لقاء السيسي وأردوغان.. أي تأثير على ملفات إقليمية ساخنة؟
١٥ فبراير ٢٠٢٤زيارة تاريخية قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر، عدها البعض تتويجاً لمسار تطبيع العلاقات بين البلدين والذي بدأ في عام 2022. وهذه هي أول زيارة رسمية على مستوى الرؤساء منذ 11 عاماً، إذ كانت آخر زيارة إلى مصر على هذا المستوى تلك التي أجراها الرئيس السابق عبد الله غول في فبراير/شباط عام 2013، فيما كانت آخر زيارة لأردوغان عندما كان رئيساً للوزراء في نوفمبر من عام 2012.
خطوات متسارعة لتحسين العلاقات
في عام 2023 رفعت الخارجية المصرية والتركية التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى السفراء لإعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد انقطاعها منذ عام 2013. ومع رفع مستوى التعاون الدبلوماسي تم وقف الحملات العدائية وكبح نشاط جماعة الإخوان المسلمين على الأراضي التركية، وهو الأمر الذي مهد لبدء مشاورات بين الجانبين تبعها لقاء وزيري الخارجية انتهاء بتطبيع العلاقات لتتغلب المصالح في النهاية على الخلافات التي استمرت لعقد من الزمن.
ووقع السيسي وأردوغان عدداً من اتفاقيات التعاون المشتركة بين البلدين في قصر الاتحادية، كما وقعا على الإعلان المشترك حول إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين مصر وتركيا.
وتعهد أردوغان بزيادة التبادل التجاري مع مصر إلى 15 مليار دولار في الأمد القصير. وقال إن البلدين يقيّمان التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والسياحة، فيما قال السيسي إنه من المهم "إبراز استمرار التواصل الشعبي خلال السنوات العشر الماضية، كما شهدت العلاقات التجارية والاستثمارية نمواً مضطرداً خلال تلك الفترة".
وتمر مصر بأزمة اقتصادية ربما تكون الأعنف خلال عقود وبالتالي فإن التعاون الاقتصادي وجذب الاستثمارات التركية يعد واحداً من أهم المسائل التي ستسعى إليها مصر، أكبر شريك تجاري لأنقرة في أفريقيا.
حرب غزة في صلب المحادثات
الرئيس التركي من جهته أكد أن بلاده مستعدة للتعاون مع مصر في إعادة إعمار غزة، وذكر أن الوضع في القطاع تصدر جدول أعمال محادثاته مع السيسي. وأوضح أن تركيا عازمة على تكثيف المحادثات مع مصر على جميع المستويات من أجل إحلال السلام والاستقرار في المنطقة. بدوره قال السيسي: "إن مصر وتركيا أكدتا على أهمية زيادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وأهمية وقف إطلاق النار فيه".
ويرى ريكاردو فابياني الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية أن مصر تبحث حالياً عن شريك يمكنه الضغط بشكل ما على إسرائيل نظراً للقلق المصري من الوضع في منطقة رفح الحدودية. وأضاف في اتصال هاتفي مع DW عربية أنه يعتقد بأن "تركيا قد لا تكون الطرف الأكثر تأثيراً في هذا الملف لكنها فاعل مهم يمكنه لعب أدوار مختلفة في المنطقة".
وأضاف إن مصر تحاول ألا تبدو معزولة عن القرارات التي تتخذ في هذا الإطار وتريد بتوسيع تعاونها مع تركيا "إرسال رسالة للجميع وخصوصاً إسرائيل، بأن انتهاك الخط الأحمر المصري بشأن رفح لا يمثل مشكلة لمصر فقط، وبالتالي فإن تكلفة العملية العسكرية التي توشك إسرائيل على القيام بها ستكون بالضرورة باهظة للغاية".
بدوره قال الدكتور جمال عبد الجواد استاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية بالقاهرة ومستشار مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية إنه "يمكن النظر للمصالحة على أنها إعادة لرص الصفوف، وتمتين ما يمكن تسميته "بمعسكر الاعتدال الشرق أوسطي" الذي يشمل بالاضافة لتركيا ومصر بلدان عربية مثل الإمارات والأردن، خاصة مع تحسن العلاقات بين كل هذه الدول عقب فترة من التوتر".
وأضاف في حوار مع DW عربية أن "تحالف الدول المعتدلة" يمكنه أن يلعب دوراً رئيسياً في تحريك ملف النزاع في غزة لحل هذه القضية في مواجهة قوى لا تريد لهذا الملف أن يتم حله أو إغلاقه كونها تسعى لتوظيفه من أجل تعزيز نفوذها في الإقليم، "والمشهد الذي رأيناه خلال الأسابيع الأخيرة من استعراض للقوة في العراق، وفي جنوب البحر الأحمر، وعلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية لم يغب عن ملاحظة وإثارة قلق كل قوى الاعتدال في المنطقة، وكان واضحاً أن هناك من يستخدم هذا الوضع لتعزيز هيمنة يتم ممارستها على الشرق الأوسط".
في هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو من أنقرة أن تركيا ستقف حلف مصر في موقفها من الأزمة في رفح "لأن القضية تتصل بشكل مباشر بالأمن القومي المصري".
وأضاف في حواره مع DW عربية أن "تركيا ستحاول تقديم الدعم الكامل لمصر، لأن ضرورات الأمن القومي والتعاون المشترك تقتضي ذلك، كما ستلعب دوراً في تقوية الضغط المصري على إسرائيل، واعتقد أن كلا البلدين سيضغط على الولايات المتحدة التي بدورها يمكنها الضغط على إسرائيل لوقف اطلاق النار".
الملف الليبي .. ومسيرات بيرقدار
يعد الملف الليبي واحداً من الملفات الحساسة التي فاقمت التوتر بين البلدين على مدى السنوات القليلة الماضية. فمع تصاعد الصراع بين الفرقاء في ليبيا، دعمت مصر والإمارات جبهة الشرق وبنغازي فيما دعمت تركيا سياسياً وعسكرياً حكومة طرابلس في الغرب. كما يوجد لتركيا تواجد عسكري في قاعدة الوطية وهو ما يزعج مصر بشدة التي تعتبر ليبيا فنائها الخلفي، ولذلك كررت مصر عدة مرات مطالبتها بإخراج القوات الاجنبية والمرتزقة من ليبيا وإجراء انتخابات في البلاد.
بدورها، تحاول تركيا إقناع مصر أن تواجدها العسكري في ليبيا لا يستهدفها وإنما هي محاولة لزيادة قوة ما تملكه تركيا من أوراق خلال التفاوض في أزمة شرق المتوسط وخصوصاً ضد اليونان وقبرص. لذا يرى الخبراء أن تركيا عرضت بيع المسيرات القتالية التركية المتقدمة من نوع بيرقدار للجيش المصري كإثبات لحسن النوايا وعدم تعمد أي ضرر بمصر وبمصالحها، كما اعتبرت كوسيلة لتحسين العلاقات العسكرية بين البلدين بعد أن تبادلتا تعيين سفيرين العام الماضي.
وتطمح تركيا في المقابل للانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط وترسيم الحدود البحرية بما يحفظ لها نصيباً مؤثراً في اكتشافات الغاز في المنطقة، وترى أن مصر لها دور شديد الأهمية في هذا الملف لما تتمتع به من علاقات قوية مع دول البحر المتوسط وخصوصاً اليونان وقبرص.
ويرى الدكتور جمال عبد الجواد أن الملف الليبي يحظى بأهمية بالغة لدى مصر وتركيا خاصة وأنه قد تم قطع شوط طويل في التوصل لتوافقات بشأنه بين البلدين. وأشار إلى اتفاق القاهرة وأنقرة على ضرورة إجراء انتخابات وتوحيد القوات المسلحة، "وهذا ما يعكس اعتراف البلدين بأن كلاهما له مصالح في هذا البلد وإنه يمكن حماية وتحقيق هذه المصالح بطريقة لا تتعارض مع مصالح الطرف الآخر، ولا مصالح الشعب الليبي".
أضاف أنه "بدلاً من إدارة الصراع في ليبيا بطريقة المعادلة الصفرية يمكن أن يكون الجميع رابحين، الرابح الأول بالتأكيد سيكون الشعب الليبي نفسه، وان هذا التوافق المصري التركي سيدفع الأطراف الليبية لأن تقطع الخطوات الباقية في اتجاه المصالحة النهائية".
أما الكاتب والمحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو فيرى أن "الملف الليبي حالياً متجمد وهذا دليل على أن مصر وتركيا اتفقتا على ألا يضر أحدهما بمصالح الآخر، واعتقد أنه من الآن سيعمل الطرفان على وضع خارطة الطريق لإجراء الانتخابات أولاً ولتوحيد المؤسسة العسكرية بين الغرب والشرق ثانياً".
وأضاف أوغلو بأن "مصر وتركيا ستعملان للوصول إلى موقف يربح فيه الطرفان، وطبعاً هذا يحتاج إلى وقت، لكن لا ننسى أيضا أن هناك دور للمتخاصمين الليبيين في تحقيق هذا الهدف، وأظن أنه سيكون هناك ضغط من كلا البلدين على الأطراف الداخلية الليبية لإيجاد خارطة طريق مقبولة".