لما يهدف التحرك التركي؟ - التصدي لداعش أم للقوات الكردية؟
٢٩ سبتمبر ٢٠١٤أخيرا اتخذت تركيا موقفا واضحا من الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية". ويبدو ذلك جليا بعد تحفظها سابقا على الانضمام إلى التحالف العسكري ضد "داعش" بسبب خوفها على حياة 46 رهينة تركية كانت في حوزة التنظيم الإرهابي. الآن وبعد تحرير الرهائن، تمركزت دبابات تركية في مواقع قريبة من بلدة كوباني الحدودية الكردية، في حين تتواصل الاشتباكات بين التنظيم الإرهابي والمقاتلين الأكراد.
وبينما يعتبر البعض الموقف التركي الجديد عبارة عن إعلان أنقرة مشاركتها في التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة "داعش"، يصف آخرون القرار بأنه يشكل موقفا من أنقرة لأخذ زمام المبادرة والتدخل على أرض الواقع بهدف الحفاظ على مصالحها في المنطقة، خاصة مع استمرار تسليح الغرب لأكراد العراق.
تحرير الرهائن يحفز تركيا
وتعتزم الحكومة التركية تقديم مشروع قرار أمام البرلمان يجيز استخدام القوة في سوريا ويتيح لتركيا الانضمام إلى التحالف الذي تشكل لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية". وكانت تركيا قد اشترطت ضمانات مقابل انضمامها للتحالف مطالبة بأن لا تخدم العمليات التي يشنها التحالف بقيادة الولايات المتحدة مصالح نظام الأسد. كما دعا الرئيس التركي مجددا الى اقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر طيران داخل سوريا لحماية الحدود التركية واللاجئين. واشار الى احتمال ان يتطلب الامر استخدام قوات على الارض.
ويعزو حسن أبو هنية الخبير في قضايا الإرهاب تحرك تركيا في هذا التوقيت إلى تراجع الضغوطات التي كانت مفروضة عليها وتحديدا بشأن ملف الرهائن الأتراك الذين اختطفهم تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق في حزيران/ يونيو الماضي. ويضيف الخبير السياسي في حوار مع DW /عربية أن "تركيا لطالما دعت إلى خلق منطقة عازلة وهذا ليس جديدا، المستجد هو تحرير رهائنها والتطورات الأخيرة، وتحديدا اقتراب مقاتلي داعش من الحدود التركية. فالسبب الرئيسي لهذه التحركات باعتقاد الخبير هو" حرص تركيا على حماية حدودها وأمنها القومي". ونفس الرأي يشاطره كفاح محمود، مستشار مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق، إذ يرى أن تأخر تركيا في التدخل حتى الآن كان بسبب موضوع الرهائن الأتراك لدى داعش. ويضيف في حديث مع DW /عربية: "أعتقد أن الإدراة التركية شعرت بجدية التحالف الدولي ضد داعش وجاء إطلاق سراح الرهائن أيضا ليشجعها على الانضمام إليه".
مخاوف من الأكراد
لا ينفي أبو هنية أن تكون لدى تركيا فكرة "استثمار موضوع داعش للحد من نفوذ حزب العمال الكردستاني" الذي تصنفه تركيا على أنه تنظيم إرهابي. وتخشى تركيا، حسب المراقبين، من أن يؤدي تسليح القوات الكردية من طرف الغرب إلى تقوية شوكة حزب العمال الكردستاني الذي تجري معه أنقرة مفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق سلام ، ينهي 30 سنة من التمرد والمواجهات الدموية.
ويضيف الخبير أبو هنية أن "الملف الكردي موضوع حساس داخل تركيا، وأن أنقرة تخشى أن يعتمد الغرب على القوات الكردية في محاربة داعش. وكأنما تريد أنقرة أن تقول من خلال هذا التحرك: " يمكنني التدخل، لاداعي لتدريب قوات كردية". لكن المستشار الكردي محمود يعتبر مثل هذه المخاوف "مبالغا فيها" ويقول "المباحثات بين حزب العمال الكردي والإدارة التركية أدت إلى اتفاق وقف إطلاق النار داخل تركيا. وتنظيم "الدولة الإسلامية" قد يساهم في توحيد الجهود بين الطرفين بشكل أكبر". مشيرا إلى أن "تسليح القوات الكردية تم من طرف دول صديقة لتركيا، بالإضافة إلى أن تسليح البيشمركة جاء بموافقة بغداد وبالتالي فلا خطر على تركيا من هذا الأمر".
ويضيف المسؤول الكردي أن هناك انقسامات وصراعات داخل الإدارة التركية فيما يتعلق بالتعامل مع الأكراد، وهذه التخوفات تعكس الضغوط التي تمارسها التيارات السياسية المتشددة في تركيا على المنفتحين وعلى رأسهم أردوغان فيما يخص ملف الأكراد. ويضيف محمود "إن التنسيق الدقيق بين الإدارة التركية وإقليم كردستان خير دليل على أنه لا صحة لهذه التخوفات".
تخوفات من التصعيد
وعن التخوفات من أن يؤدي التدخل التركي إلى تصعيد أكبر في المنطقة التي تعيش اشتباكات عنيفة حاليا، يقول الخبير أبو هنية "أعتقد أن تركيا تحاول الآن احتواء الأمور فقط. لا أعتقد أنها ستتورط في عمليات محاولة القضاء على تنظيم "داعش" لأن ذلك سيكلفها الكثير. أعتقد أنها مجرد محاولة منها لحصر نشاط التنظيم، بعيدا عن حدودها خاصة مع وجود مقاتلين أتراك في صفوفه، وأنقرة تعي أيضا أن للتنظيم طموحات في التوسع أكثر في المنطقة".
ويرى المستشار محمود أيضا أن اهتمام تركيا الآن ينصب على التصدي لخطر "داعش" أكثر من أي شيء آخر ويقول:"أعتقد أن خطر هذا التنظيم قرب وجهات النظر بين كل الأطراف حتى بين دول لديها خلافات كبيرة مثل إيران والولايات المتحدة الأمريكية". ويضيف أن "تركيا تتمتع بعلاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي، وتطمح للانضمام إليه، كما إنها تحاول من خلال تحركاتها الأخيرة إثبات موقفها الرافض للإرهاب وأنها مؤهلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".