البث المتنقلة والاستوديوهات المخصصة للمقابلات والبرامج التلفزيونية.
ونظرا للأعداد الكبيرة من الإعلاميين، فقد كان المركز عبارة عن خلية نحل لا يتوقف فيه العمل على مدار الساعة بحكم اختلاف توقيت البلدان التي وفدوا منها.
حضور إعلامي عربي ضعيف
ورغم تصدر أزمات منطقة الشرق الأوسط لأعمال مؤتمر ميوينخ، فقد كان حضور الإعلام العربي محدودا مقارنة بنظرائه من أوروبا وآسيا وأميركا وروسيا وإيران وتركيا، اذ لم يتجاوز عدد المندوبين عن وسائل إعلام عربية 40 مندوبا، كما يؤكد أوليفر رولوفز، أي ما يعادل 6 في المائة فقط من مجموع الإعلاميين الذين ساهموا في تغطية المؤتمر. ولوحظ أن الحضور العربي اقتصر تقريبا على مندوبين لقنوات تلفزيونية ووكالات أنباء من دول الخليج العربي، إضافة إلى مندوبي كبريات القنوات التلفزيوينة العربية على غرار" العربية" و"الجزيرة" و"سكاي نيوز".
وفي تفسيره لضعف الحضور العربي يقول نور الدين فريضي مدير مكتب قناة "العربية" في بروكسيل، إن "حضور الإعلام الخلجيي كان بارزا بينما كان غياب وسائل الإعلام من بلدان شمال افريقيا شبه تام".
ويعزو الفريضي ذلك إلى هيمنة القضايا والأزمات التي تهم بلدان الخليج العربي والشرق الأوسط، وحضور شخصيات سياسية بارزة من عواصم الشرق العربي. ويشير فريضي في حواره مع DW عربية إلى صعوبة تغطية عدد كبير من وسائل الإعلام العربية لتكاليف السفر والإقامة والتغطية الإعلامية، كما أن بث أعمال المؤتمر على "لايف ستريم"، يجعله في متناول عدد من وسائل الإعلام وخصوصا الإلكترونية. وهنالك عنصر إضافي يفسر به فريضي ضعف حضور الإعلام العربي بهيمنة الطابع المحلي للصحف ووسائل الإعلام في عدد كبير من الدول العربية، واقتصارها على ما توفره وكالات الأنباء العالمية من مادة إخبارية وتغطيات للمؤتمرات العالمية.
وعن نوعية المواضيع التي تركزت حولها تغطيته في المؤتمر لقناة "العربية"، يوضح فريضي قائلا:"أولا: دعشنة الإرهاب من أفغانستان إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وصولا إلى نيجيريا. وثانيا: تداعيات الأزمة السورية. وثالثا: كيف تحولت أزمات الشرق الأوسط إلى أزمات أوروبية، على غرار أزمة اللاجئين. ورابعا: التحديات التي تواجه أوروبا وغياب التضامن الأوروبي وتباين سياسات دول القارة إزاء ملف اللاجئين. وخامسا: التوتر بين موسكو والغرب، وعودة الدور الروسي في الصراعات الدولية وخصوصا من خلال الأزمة السورية".
مواقع التواصل الاجتماعي لاعب جديد
ويشكل دخول مواقع التواصل الاجتماعي عنصرا استراتيجيا في تغطية ومتابعة أعمال المؤتمر، ويقول أوليفر رولوفز المتحدث الرسمي باسم المؤتمر، إن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا هاما في تغطية أعمال المؤتمر وتداول أصدائه على مستوى واسع. وتنوعت أشكال اهتمام مواقع التواصل بحسب الوسائط والمنتديات والاستخدامات الإعلامية، ولاحظ رولوفز أن عددا من المشاركين في المؤتمر كانوا يعلقون عبر فيسبوك أو تويتر على مداخلات زملائهم المشاركين أو يعبرون عن مواقف إزاء قضايا معينة تتم مناقشتها في المؤتمر.
وأوضح رولوفز أن هاشتاغ #MSC2016استمر في نهاية الأسبوع في الرتبة الثالثة من الهاشتاغات على تويتر، وخلال أيام المؤتمر كان متصدرا في كثير من الأحيان. ووحده حساب المؤتمرعلى تويتر كسب ألفي متابع جديد. وكان موضوع الأزمة السورية أكثر القضايا تداولا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يؤكد رولوفز.
وتداولت مواقع فيسبوك ويوتيوب على نطاق واسع مقاطع فيديو من فعاليات المؤتمر ولقطاته المثيرة والساخنة أحيانا، وبلغت أعداد مشاهديها عشرات الآلاف. ونظرا للطابع الخاص الذي يميز طرق تناول مواقع التواصل الاجتماعي، فقد هيمنت على متابعاتها اللقطات المثيرة والطريفة. وتحولت في كثير من الأحيان، إلى مسرح مواجهات افتراضية بين المتابعين والمستخدمين، في قضايا مثيرة للجدل مثل السجالات على المواقع الأوروبية بين المسؤولين الروس والغربيين، أوعلى المواقع والمنتديات العربية بين المسؤولين العرب والإيرانيين.
كما شكلت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة موازية استخدمها النشطاء المناهضون لمؤتمر ميونيخ منهم نشطاء يدافعون عن السلام ويناهضون الحروب ويتضامنون مع اللاجئين، لنشر صور ورسائل وشعارات ومواقف مناوئة للساسة وزعماء العالم، الذين وصفتهم بعض الشعارات بـ"صانعي الحروب". وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في جعل المعادلة الإعلامية في متناول الفئات الشعبية أو الجماعات الصغيرة أو قليلة النفوذ في وسائل الإعلام التقليدية.