ليبيا .. جسر العبور إلى الفردوس الأوروبي
٢٧ أبريل ٢٠١٥حادثة غرق مئات اللاجئين قبالة السواحل الليبية أشغل العالم في كيفية التصدي لهذه الظاهرة، التي باتت محل قلق لدول المنطقة، وبالأخص أوروبا، التي أصبحت أراضيها تشكل منطقة جذب لآلاف المهاجرين الباحثين عن حياة أفضل. الصراع المسلح في ليبيا وضعف حراسة الشواطئ أغريا المهربين لاستخدامها كنقطة انطلاق، لتصبح ليبيا منطقة عبور إلى أوروبا تجذب الآلاف من البشر الهاربين من مناطق النزاعات والحروب. ولعل تصريح رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي بأن "نحو 90 في المائة من المهاجرين غير القانونيين يأتون إلى إيطاليا عبر الأراضي الليبية" دليل على حجم المشكلة التي صارت تمثل كابوساً لأوروبا.
وبالرغم من قرار الاتحاد الأوروبي الأخير تعزيز إجراءات مواجهة الهجرة غير الشرعية من البحر المتوسط، بما في ذلك إرسال مزيد من السفن والطائرات الى الحدود البحرية الدولية، فإن الكاتب الصحفي من ليبيا غيث شنيب، وفي حوار مع DW عربية، لا يرى بأن ذلك سيحدّ من تدفق اللاجئين، واصفاً القرار بـ"غير المجدي".
وبحسب شنيب، فإن مشكلة أوروبا تتمثل في أنها "تنظر لموضوع اللاجئين عبر الحلقة الأخيرة، إما عبر غرقهم أو وصولهم للأراضي الأوروبية، بينما تبدأ الهجرة في الأساس من الحدود الجنوبية لليبيا"، والتي تعتبر "مفتوحة بالكامل ودون حماية"، ومن خلالها ينتقل المهاجرون إلى ليبيا، التي تحولت إلى "مركز دولي لتجمع اللاجئين" قبل عبورهم إلى أوروبا.
من يهاجرون عبر ليبيا؟
ويؤكد الصحفي الليبي أنه بالرغم من المشاكل الأمنية التي تواجه ليبيا، فإن قلة من الليبيين يلجأون إلى الهجرة لأوروبا، فالليبيون ينزحون من مناطق سكنهم إلى مناطق أخرى أكثر أماناً داخل البلاد أو يلجأون إلى السفر للدول العربية المحيطة. أما غالبية المهاجرين فهم من الأفارقة أو بعض الجنسيات العربية، مثل السوريين والفلسطينيين، الذين حتمت عليهم الظروف الأمنية الفرار من مناطق سكناهم.
وهذا ما يؤكده أيضاً رئيس بعثة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا، سامر حدادين، الذي يرى في حديث لـDW عربية أن معظم الجنسيات التي تحاول اللجوء إلى أوروبا عبر البحر تنحدر في الغالب من أريتريا وجنوب السودان وغينيا وساحل العاج وتشاد وسيراليون، بالإضافة إلى السوريين والفلسطينيين. ويقول حدادين إن "قصر النظر الأوروبي" في مكافحة ظاهرة تهريب البشر عبر البحر ساهم في تفاقمها، ذلك أن "اللاجئين الذين عانوا الأمرّين لأيام طوال" من أجل الوصول إلى ليبيا عبر الصحراء لن تردعهم المغامرة في البحر لعدة ساعات من أجل الوصول إلى الشواطئ الأوروبية، حتى بالرغم من مخاطر الغرق، لأن ذلك يعتبر أهون الشًريًن بالقياس لما لاقوه قبل وصولهم إلى ليبيا. وكانت إحصائية لمنظمة الهجرة قد ذكرت أن حوالي 1500 شخصاً لقوا حتفهم منذ بداية العام الحالي فقط، وأن هذه الخسائر تعد الأكبر خلال الأعوام الأخيرة.
ظروف مأساوية تسبق السفر بحراً
من جهته، يؤكد الصحفي الليبي غيث شنيب أن مناطق انطلاق القوارب المحملة باللاجئين متنوعة، إلا أنها على الأغلب تنطلق من شواطئ الغرب الليبي في "زوارة والمناطق القريبة من طرابلس"، التي تقع تحت سيطرة حكومة طرابلس غير المعترف بها دولياً، لأنها الأقرب إلى جنوب إيطاليا ومالطا. كما أن هنالك بعض عمليات التهريب تجري بشكل أقل من شواطئ بنغازي، الواقعة تحت سيطرة حكومة طبرق المعترف بها دولياً.
وعن مناطق تجمع اللاجئين داخل الأراضي الليبية، يشدد الخبير الأممي حدادين على ضرورة التفريق بين النازحين الليبيين الذين اضطرتهم ظروف الحرب إلى تغيير أماكن سكناهم داخل ليبيا، فهؤلاء في مناطق إيواء بالعشرات تنتشر على مناطق واسعة من التراب الليبي. وتحاول الأمم المتحدة تسجيل أسماء النازحين وإمدادهم بالطعام والخدمات الأولية، إلا أن المهاجرين الذين يرغبون بالهجرة عن طريق البحر لا يقيمون في منطقة واحدة، ولا يتسنى للجميع أن يقيموا في أماكن إيواء. ويضيف سمير حدادين: "يفترش الكثير منهم الأرض ويلتحف السماء. كما تجدهم في الطرقات والأماكن العامة القريبة من أماكن انطلاق القوارب".
خذلان أوروبي للاجئين
لكن الناشط في جمعية "برو آزول" الألمانية المعنية بشؤون طالبي اللجوء، كريم الواسطي، ينتقد في حديث مع DW عربية السياسات الأوروبية "غير الجادة" في استقبال اللاجئين، مضيفاً أن "الأعداد الضئيلة من اللاجئين التي تم استقبالها لا تتناسب مع حجم وإمكانيات دول أوروبا". وتساءل الناشط الاجتماعي حول البدائل التي توفرها الحكومات الأوروبية لاستقبال هؤلاء اللاجئين، لاسيما وأن الإمكانيات الحالية المتاحة أمامهم "معقدة بشكل كبير" وغير ممكن تحقيقها في الوضع الحالي.
ويتابع الواسطي بالقول إن "هذه السياسات دفعت اللاجئين للمخاطرة بركوب قوارب الموت"، مطالباً بتسهيل إجراءات الوصول إلى أوروبا إذا ما أرادت الدول المعنية منع تدفق اللاجئين غير الشرعيين عبر البحر. وكانت اقتراحات قدمها مفوض الحكومة الألمانية لشؤون حقوق الإنسان، كريستوف شتريسر، من أجل منح اللاجئين القادمين من مناطق الحروب "تأشيرة دخول إنسانية"، وذلك في أعقاب كارثة اللجوء الأخيرة التي وقعت في البحر المتوسط وأودت بحياة مئات اللاجئين.
وأكد كريم الواسطي بأن الجهود الأوروبية المبذولة "لا تعتبر كافية"، رغم إقرار الاتحاد الأوروبي بمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية عن طريق تدمير شبكات التهريب، دون إيضاح السياسة المتبعة لتدمير هذه الشبكات. ويخشى الواصلي "أن يصبح اللاجؤون الهدف الرئيسي لهذه القوانين"، معتبراً أن إغلاق أوروبا لحدودها يدفع بهؤلاء اللاجئين إلى أحضان المهربين. لذلك، هناك ضرورة لتسهيل عملية دخول الدول الأوروبية عن طريق بدائل شرعية.
كذلك يؤكد الصحفي الليبي شنيب بأنه طالما بقيت الحدود الليبية مفتوحة، فإن عمليات التهريب ستستمر، والحل يكمن في تعاون بين "السلطات الشرعية" في ليبيا وبين الاتحاد الأوروبي، الذي يفرض حظراً على تسليح الجيش الليبي. وقال شنيب: "كيف يمكن أن نطالب الجيش الليبي وحرس الحدود بحماية الحدود دون أن نعطيه الإمكانيات اللازمة لهذه المهمة، وبدون أن نعطيه سلاحاً يدافع به عن نفسه أمام عصابات التهريب؟"