ليبيا: تقرير أممي آخر يكشف تدخلات خارجية.. فأين يتجه الصراع؟
٢٥ مايو ٢٠٢٠يبتعد المشهد الليبي في ليبيا أكثر فأكثر عن الحل السياسي الذي ينشده الجميع علنا بما في ذلك دول أثبتت تقارير أممية تدخلها بالعتاد والسلاح والمقاتلين. وفي أحدث هذه التقارير، تقرير كشف مهمة سرية تتكون من قوات غربية تابعة لشركات خاصة مسيرة إماراتيا، انتقلت إلى ليبيا من العاصمة الأردنية نهاية يونيو 2019 تحت مسمى "بعثة علمية" كلفها الأردن رسميا بإجراء أبحاث علمية في ليبيا. لكن هذه البعثة ليست سوى مهمة عسكرية أوكلت إليها مهمة عرقلة سفن التموين التركية التي تزود قوات حكومة الوفاق بالمعدات العسكرية.
صدور هذا التقرير يتزامن مع تسجيل قوات الرجل القوي في ليبيا حفتر تراجعا على الأرض وسط حديث عن خسائر كبيرة تكبدتها قواته التي تحاول منذ حوالي عام السيطرة على طرابلس. فما الذي تبقى لدى حفتر وحلفائه الآن؟
قوات حفتر تتراجع رغم الدعم
التقرير الأممي الجديد المتكون من ثمانين صفحة يتحدث عن أن أعضاء المهمة انتقلوا إلى بنغازي من عمان عن طريق طائرات شحن وتم تعريفهم على أنهم علماء، للتغطية على الأنشطة الحقيقية للمهمة. ويضيف التقرير أن التخطيط لإرسال هذه المهمة الداعمة لحفتر تم من قبل شركات مركزها في الإمارات من بينها "لانكاستر 6" و"أوبوس كابيتال أسات"، وهذه الشركات دبرت ست طائرات مروحية من جنوب إفريقيا في يونيو 2019 انتقلت منها إلى بوتسوانا ومن هناك إلى بنغازي، لكن المهمة ألغيت وتحول أعضاءؤها رسميا من "علماء" إلى عمال نفط.
ويأتي هذا التقرير بعد وقت قصير من صدور تقرير آخر لخبراء أممين يراقبون الحظر المفروض على شحن الأسلحة إلى ليبيا* يؤكد وجود مرتزقة من فاغنر الروسية ومقاتلين سوريين جاءوا من سوريا لدعم حفتر. ورغم كل هذا الدعم لم يحقق حفتر تقدما مهما في محاولاته المستميتة للسيطرة على طرابلس، وفي هذا السياق أعلنت مصادر رسمية ليبية أن 1500 مقاتل من فاغنر الروسية ومقاتلين سوريين انسحبوا من محاور القتال في جنوبي العاصمة طرابلس.
ويفسر ادريس عطية أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر عدم تمكن حفتر من حسم معركة طرابلس رغم كل الدعم الذي تتلقاه قواته من عدة حلفاء، بالتعقيدات الكبيرة في الصراع الليبي حيث تدور معارك على أكثر من جبهة وتنتشر أعداد كبيرة من المرتزقة بالإضافة إلى الدعم الخارجي الكبير الذي تحظى به أيضا قوات حكومة الوفاق ما يجعل حسم المعركة أمرا صعبا على أي طرف. لكن الخبير الجزائري يقول في تصريحات لdw عربية إن التوازنات الجديدة في العالم بعد أزمة كورونا قد تغير موازين القوى في ليبيا. ويضيف "أخص هنا بالذكر الولايات المتحدة التي تصارع من أجل الحفاظ على مكانتها الدولية أمام العملاق الصيني وهذه أولوية الآن مقارنة مع القضية الليبية التي ترتبط بتحالفها الاستراتيجي مع حلفاء كفرنسا وبريطانيا، ونفس الشيء بالنسبة للإمارات، لأن المرحلة الجديدة ستدفع بتهميش القضية الليبية بعد أن اتخذت أبعادا دولية مهمة على خلفية مؤتمر برلين الذي يدفع في اتجاه الحل السلمي للصراع".
كل هذا يظهر حسب الخبير الجزائري أن فرضية الحسم العسكري لصالح حفتر في معركة طرابلس أصبحت مستحيلة خاصة أنه يحاول ذلك مرارا وتكرارا منذ أزيد من عام، وهذا ليس بسبب تفوق قوات الوفاق التي عجزت حتى عن تشكيل ذراع عسكري يحميها من هجمات حفتر وإنما بسبب التدخل التركي الوازن لصالح السراج.
هل يغير التقرير الأممي شيئا؟
وقد تحولت ليبيا المنهارة منذ سقوط معمر القذافي في 2011 إلى ساحة قتال شرس بين طرفين رئيسيين تدعم كلا منهما دول إقليمية ودولية*. ومن أبرز هذه الدول الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا المصطفة في صف حفتر في مقابل تركيا وقطر وإيطاليا المساندة لقوات الوفاق التي تحظى باعتراف دولي. ورغم الحظر المفروض على شحن الأسلحة إلى ليبيا والدعوات إلى وقف التدخل الخارجي وكذا إنكار الدول المتدخلة تدخلها في الشأن الليبي إلا أن رقعة المعارك بين كل هؤلاء الفاعلين تزداد حجما ما يصعب الطريق إلى الحل السياسي المنشود.
وبينما رأى مراقبون في انسحاب قوات حفتر لمسافة تتراوح بين كيلومترين وثلاثة كيلومترات من محيط طرابلس ضربة قوية له خاصة أن الانسحاب جاء بعد خسارة مواقع استراتيجية منها قاعدة الوطية الجوية غربي طرابلس. لكن القوات المشير تنفي كل هذه التأويلات وتتحدث عن أن هذا الانسحاب يأتي في إطار عملية لإعادة الإنتشار والتمركز.
وبينما يتبادل حفتر وأنقرة الاتهامات والتحذيرات والوعيد على خلفية التطورات الميدانية الأخيرة، تتحدث تقارير عن أن روسيا ستغير استراتيجيتها في ليبيا بناء على المعطيات الحالية التي تظهر تفوقا تركيا كبيرا، وذلك عن طريق تعزيز أكبر لتواجدها العسكري في ليبيا.
وعن ما إذا كان هذا التقرير الأممي وغيره من تقارير خبراء الأمم المتحدة التي تؤكد تورط دول معينة في إطالة أمد الصراع، قد يضع هذه الدول تحت الضغط وبالتالي يغير شيئا ما في الواقع. يخفف عطية من أهمية هذه التقارير من هذا المنظور، "فالأطراف المتدخلة في ليبيا معروفة وظاهرة للجميع منذ سنوات. من صنعوا حفتر معروفون ومن نقلوا مرتزقة داعش من الشرق الأوسط إلى ليبيا معروفون ثم إن الأمم المتحدة بقي موقفها سلبيا في أغلب القضايا والرهان اليوم يبقى على دول تقف على مسافة من صراع الأشقاء في ليبيا كالجارة الجزائر وألمانيا مثلا".