رشا حلوة: أشكال تعذيب وتحرّش بحق ناشطات سعوديات وراء القضبان
٢ يناير ٢٠١٩في الثامن والعشرين من كانون الأوّل/ ديسمبر 2018، عادت الكاتبة والصحافية السعودية ريم سليمان للنشر عبر صفحتها في تويتر، بعد غياب دام حوالي ثلاثة أشهر عنه، وذلك بسبب احتجازها واستجوابها بعد مداهمة منزلها من قبل رجال مدججين بالأسلحة، حسبما روَت.
منذ ذلك اليوم، تنشر ريم سليمان قصّتها بالتفاصيل، بداية من اليوم الذي جاءها اتصال من شخص أمرها بالتوقف عن الكتابة وهددها بأن "أي مخالفة لهذا الأمر سيجلب لها متاعب كبيرة أقلها السجن". تلقت ريم هذا الأمر بالخوف والقلق، حيث قالت: "أصبت بذهول وتملكني الخوف والقلق من أنني سأتعرض لما تعرض له غيري، ولم أملك سوى تنفيذ ما أمروني به، وبقيت على هذا الحال طيلة أسبوع، قبل أن يداهم منزلي رجال مدججون بالسلاح واعتقلوني".
بعدما أخذوها إلى مكان مجهول، باشروا باستجوابها وإهانتها وتعذيبها النفسي على مدار يوميْن، حيث حقق الرجال معها حول مقالاتها وتغريداتها في تويتر، ضمّ ذلك شتم وتهديدات بالتعذيب، حسبما قالت ريم. بعد ذلك، أبلغوها بأنهم سيفرجون عنها، "لكنها ستبقى قيد المنع من الكتابة"، وأضافت: "وحذروني من إخبار أي شخص بما تعرّضت له. بقيت على هذا الحال لفترة من الزمن، وكانت أقصى وأصعب فترات حياتي"، وتابعت: "لم يتركوا لي خيار سوى الهروب من البلد، طلبًا للأمان والتنفس بحرية، فغادرت إلى هولندا، وها أنا الآن أعيش فيها كلاجئة. لا أخفيكم أني خشيت من التعرض لما تعرضت له الناشطات المعتقلات من تعذيب وإخفاء قسري حتى أن الأمر وصل إلى الاغتصاب". لحُسن حظ ريم، استطاعت الهروب من وطنها الذي تحبّه، هربًا من مصير كان يمكن أن يشبه مصير الناشطات السعوديات اللواتي يقبعن بالسجن منذ أيار/ مايو 2018. ريم التي تواصل سرد قصّة اعتقالها والانتهاكات التي تعرضت لها، روت أيضًا ما يتعرض له معتقلو ومعتقلات الرأي في السجون، "يقبعون في السجون ظلمًا، ويتعرضون للتعذيب والتحرّش وانتهاك حقوقهم".
تأتي تغريدات ريم وقصّتها بالتزامن مع التقرير الذي نشرته مؤسسة "هيومان رايتس ووتش" أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حول الانتهاكات التي تتعرض لها الناشطات السعوديات المعتقلات في السجون، من شتّى أنواع التعذيب ومنها التحرّش الجنسي، حيث أفاد التقرير: "ما لا يقل عن 3 من الناشطات السعوديات المحتجزات يتعرضن للتعذيب من قبل السلطات السعودية بشكل شمل الصعق بالصدمات الكهربائية، الجلد على الفخذين، والعناق والتقبيل القسريين". جاء هذا أيضًا مع تصريح والد الناشطة السعودية المعتقلة، لجين الهذلول، بأن "ابنته تتعرض مع بقية الناشطات المعتقلات لحبس انفرادي وصعق بالكهرباء وتحرّش جنسي وتهديد بالاغتصاب والقتل"، وفقًا ما نُقل عن حساب "معتقلي الرأي" في تويتر.
إن اعتقال ناشطي وناشطات حقوق الإنسان، هو بحدّ ذاته انتهاك لحقوقهم، وكذلك لحقوق الإنسان عامّة. لكن، هوس استمرار هذه الانتهاكات، وهوس التعذيب على يد السلطة، والرجال تحديدًا الذين ينفذون أوامرها، وأقول رجال في السياق "الجندري" الذي لا يمكن التغاضي عنه، هي جرائم متواصلة بحق الإنسانية. وفي سلسلة سرد قصتها، قالت ريم سليمان: "في المكان الذي اعتقلت فيه، لم يكن هناك مشرفات سجّانات ولم يكونوا رجالًا كذلك، كانوا حفنة من ذكور مجموعة من أشباه رجال ولم يكن شيئًا يقف أمام توحشهم وضربهم المبرح، لا إنسانية تذكر ولا امرأة تستعطف، كانوا مجردين من كل رحمة، لا أخلاق الإسلام ولا مرؤة الجاهلية، كانوا وحوشًا أبناء وحوش".
منذ اعتقال الناشطات السعوديات في أيار/ مايو الماضي، عملت عدة جهات إعلامية سعودية جاهدة على تشويه سمعة وأسماء الناشطات، وذلك من خلال نسب اتهامات (على الرغم بأنهن اعتقلن بلا تهم ولا تمثيل قانوني) لهن متعلقة بقضايا سياسية، منها أنهن "يتبعن لخلية أجنبية"، وأنهن "خائنات للوطن"؛ وهو أداء مارسته - وما زالت تمارسه - أنظمة عربية، تجاه كل من يفكر ويحاول ويعمل من أجل أن تشكّل بلده وقوانينها ومجتمعاتها مساحة حقيقية لممارسة حقوق الإنسان والديموقراطية، من رجال ونساء، لكن، وللأسف، في بلاد تُسيطر العقليات الذكورية على مسارها المجتمعي والقانوني والتشريعي، تحت مسميات عديدة، منها العادات والتقاليد أو الأديان وغيرها، تعيش المرأة ضحية جرائم هذه العقليات.
وفقًا لتقرير "هيومان رايتس ووتش"، وكذلك تصريحات عديدة لناشطي حقوق إنسان، تصل درجة التعذيب التي تعاني منها المعتقلات إلى درجة رغبتهن بالانتحار، وهنالك امرأة واحدة حاولت الانتحار عدة مرات. وقد أفادت ريم سليمان أيضًا: "في الأيام التي قضيتها في المعتقل، (...) أكثر ما كنت أفكر فيه خلالها، هل سأصمد أم سأنتحر.. نعم فكرت بالانتحار غير ذات مرة من هول ما رأيت".
أثار تقرير الانتهاكات والتحرّش الجنسي بالمعتقلات ضجة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتحت هاشتاغ "تعذيب الناشطات"، احتجت أصوات ناشطات حقوق إنسان عديدة في السعودية والعالم، وكان قد كتب شخص يحمل الاسم "عبد الله الحبيب" في صفحته بموقع تويتر: "كان الدين هو الغطاء الذي يغطي به النظام السلطوي عيوبه ونقائصه. أي دين ذلك الذي يسمح بانتهاك حرمات المسلمين والتحرّش بالسجينات؟".
على الرغم من هروب ريم سليمان ولجوئها في هولندا، لم تسلم حتّى الآن من الملاحقة والتهديدات التي تصلها من خلال رسائل عديدة بعدما بدأت بنشر ما تعرضت له أثر اعتقالها واستجوابها، كما ولم تسلم أيضًا من الأداء الذي بتنا نعرفه في بلادنا، الموجه ضد النساء اللواتي يناضلن من أجل نيل حقوقهن كبشر، بأنهن يتُهمن "بعدم انتمائهن إلى بلادهن"، يعني، من "الاتهامات" التي نُسبت لريم سليمان بأنها "غير سعودية"، تمامًا مثلما حدث مع نساء كثيرات اتهمن بأنهن "غير أردنيات" و"غير مصريات"، إلخ.. والوصف هنا يعود لما تريده العقليات الذكورية والسلطوية من هويّة المرأة وأدائها في البيت والمجتمع، وكل من "تخرج عن هذه المعايير"، بأي شكل كان، تهدد بذلك ذكورية المجتمع، فتقوم هذه العقليات، أو تعتقد، بأنها تنفي هذه النساء، وبهذا تنتقم بوسائل متنوعة، حيث تشعر بأنه من حقها "الانتقام"، تمامًا كما يحدث من جرائم بحق الناشطات السعوديات في السجون.
انتهاكات عديدة تُمارس ضد رجال ونساء ناشطي حقوق الإنسان، هنالك من تتمكن بالوصول إلينا عبر شهادات وتقارير منظمات حقوق إنسان، وهنالك تلك التي لن نعرف عنها يومًا، لكن لنا أن نتخيّلها بأسى. بالمقابل، لربما أضعف الإيمان هو نشر هذه الشهادات والحديث عنها في محافل عديدة، خاصّة من يحمل الميكرفون في يده ويعرف بأن يمكن لصوته الوصول سريعًا، ويمكن له أن يتحدث باسم من سُرقت الميكرفونات من أياديهم وأياديهن، أو مُنعت عنهم أو عنهن.. على أمل أن يتوقف الظلم وتتحقق العدالة الإنسانية يومًا ما.
* الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.