ليبيا: الفوضى سبب ازدهار تجارة التهريب
٢١ فبراير ٢٠١٦الانتظار الطويل أمام البنوك في طرابلس ينتهي بعراك بين رجال يحملون حقائب ممتلئة بالنقود وموظفين ينتظرون استلام رواتبه، فيما يقف محتالون ينتحلون هيئة رجال أعمال خارج الطابور يتأملون أن يساعدهم أحد العاملين الفاسدين على تحويل أموالهم خارج البلد، بينما تبين وثائق الاتفاقات بأيديهم أنهم يريدون استيراد بضائع من شركائهم في تركيا أو مالطا أو من أي بلد في العالم الثالث، ليزودهم موظف البنك بوثيقة منح قرض تمكنهم من إيداع أموالهم في الخارج، مقابل عمولة 15 في المائة من المبلغ.
لكن العقد المبرم لشراء هذه البضائع مزيف والبضائع لن تصل إلى ليبيا أبداً، ولا يبدو على موظف البنك، الذي طلب عدم ذكر اسمه، اكتراثه بذلك، بحسب ما يقول لـDW: "يمكنك الذهاب إلى ميناء طرابلس ورؤية كم حاوية بضائع تصل فارغة أو محملة بـ20 في المائة فقط من البضائع .. حتى هناك، تعمي الرشوة أعين موظفي الجمارك".
منذ وقوع قطاع النفط في ليبيا ضحية صراعات الأطراف المتناحرة في البلد، انخفض الإنتاج من 1.6 مليون برميل يومياً قبل الحرب التي أنهت حكم القذافي إلى 350 ألف برميل، فيما اتسع نطاق استعمال السيولة المالية، وهذا ما جعل من الفساد مرضاً مزمناً للاقتصاد الليبي.
كما أصبحت السوق السوداء للعملة الصعبة واحدة من أكثر القطاعات الاقتصادية نشاطاً في ليبيا خلال العام الماضي. وتختلس سوق العملة السوداء مبلغاً كبيراً يصل إلى 15 مليون دولار (13.4 مليون يورو)، والتي يضخها البنك المركزي الليبي للبنوك التجارية سنوياً.
اتفاقية البيع هي الخطوة الأولى لبدء العملية، يقوم تجار العملة بعدها بمبادلة الدولار خارج البلد ويرسلونه نقداً إلى داخل ليبيا، ليتم بيعه في السوق السوداء مقابل 4 دنانير ليبية للدولار الواحد، في حين يبلغ سعر الصرف الرسمي، الثابت منذ سنة 2011، 1.4 دولاراً للدينار.
ويقول أحد المهندسين الليبيين في حديث مع DWإنه "يريد الذهاب إلى أوروبا لحضور مؤتمر هناك ويريد تبديل العملة في مركز المدينة لشراء الدولار، لأنه لم يجد أي بنك يوافق على منحه بطاقة ائتمان بنكية"، وذلك لأن موظفي البنك المرتشين يرفضون التعامل مع أي طلب لفتح حساب أو استصدار بطاقة ائتمان إلا مقابل دفع 15 في المائة عمولة لكل عملية. ويشير المهندس الليبي إلى أنه "في تركيا، تجد ليبيين يحملون أكثر من 20 بطاقة بنكية ويذهبون هناك فقط لسحب الدولار وجلبه نقداً لبيعه في ليبيا".
من جانبه، خفض البنك المركزي الليبي قيمة التعاملات بالدولار مع البنوك التجارية من 15 مليون إلى تسعة ملايين دولار في العام الماضي، وحدد المبلغ المتوفر في بطاقات الائتمان البنكية بخمسة آلاف دولار فقط لكل شخص.
الدعم الحكومي يستفاد منه المحتالون
قبل اندلاع الثورة في ليبيا، قررت الحكومة الليبية زيادة الدعم الحكومي للغذاء والطاقة لتقليل تكاليف الحياة. وبعد الثورة، ما زالت المؤسسات الحكومية تتلقى 18 مليون دولار سنوياً من الدعم الحكومي. وفي هذه الأثناء، أصبحت الشاحنات تحمل البضائع المدعومة حكومياً، مثل الدقيق والزيت والسكر، لتبيعها في تونس والجزائر. ولكن تبقى عملية تهريب النفط واحدة من أكثر طرق التهريب ربحاً في الفوضى الليبية الحالية. عن ذلك، يقول أحد مهربي النفط في حوار مع DW: "لا توجد أية قوة تتحكم في هذه السوق ويمكن لأي شخص دخول هذا المجال".
يأتي النفط من محطات التصفية في طرابلس والزاوية غرب ليبيا، ومن الحريقة وطبرق في الشرق. ويبلغ سعر لتر الوقود المدعوم حكوميا 10 سنت. وحسب القانون، يمكن لأصحاب محطات الوقود بيع عشرة آلاف لتر يومياً من الديزل و30 ألف لتر من البنزين، إلا أنهم غالباً ما يتخطون هذه الأرقام. ويوضح مهرب الوقود قائلاً: "البعض يتقدمون للحصول على ترخيص لافتتاح محطة وقود فقط من أجل بيع الوقود في السوق السوداء".
كما يميل سائق السيارة الاعتيادي إلى الحصول على ما يقرب من 1200 لتر، ويتنقل من أجل ذلك بين محطة وأخرى، ويحاول تخبئة النفط في عدد من الخزانات السرية بالسيارة.
يتم تهريب الوقود عبر الطرق البرية ويكلف 50 سنتاً للتر الواحد. وعندما يصل الوقود إلى تونس أو الجزائر يتضاعف سعره. كما أن "بعض محطات الوقود أقفلت أمام الزبائن لأن أصحابها يفضلون بيع كل الوقود للمهربين الذين يضمنون لهم أسعاراً أفضل من التي يدفعها المستهلك"، بحسب المهرب.
عملية مربحة للجميع عدى الدولة
يعد أصحاب السفن الكبيرة من اللاعبين المهمين في تهريب الوقود والنفط عبر البحر الأبيض المتوسط. وهم مستعدون لتزويد السفن في البحر بالوقود والماء والغذاء وغيرها من البضائع. الملاحة البحرية الليبية تزود الشركات بصورة قانونية بالوقود في المرافئ الليبية، لكنهم يلتفون على القانون ويبيعون كميات أكبر من الوقود من تلك المسموح بها قانونياً. ويقول مهرب الوقود: "بعض السفن تتزود بـ300 ألف لتر من الوقود، وغيرها حتى بثلاثة ملايين لتر". وحتى في السوق السوداء، انخفض سعر بيع الوقود من 70 سنت للتر في عام 2012 مع بداية عمليات تهريب النفط إلى 20 سنت حالياً. لكن عملية التهريب "تبقى تجارة مربحة للجميع، إذا افترضنا أن مهربي الوقود يمكن أن يبيعونه في عرض البحر بسعر 40 سنتاً للتر الواحد، وهو ما يضمن لهم ربحاً يقدر بين 150 و250 ألف دولار للرحلة الواحدة"، كما يوضح المهرب.
الناتج المحلي من مصافي النفط الليبية لا يغطي سوى 30 في المائة من إجمالي استخدام الوقود في البلد. لذلك، تستورد ليبيا 70 في المائة من الخارج. وتستهلك ليبيا سنويا ستة ملايين دولار في عملية دعم الوقود الحكومية، "30 في المائة منها تنتهي في السوق السوداء"، بحسب مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، وهي المؤسسة التي بقيت على الحياد في الصراع بين الأطراف المتنافسة في ليبيا.
الأصول المالية للنفط في شرق ليبيا في خطر
أما في شرق ليبيا الفيدرالي، فتتحكم مليشيات يقودها إبراهيم الجضران بالعملية. هذه الميليشيات لا تهرب الوقود فقط، وإنما النفط الخام أيضاً. ففي سنة 2014، صادرت قوات أمريكية سفينة شحن من كوريا الشمالية تدعى "مورنينغ غلوري" كانت متوجهة لنقل النفط من شرق ليبيا. واتهم صنع الله إبراهيم الجضران بخسارة 14 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية.
ومن وجهة النظر المالية، لا يوجد هناك أي فرق بين انقطاع إمدادات النفط بسبب حصار تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والحظر على تصدير النفط الليبي من قبل الفيدراليين في سنة 2013، بحسب صنع الله.
هذا وقد انخفض الدخل الإجمالي للحكومة الليبية من 31.5 مليار دولار في سنة 2014 إلى 13.3 مليار دولار في سنة 2015، وهو ما سبب عجزاً يبلغ 22 مليار دولار، الأمر الذي مهد الطريق للفساد المحتمل في الدولة النفطية الغنية.
ويقول مصطفى صنع الله: "مقاتلو أبو بكر البغدادي لا يحاولون السيطرة على المناطق النفطية، لكنهم يريدون ألا تتخطى الحكومة الليبية في المستقبل هذه الأزمة".