لُجين وفهد.. جبروت السياسة يُحاصر قصة حب اشتهرت في السعودية
٤ يناير ٢٠١٩"ما زلنا نسجن إذا ما عبرنا عن آراء معقولة وطبيعية. ما يزالون يرسلوننا إلى السجن". هكذا تحدثت لجين الهذلول في مقابلة مصوّرة مع صحيفة الإيكونوميست قبل ثلاث سنوات، والنتيجة أن الناشطة السعودية ذاتها، التي حضرت المقابلة إلى جانب زوجها، الكوميدي فهد البتيري، توجد منذ حوالي سبعة أشهر في السجن بتهم ثقيلة.
قصة الحب بين الاثنين كانت حديث الكثير من السعوديين منذ اقترانهما عام 2014، فلجين كانت معروفة بنشاطها الحقوقي ضد حظر قيادة المرأة للسيارة، وفي المطالبة برفع الولاية عنها، بينما اشتهر البتيري بعروضه الكوميدية، ومنها برنامجه على اليوتيوب "لا يكثر". وبسبب اختيارهما نمط حياة متحرّر عما هو مألوف في بلدهما، تعرّضا معاً لحملة انتقادات كبيرة.
واشتهر الاثنان بالكثير من المنشورات التي وثقت لحياتهما الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تبادلا كثيرا اهتمامات بعضهما بعضاً، فقد روّجت الهذلول لبعض أعمال زوجها، كمشاركته في مسلسل CUT الذي عرض على قناة MBC. كما حضرا معاً في بعض البرامج الإعلامية، كبرنامج "يلا هلا رمضان" على قناة روتانا خليجية، كما دافع البتيري عن زوجته في وجه بعض من انتقدوا أفكارها.
هل انتهت القصة بالطلاق؟
لكن قصة الحب التي واجهت عواصف المحافظين، اصطدمت أيضا بجدران السياسة، فقد نقلت عدة وسائل إعلامية، منها "العربي الجديد و"عربي بوست" طلاق الاثنين، إثر ضغوط مورست على الزوج البتيري، وصلت حدّ تهديده بالسجن. وقد تمّ الطلاق، حسب المصدر السابق، بعد اعتقال لجين في ماي/أيار 2018. وحتى دخول البتيري إلى السعودية لم يكن عادياً، إذ نقلت الواشنطن بوست، أنه اختطف من غرفته في فندق بالأردن، ونُقل إلى بلاده.
وحاولت DW عربية التواصل مع السلطات السعودية لأجل الرّد على هذه التقارير الإعلامية، إلّا أننا لم نتلّق أيّ رد.
واختفى حساب فهد البتيري من تويتر، وهو الحساب الذي كان يضّم ملايين المتتبعين. حاولت DW عربية التواصل مع البتيري هاتفياً، لكنه لم يرد، في وقتٍ تشير فيه معلومات قادمة من السعودية، أن البتيري غير معتقل، وأن لا حظر موجود على تنقله، إلّا أنه يتحاشى الحديث مع وسائل الإعلام حالياً.
ولم يتفاعل البتيري حتى مع تلك التغريدات المطوّلة التي نشرها السيناريست الأمريكي كيرك رودل، عندما تحدث عن أنه التقى بالبتيري وزوجته قبل سنوات عندما احتاج لمن يؤدي صوتاً عربياً في أحد المسلسلات الترفيهية، وذلك بعد توصية إدارة الإنتاج بالبتيري نظراً لشهرته الكوميدية ووجوده في الولايات المتحدة تلك الفترة.
ولفت السيناريست أنه تحدث مع الاثنين حول الوضع في السعودية، واستمر يتواصل معهما بعد ذلك، إذ أخبرته لجين أنها بصدد إطلاق مشروع فني في الشرق الأوسط. وأنهى السيناريست كلامه بالقول إنه لا يدري أين يوجد البتيري الآن، وأنه سمع بقصة طلاقهما، مطالباً حكومة بلاده بألاّ تتلقى مكافآت لأجل النظر بطريقة أخرى لما يحدث من فظائع لحقوق الإنسان.
ويقول علي الدبيسي، عن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، إنه "على الرغم من استمرار السلطات السعودية في تطوير منهجية القمع والترهيب، إلا أنها تفشل"، متحدثا لـDW عربية عن أن هناك "فظائع ومآس مؤلمة تُعرف من وقت لآخر، كما يجري للجين الهذلول وزوجها فهد البتيري".
الهذلول.. المعاناة مستمرة
لم تعتقل، لجين الهذلول، البالغة من العمر 30 سنة، بسبب قيادة السيارة كما جرى في نهاية عام 2014، عندما قضت حوالي 72 يوماً، بل بسبب تهم خطيرة تمثلت في "التواصل مع جهات خارجية بغرض تهديد أمن الدولة". وموازاةً مع اعتقالها، نُشرت الكثير من التقارير الإعلامية التي رمتها، إلى جانب ستة معتقلين آخرين، بالعمالة لقطر وخيانة البلد، كما تعرّضت الهذلول لحملة تشهير واسعة على المواقع الاجتماعية، حسب منظمة العفو الدولية التي أكدت أن الناشطة "استهدفت بسبب دفاعها عن حقوق المرأة".
قبل اعتقالها بأيام، نشرت الهذلول على تويتر تغريدة تفاعلت فيها مع تصريحات ابن سلمان عندما قال إن بلاده تتحسن في مجال حقوق الإنسان. فبعد إثنائها على ما قاله، أشارت إلى أن جدية هذه التصريحات ستثبت بمراجعة قضايا سجناء الرأي. مثل هذا الكلام يتجاوز الخطوط الحمراء في السعودية، فقد اعتقل أشخاص كثر بسبب تدوينات وتغريدات حملت انتقادات خفيفة للسلطات، فجلّ المسجونين الذين يعرّف حساب معتقلي الرأي بمعاناتهم، كتبوا تغريدات مشابهة أياماً قبل اعتقالهم وانقطاع أخبارهم.
والمثير في الأمر أن حتى حساب والد لجين قد اختفى من تويتر، وذلك بعد نشره تغريدة ألمح فيها إلى تعرّض ابنته للحبس الانفرادي والتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب والقتل. وقد نشرت رويترز قبل أيام تقريراً وردت فيه اتهامات للمستشار السابق في الديوان الملكي، سعود القحطاني، بالإشراف شخصياً على تعذيب ناشطة واحدة على الأقل خلال هذا العام، كما سبق لهيومن رايتس ووتش وأمنستي أن أشارتا إلى تعرّض نشطاء سعوديين، بينهم نساء، إلى التعذيب أثناء الاستجواب، فيما نفت السعودية رسمياً هذه الأنباء.
ويشير علي الدبيسي إلى أنه في الوقت الذي لا توجد فيه إمكانية للتقصي حول هذه الأخبار، فان "المزاج المحلي والدولي بات يملك قابلية واسعة لتصديق مثل ما جرى للجين وفهد". ويعطي الديسي أمثلة على ذلك: "بدءًاً من وحشية الإعتقال حتى التحرش الجنسي والتعذيب وإجبار فهد بالقوة والتهديد على تطليق لجين، وحتى لو نفت السعودية فإن نفيها ليس فقط لا يؤخذ بمحمل الجد، بل يثير عليها المزيد من الريبة والشك".
ا.ع