أزمة الطاقة تدفع أوروبا لتعديل التصنيفات الرفيقة بالبيئة
٩ يوليو ٢٠٢٢صادق البرلمان الأوروبي (السادس من يوليو/ تموز 2022) على قرار يصنف الاستثمارات في قطاعات الغاز والطاقة النووية على أنها طاقة خضراء مستدامة، وذلك في إطار التصنيف الخاص بالاتحاد الأوروبي للتمويل العمومي للمشاريع الخضراء. القرار جاء في سياق توجيه استثمارات التكتل القاري لتحقيق أهدافه المناخية في أفق عام 2050، المتمثل في القضاء على انبعاثات الغازات الدفيئة. وفشلت محاولة كبيرة لعرقلة المقترح في حشد 353 صوتا التي كانت لازمة للاعتراض على مشروع القانون، حيث صوت 328 مشرعا فقط ضد المقترح. مشروع القانون تعرض لانتقادات حادة من قبل منظمات حماية البيئة وبعض المشرعين في الاتحاد الأوروبي بسبب ما أسمته بـ "الغسيل الأخضر" لاستثمارات الطاقة الأحفورية والنووية منذ أن اقترحته المفوضية الأوروبية أواخر العام الماضي، معتبرة أن في ذلك تضليل واحتيال تجاه المستهلكين الأوروبيين حول الممارسات البيئية للشركات أو الفوائد البيئية لمنتج أو خدمة ما.
ويخشى بعض المعارضين من هذا التحول في السياسية الأوروبية من زيادة اعتماد التكتل على واردات الطاقة الروسية. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "راينيشه تسايتونغ" الألمانية الصادرة في كوبلنس (السادس من يوليو/ تموز 2022) معتبرة أن القرار الأوروبي لا يعني بالضرورة "التزامًا سياسيًا بالاعتماد على مزيد من الطاقة النووية أو الغازية في أزمة المناخ ولا إعادة توجيه الاستثمارات العمومية إلى عصر الطاقة النووية أو الأحفورية. حصول القرار على أغلبية واضحة في البرلمان الأوروبي، الذي كان يدعو بالإجماع تقريبًا إلى الخروج الفوري من الغاز الروسي، له علاقة أيضًا بتوتر أعضاء البرلمان. لقد تعرضوا للتو لضغط هائل من قبل الجماعات البيئية ضد التصنيف، غير أنهم يتوقعون في الوقت نفسه ضغطا اجتماعيا أكبر من عامة الناس في الخريف المقبل". ومن المتوقع سريان الإجراءات الجديدة بداية من عام 2023 ما لم تعترض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عليها خلال الأسابيع المقبلة. وأعلنت ألمانيا بالفعل معارضتها للمقترح، فيما قالت النمسا ولوكسمبورج إنهما سترفعان دعوى ضد القانون الجديد أمام محكمة العدل الأوروبية.
حجج مؤيدي ومعارضي التصنيف الجديد
يرى مؤيدو القرار الجديد أن رفض تصنيف الغاز والطاقة النووية على أنهما "مستدامان" سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعار الطاقة ما سيعرقل بالتالي جهود التخلي عن الفحم المضر بالبيئة بشكل أكبر. مجموعة من النواب الأوروبيين المحافظين ذكروا في بيان أن "الطاقة النووية، على سبيل المثال، يمكن أن توفر إمدادات طاقة مستقرة وبأسعار معقولة وتقلل الانبعاثات بسرعة إذا تم منحها وصولا كافيا إلى رأس المال اللازم". غير أن للمعارضين وجهة نظر مخالفة، وبهذا الصدد ذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن ناشطة البيئة غريتا تونبرغ ، انتقدت الخطوة الأوروبية في تغريدة لها، معتبرة أنه "سيؤدي إلى تأخير الانتقال المستدام الحقيقي الذي توجد حاجة ماسة إليه (..) النفاق صارخ، لكنه للأسف ليس مفاجئا". أما مفوضية الاتحاد الأوروبي، فترى أن هذا القرار سيكون مؤقتا لأنه ضروري لاجتياز مرحلة انتقالية، معتبرة أن الغاز طاقة أحفورية تحتاجه الكثير من دول الاتحاد لقيادة وتدبير مشاريع انتقالها الطاقي.
صحيفة "شتوتغارته تسايتونغ" (السادس من يوليو) كتبت معلقة "إنه طالما تعذر استبدال الكهرباء التي تنتجها محطات الطاقة النووية بطريقة صديقة للمناخ، إن إغلاقها سيكون له تأثير سلبي على المناخ. والأمر ينسحب على ألمانيا على وجه التحديد، حيث يتم إنتاج نسبة أكبر من الكهرباء من الفحم، إن هذا الاستبدال يضر بالمناخ. لكن هذا لا يمنع ألمانيا من المضي قدمًا في مشاريعها للتخلي التدريجي عن الطاقة النووية". ورغم كل المحاولات فشل معارضو المشروع في البرلمان الأوروبي في وقف الإجراء القانوني الخاص بهذا التصنيف الجديد.
برلين متشبثة برفض التصنيف الأوروبي الجديد
سارعت الحكومة الألمانية لانتقاد قرار البرلمان الأوروبي رافضة تصنيف الاستثمارات في الطاقة النووية كاستثمارات صديقة للمناخ. وبهذا الصدد شدد المتحدث باسم الحكومة شتيفن هيبشترايت (السادس من يوليو) أن "برلين ستظل، بغض النظر عن نتيجة التصويت، على موقفها وستعتبر الطاقة النووية طاقة غير مستدامة". غير أنه لا يزال من الممكن نظريا الحيلولة دون تطبيق هذه الخطط في حال توافقت ضدها عشرون دولة على الأقل من الدول الأعضاء على أن تمثل 65% على الأقل من إجمالي سكان الاتحاد الأوروبي بحلول الحادي عشر من شهر يوليو/ تموز الجاري، وهو أمر غير محتمل. وتستبعد الحكومة الألمانية اتخاذ أي إجراء قانوني إذ أكد هيبشترايت "أننا لا نعتبر رفع دعوى قضائية هو الطريق المناسب".
صحيفة "نويه تسوريخه تسايتونغ" (السادس من يونيو) ذهبت في اتجاه آخر وأظهرت مرونة في فهم القرار الأوروبي؛ "هناك خطر كبير في أن تتراجع الصناعة الألمانية أيضًا (عن الأهداف المناخية) في حال غير الاتحاد الأوروبي معايير الاستدامة، غير أن وجود علامات (تصنيفات) مختلفة ليست إخفاقًا للسوق، ولكنها تعكس أنه يمكن فهم الاستدامة بطرق مختلفة. يجب على أي شخص يتلاعب بمعلومات حول الاستثمارات المستدامة أن يأخذ في الحسبان أيضًا استياء مجموعات حماية المستهلك ووسائل الإعلام وكذلك المنافسة غير العادلة".
عجز أوروبا في ضمان أمنها الطاقي
في سياق تداعيات العدوان الروسي على أوكرانيا، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (السادس من يوليو) أنه يتعين على التكتل القاري "الاستعداد لمزيد من الاضطرابات في إمدادات الغاز، بل وحتى لانقطاع تام من جانب روسيا". ومن المتوقع أن تكشف المفوضية عن خطة طارئة لأمن إمدادات الطاقة في العشرين من يوليو الجاري. واستطردت فون دير لاين موضحة "علينا دعم التضامن الأوروبي. نحن بحاجة لحماية السوق الموحدة (في الاتحاد الأوروبي) وكذلك سلاسل التوريد الخاصة بالصناعة". وبهذا الشأن أعلنت الرئاسة التشيكية للاتحاد الأوروبي عبر تغريدة أنها دعت إلى اجتماع استثنائي لوزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي في 26 تموز/ يوليو، في أعقاب خطة المفوضية، وأن الهدف هو "بالدرجة الأولى العمل على مشاريع أوروبية مشتركة تحررنا من اعتمادنا على روسيا". وأطلق التكتل القاري خطة بقيمة 300 مليار يورو لتخفيف اعتماده على إمدادات الوقود الأحفوري الروسية، بينما يستثمر بشكل كبير لتحويل السوق نحو مصادر الطاقة المتجددة.
صحيفة "تاغسشبيغل" الصادرة في برلين (السادس من يوليو) عرضت مأزق النموذج الألماني في السياق الأوروبي وكتبت معلقة "تملك ألمانيافي المتوسط قطاعا صناعيا كبيرا ولهذا السبب تعيش في مستوى عالٍ من الرفاهية. ويكاد يكون استبدال الغاز على المدى القصير أمرا غير ممكن، ولكن يمكن تحقيق استخدام أكثر فعالية وكفاءة. يتضح هذا من خلال استهلاك الغاز في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، فبعد تعديل سلوك المستهلكين بخفض درجات الحرارة، انخفض الاستهلاك بنحو عشرة بالمائة مقارنة بالعام الماضي" وبالتالي فإن السعر المرتفع يحفز المستهلكين على الادخار والإبداع لدى المتدخلين في القطاع.
من جهتها، أبدت المجموعة الدولية لمستوردي الغاز الطبيعي المسال ومقرها باريس تشاؤمها بشأن موعد الخروج من أسوأ أزمة طاقة تتعرض لها أوروبا. ونقلت وكالة بلومبرغ عن فينسنت ديموري الأمين العام للمجموعة قوله "ربما نعبر فصل الشتاء المقبل بدون ضرر كبير(..) ولكن الشتاء الذي يليه من المرجح أن يكون أكثر صعوبة، والشتاء الذي يليه أيضا". وقد مكن الطقس الجيد في الشتاء الماضي أوروبا من مخزونات غاز أكبر مما كان متوقعا من أجل التدفئة في موسم الشتاء المقبل، إلا أن أسعار الغاز تواصل الارتفاع في الأسواق الشتاء.
النمسا ولوكسمبورج ترفعان دعاوى ضد التصنيف الجديد
إذا كانت ألمانيا أعلنت أنها لن تلجأ إلى القضاء، فإن النمسا ولوكسمبورغ أكدتا عزمهما المضي في إجراءات قانونية ضد التصنيف الأوروبي الجديد. وذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن وزير الطاقة في لوكسمبورغ كلود تورمز أكد في تغريدة على تويتر، أن البلدين سيمضيان في إجراءات قانونية، فيما غردت نظيرته النمساوية ليونور غوسلر بأن النمسا سترفع دعوى قضائية لنقض القرار لدى محكمة العدل الأوروبية بمجرد دخول ما أسمته بـ"برنامج الغسيل الأخضر" حيز التنفيذ. وأضافت أنها ستعمل من أجل حشد المزيد من الحلفاء للمشاركة في الدعوى. وقالت غوسلر إن القرار "يعرض مستقبلنا للخطر، وهو قرار أكثر من مستهتر". أما ألمانيا فاستبعدت اللجوء إلى القضاء حيث قال المتحدث باسم الحكومة شتيفن هيبشترايت "لا نعتبر رفع دعوى قضائية هو الطريق المناسب". وتتعرض ألمانيا لضغوطات من شركائها كهولندا التي طلبت منها الاستمرار في تشغيل محطات الطاقة النووية لمواجهة الأزمة الحالية، لكن احتمالات استجابة برلين لذلك ضئيلة. ووفقا لـ"بلومبرغ" (السابع من يوليو)، فقد تقدم وزير المناخ وسياسة الطاقة الهولندي روب غيتين بالطلب لوزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك. وارتفعت أسعار الكهرباء بشكل صاروخي بعد أن قللت روسيا إمدادات الغاز الطبيعي للعديد من الدول ردا على العقوبات التي فرضت عليها بعد غزوها لأوكرانيا.
موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى كتب محذرا (السادس من يوليو) "يجب على أولئك الذين يريدون الآن استثمار أموالهم في محطات الطاقة النووية السماح بالسؤال عما إذا كانوا قد فهموا بالفعل جوهر المشكل على الإطلاق بشأن أهداف الحياد المناخي بحلول عام 2050 في أوروبا؟ لا يتعلق الأمر باستبدال شر أكسيد الكربون الذي يتسبب في تسمم المناخ، بشر آخر. ذلك أن إشعاع النفايات النووية يظل قائما عبر آلاف السنين، فهو لا يدمر الحياة بشكل غير مباشر من خلال ارتفاع درجة الحرارة، ولكن بشكل مباشر من خلال النشاط الإشعاعي".
حسن زنيند