مؤتمر ألماني يكشف أسرار مخطوطات "ألف ليلة وليلة"
٢٦ مايو ٢٠١٠"قد ندهش عندما نعلم أن العالم العربي كله لا يضم سوى مخطوطتين من مخطوطات "ألف ليلة وليلة"، الأولى في القاهرة والثانية في دمشق؛ أما بقية المخطوطات التي تم إحصاؤها والتي يبلغ عددها أكثر من 40 مخطوطاً فهي موزعة على بلاد العالم المختلفة، وخاصة ألمانيا وفرنسا": هذا ما أعلنه جمال الغيطاني في حديث أجرته "دويتشه فيله" مع الروائي المصري الذي افتتح عصر اليوم (الأربعاء) المؤتمر الدولي الذي يُعقد في جامعة إيرلانغن - نورنبرغ بولاية بافاريا في جنوب ألمانيا. ويستمر المؤتمر أربعة أيام بمعهد علوم اللغات الشرقية، ويشارك فيه خبراء من كافة أنحاء العالم يتناقشون خلاله حول مخطوطات "ألف ليلة وليلة" العربية التي لم تحظ بالدراسة من قبل.
"كتاب غاص في المسكوت عنه"
وفي المحاضرة التي افتتح بها المؤتمر بعنوان "كتاب الأقدار" قصّ الغيطاني تجربته في معايشة وقراءة حكايات "ألف ليلة وليلة". بهذه القصص التي راحت شهرزاد تلقيها على مسامع شهريار ليلة بعد ليلة، استطاعت الحكاءة البارعة أن تنقذ حياتها وأن تعيد إلى الملك المتعطش للدماء صوابه.
والفكرة الأساسية التي دارت حولها محاضرة الغيطاني هي أن "ألف ليلة وليلة" نص إنساني كوني، ولكنه للأسف يُعامل معاملة المنبوذ في الثقافة التي أنتجته. أما تفسير الغيطاني لذلك فهو أن هذا النص، الذي لا يُنسب إلى كاتب معين، نجح في "الغوص في كل المسكوت عنه في الأدب الرسمي"، سواء فيما يتعلق بالسياسة أو بالجنس. ويشير الغيطاني إلى أن القارئ يجد في حكايات شهرزاد "تصويراً شعبياً شبه كوميدي لقمة السلطة، أي للخليفة هارون الرشيد"، أما فيما يتعلق بالغرائز الإنسانية فإن الراوي المجهول في "ألف ليلة وليلة" تناول دقائقها وبصراحة تامة، على نحو لا نجده في الأدب العربي المُعترف به، سواء قديماً أو حديثاً.
ويشير الغيطاني إلى أهمية "طبعة بولاق" الأولى التي حققها الشيخ عبد الرحيم الصفتي عام 1824، والتي تعتبر أول طبعة عربية. وقد أعاد الغيطاني إصدار هذه الطبعة مؤخراً، فتقدمت مجموعة من المحامين المسلمين بطلب لمصادرة النسخ التي صدرت عن سلسلة "الذخائر"، وهي سلسلة تابعة لوزارة الثقافة المصرية وتُباع الأعمال المنشورة فيها بسعر زهيد. واعترض المحامون على ما ورد في الكتاب من عبارات وصفوها بأنها "جنسية فاحشة ضارة بالأخلاق"، وطالبوا "بتنقية الكتاب من هذه الألفاظ" قبل إصداره في طبعة جديدة.
"إسلام منفتح على كافة أوجه الحياة"
غير أنه "من الحمق اختزال الكتاب في عدة مواضع مخلة أو عدة كلمات خارجة"، مثلما تقول الباحثة في جامعة إرلانغن كلاوديا أوت التي تؤكد أن هناك تضخيما كبيرا لهذه المواضع من الكتاب. وكانت الباحثة الألمانية قامت بترجمة "ألف ليلة وليلة" إلى الألمانية في طبعة صدرت عام 2004 ولاقت صدى نقدياً طيباً. وتشير أوت إلى أن الكتاب يتضمن عديداً من الآيات القرآنية، وهي ترى أن الإسلام الذي يقابله القارئ في قصص ألف ليلة وليلة إسلام منفتح لكافة أوجه الحياة. وتضيف أوت: "إن من يختزل مثل هذا العمل في عدة مفردات "مُخلة" و"إباحية" إنما يضر نفسه في المقام الأول." وترى المترجمة كلاوديا أوت أن الطبعة التي أثارت الجدل في مصر الآن هي طبعة بولاق المشهورة، وأن على المصريين تحديداً أن يفتخروا بهذا الطبعة لأنها تبرز دور مصر في حكايات "ألف ليلة وليلة".
وهذا ما يؤكده الغيطاني أيضاً، إذ يقول إنها "طبعة متكاملة، جُمعت قصص "ألف ليلة وليلة" في نسق فني متكامل، باستثناء قصة ترجمها أنطوان غالان في مطلع القرن الثامن عشر إلى الفرنسية لا يوجد لها أصل في المخطوطات العربية، وهي قصة أصبحت من أشهر القصص"، ألا وهي قصة "علاء الدين والمصباح السحري". ويشدد صاحب "الزيني بركات" إلى أهمية توقيت عقد المؤتمر الألماني بعد الضجة التي ثارت حول "ألف ليلة وليلة" في مصر، فالمؤتمر يكشف قيمة هذا العمل الفريد الذي يلقى اهتماما عالميا، وهو ما يدعم موقف المثقفين المصريين في مواجهة ما أسماهم الغيطاني بـ"الجهلاء".
الكاتب: سمير جريس
مراجعة: هيثم عبد العظيم