لماذا تعجز أمريكا عن حل أزمة الطاقة في أوروبا؟
٥ أغسطس ٢٠٢٢في ضوء خطط أوروبا لتقليل أو إنهاء الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية ردا على الغزو الروسي لأوكرانيا، ارتفعت حاجة القارة الأوروبية إلى الغاز الطبيعي المسال إلى مستويات غير مسبوقة.
وإزاء ذلك، تنظر القارة الأوروبية إلى الولايات المتحدة لسد احتياجاتها، إذ أن أمريكا تعد في الوقت الحالي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، بيد أن الأزمات السياسية والاقتصادية والتقنية تمنع أمريكا من إنقاذ أوروبا رغم ازدهار صناعة الغاز المسال.
في المقابل، تؤكد المنظمات المدافعة عن البيئة أن الطفرة التصديرية للغاز الطبيعي المسال تعتبر طريقة مدمرة للتعامل مع أزمة الطاقة خاصة في ظل وجود طرق أخرى لضمان تحقيق أهداف حماية المناخ على مستوى العالم خاصة الحياد الكربوني.
وفي ذلك، قال روبن شنايدر، المدير التنفيذي لمجموعة "حملة تكساس من أجل البيئة"، إن هذا المسار "يعد محفوفا بالخطر لتحقيق تقدم في سد احتياجاتنا من الطاقة وحماية مناخنا".
أزمة طاقة في أوروبا
ومنذ القرارات الأوروبية بتقليل أو إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي بالإضافة إلى قيام موسكو في المقابل بتقليل تدفقات الغاز إلى أوروبا، فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بشكل على نحو غير مسبوق.
وعلى إثر انخفاض شحنات الغاز الروسي عبر خط أنابيب " نورد ستريم 1" إلى نحو 20% من طاقته، شهدت أسعار الغاز في أوروبا ارتفاعا قياسيا بنسبة 25 بالمائة.
وفي مايو /أيار الماضي، أعلنت روسيا ردا على العقوبات الأوروبية وقف إمدادات الغاز عبر خط أنابيب "يامال" الذي ينقل الغاز الروسي من شبه جزيرة يامال في سيبيريا إلى أوروبا.
وفي ضوء ذلك، تسعى الدول الأوروبية بإصرار إلى تخزين ما يكفيها من الغاز مع اقتراب فصل الشتاء وسط تزايد المخاوف بشأن كميات مخزون الغاز التي ستلبي احتياجات المنازل والشركات الأوروبية، ا يعني أن أزمة الطاقة سوف تلقي بظلالها على الصناعة ما ينذر بركود اقتصادي.
الجدير بالذكر أن القارة الأوروبية تعتمد على الغاز الطبيعي في تدفئة المنازل وأيضا كمصدر هام لتوليد الكهرباء خاصة لتشغيل المصانع.
وعلى وقع ذلك، عمدت العديد من الدول الأوروبية إلى اتخاذ العديد من المبادرات لمساعدة الأسر والشركات؛ بداية دعم وإنقاذ قطاع الغاز في ألمانيا وحتى تأميم شركة الكهرباء الوطنية الفرنسية (EDF) المدعومة من الدولة.
إلى أي حد تستطيع أمريكا إنقاذ أوروبا؟
وفي محاولة لتلبية احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي، قامت الولايات المتحدة بتعزيز مكانتها في سوق الطاقة خاصة وأنها تعد أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم خلال النصف الأول من العام الجاري، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وأفادت الإدارة بارتفاع متوسط صادرات الولايات المتحدة على أساس يومي بنسبة 12٪ لتصل إلى 11.2 مليار قدم مكعب في الأشهر الستة الماضية.
وقد حصلت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على قرابة 71 ٪ من صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال ليصبحا بذلك أكبر مستورد للغاز الطبيعي الأمريكي المسال الأمريكي، ويتخطيان آسيا.
الجدير بالذكر أن دولا فقيرة مثل البرازيل أو بنغلاديش لم تتمكن من منافسة أوروبا على شراء الغاز بأسعار الشحن الحالية ما دفع بعض المصدرين إلى إنهاء العقود التي كانت مبرمة مع هذه الدول لصالح إعادة إرسال شحنات الغاز إلى القارة الأوروبية وتحقيق أرباح كبيرة رغم الغرامات التي فُرضت جراء عدم الوفاء بتلك التعاقدات.
وفي مقابلة مع DW، قال يوجين كيم، مدير الأبحاث في شركة (Wood Mackenzie) لأبحاث الطاقة والاستشارات، إن الولايات المتحدة برزت "كواحدة من أكثر موردي الغاز الطبيعي المسال أمانا. وتعد قطر وأمريكا الشمالية منطقتي النمو الوحيدتين في المستقبل فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعي المسال".
لكن قضايا القدرة التشغيلية تحد من قدرة أمريكا على لعب دور البطل في نجدة أوروبا وسد احتياجاتها من الغاز. في مارس / آذار الماضي، وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بتصدير المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، فيما وصلت هذه الصناعة إلى أقصى إمكانياتها.
وفي ضوء اعتماد أوروبا على الغاز الروسي لسنوات طويلة، تعاني معظم بلدان القارة من عدم وجود بنية تحتية كافية لمعالجة وإسالة الغاز الأمريكي، فيما يتوقع أن تنخفض صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير على المدى القصير في أعقاب انفجار في مصنع فريبورت لتصدير الغاز المسال في تكساس في يونيو / حزيران الماضي.
وحتى قبل الانفجار، لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لتزويد أوروبا بالغاز، وفقا لما أفاد به كيم، وقال "قبل انفجار فريبورت، وصل الغاز الطبيعي الأمريكي المسال إلى الحد الأقصى من سعته عند 12 مليار قدم مكعب في اليوم. ولا يوجد مشروع جديد يمكن أن يزيد صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير حتى بدء الموجة التالية من المشاريع".
وبعيدا عن هذه القضية، فإن المستهلكين والمصانع الأمريكية تواجه تحديا في مقاومة ارتفاع الأسعار الناجم عن زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال في البلاد.
وفي مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، قال رئيس مجموعة "مستهلكي الطاقة الصناعية في أمريكا"، إن "المستهلك والاقتصاد والأمن القومي في الولايات المتحدة أضحوا في خطر، إذا لم يُجرى الحفاظ على فائض المخزون".
وفي هذا السياق، ذكرت وكالة معلومات الطاقة الأمريكية أن المخزونات الأمريكية انخفضت بنسبة 12٪ من المتوسط الذي كان تبلغه في ذات التوقيت خلال الخمس سنوات الماضية.
قضايا المناخ
تزامن هذا مع تعرض قطاع الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة لانتقادات من المنظمات المدافعة عن البيئةسواء داخل البلاد أو خارجها، إذ تؤكد أن التوسع في البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال الذي يعد ضروريا لزيادة الصادرات سيضر بالأهداف المناخية خاصة الحد من انبعاثات الوقود الأحفوري والوصول إلى الحياد الكربوني.
وفي هذا السياق، قال روبن شنايدر، المدير التنفيذي لمجموعة "حملة تكساس من أجل البيئة"، إن مصدر القلق البالغ يتمثل في إمكانية أن "تستخدم شركات تصدير الغاز الطبيعي المسال أزمة الطاقة في أوروبا كذريعة لتشييد محطات جديدة للتصدير".
وفقا للمجموعات المدافعة عن المناخ، فإن الغاز الطبيعي المسال يعد مسؤولا عن ثلث انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة بما في ذلك نصف انبعاثاتها من غاز الميثان الذي يعتبر أحد غازات الدفيئة القوية التي تنبعث من آبار التكسير الهيدروليكي، ما يساهم في زيادة معدل الانبعاثات العالية، فيما أظهرت الأبحاث أن عمليات استخراج الغاز الطبيعي ومعالجته قد تكون خطيرة وملوثة للبيئة.
يشار إلى أن عملية التكسير الهيدروليكي تتمثل في ضخ كميات هائلة من السوائل والمواد الكيماوية في التكوينات الصخرية تحت ضغط عال لإحداث شقوق لتسهيل عمليات التنقيب عن النفط والغاز. وتعرضت هذه التقنية لانتقادات كثيرة حيث من الممكن أن تتسرب المواد المستخدمة في هذه التقنية إلى المياه الجوفية ما يؤدي إلى تلوثها.
ورغم حظر الاتحاد الاوروبي لهذه التقنية، إلا أن التكتل أبدى ترحيبه باستيراد الغاز من الولايات المتحدة التي لم تحظرها.
وساهم التكسير الهيدروليكي في إحداث ثورة نفطيةفي الولايات المتحدة فيما اشارت دراسة صدرت عام 2019 إلى أن إنتاج الغاز الصخري في أمريكا الشمالية قد يكون مسؤولا عن أكثر من نصف كافة الانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري على مستوى العالم خلال العقد الماضي.
بالإضافة إلى انبعاثات الميثان، فإن تقنية التكسير الهيدروليكي قد تؤدي إلى إطلاق مواد كيميائية سرطانية وغيرها من المواد الكيميائية الضارة في البيئة إلى المناطق القريبة من آبار التكسير التي ربما تكون غير مستعدة لمثل هذه الأمور.
كذلك، فإن عمليات إسالة الغاز تنطوي على مخاطر اندلاع حرائق وانفجارات مثل الانفجار الذي حدث في منشأة فريبورت للغاز الطبيعي المسال في ولاية تكساس.
وقد دق شنايدر ناقوس الخطر إزاء ذلك، قائلا إن "انفجار فريبورت يعد مثالا يؤكد على خطورة هذه الصناعة. إننا خائفون من الأمر خاصة أنه قد يحدث الأسوأ".
ورغم المخاوف البيئية، فقد أقرت المفوضية الأوروبية قائمة معايير لتصنيف الاستثمارات في الغاز والطاقة النووية لتوليد الكهرباء باعتبارها "مستدامة" وهو الأمر الذي كان في السابق حكرا على الطاقة المتجددة.
وقال كيم إن هذا الأمر يشير إلى حدوث تحول في أولويات الطاقة في أوروبا، مضيفا "كانت قضايا تحول الطاقة تحظى بأهمية كبيرة، لكن الآن حل محلها قضايا أمن الطاقة، بمعنى بات الحديث حاليا يسير على هذا النحو: لنحقق أمن الطاقة أولا، ثم نتعامل مع تحول الطاقة".
في المقابل، يؤكد شنايدر أن أوروبا ليست حبيسة ضرورة اللجوء إلى الغاز المسال الأمريكي لمعالجة أزمة الطاقة، إذ يمكن أن تبحث عن سبل نظيفة لتحقيق أمن الطاقة من خلال الاستثمار بشكل أكبر في مجالات الطاقة المتجددة .
وشدد على أن المحطات الجديدة لتصدير الغاز الأمريكي المسال لن تساعد في حل أزمة الطاقة في أوروبا لثلاث سنوات أخريات، مضيفا" يتعين على أوروبا استغلال هذه الأزمة للانتقال إلى أشكال أخرى من الوقود الأكثر استدامة".
تيدي أوسترو / م ع