أزمة الغاز قد تدفع ألمانيا إلى الإبقاء على الطاقة النووية
٢٤ يونيو ٢٠٢٢باتت ألمانيا على شفا أزمة طاقة مع تراجع إمدادات الغاز الروسي، ردا على العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليها عقب غزوها العسكري لأوكرانيا في أواخر فبراير/ شباط الماضي.
وقد أعلنت الحكومة الألمانية مستوى الإنذار لخطة الطوارئ الخاصة بالغاز. وذكرت وزارة الاقتصاد الألمانية اليوم الخميس: "أمن الإمداد مضمون حاليا، ولكن الوضع مضطرب". وتشمل خطة الطوارئ ثلاثة مستويات، ويعد مستوى الإنذار الذي تم الإعلان عنه حاليا المستوى الثاني في هذه الخطة، وسيكون مستوى الطوارئ هو المستوى الثالث.
وقد صرح وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك اليوم بقوله: "الأسعار مرتفعة للغاية بالفعل حاليا، ويتعين علينا الاستعداد حاليا لزيادات أخرى"، لافتا إلى أن ذلك سيؤثر على الإنتاج الصناعي وسيكون عبئا ثقيلا بالنسبة لكثير من المستهلكين، واتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن "هجوم اقتصادي".
ويقول الخبراء إن الأمر ليس سوى مسألة وقت قبل توقف ألمانيا تماما عن الاعتماد على الطاقة الروسية، إما بقرار سياسي أو بناء على إرادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان وزير المالية كريستيان ليندنر قد حذر هذا الأسبوع من أن ألمانيا على حافة "أزمة اقتصادية خطيرة للغاية"، مؤكدا أن الحكومة أضحت بحاجة إلى استكشاف كافة السبل لسد الفجوات في إمدادات الطاقة.
ومن أجل الحيلولة دون حدوث أزمة طاقة في البلاد، دعا حزب الديمقراطي الحر، المكون الأصغر داخل الائتلاف الحاكم والذي يرأسه ليندنر، إلى تأجيل خطط التخلص التدريجي من الطاقة النووية في ألمانيا.
وتتألف الحكومة الائتلافية الحالية من أحزاب ثلاثة هي حزب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة المستشار أولاف شولتس وحزب الخضر الذي ينتمي إليه وزير الاقتصاد ووزيرة الخارجية بالإضافة إلى حزب الديمقراطي الحر والذي يُعرف بدعمه الأعمال التجارية.
وفيما يتعلق بالطاقة النووية، لا تزال ثلاث محطات للطاقة النووية تعمل في ألمانيا من أجل توفير 11 بالمائة من الكهرباء، فيما يجرى العمل على إغلاق هذه المحطات بحلول نهاية العام الجاري عقب إغلاق محطات أخرى العام الماضي.
معارضة العودة إلى الطاقة النووية
يشار إلى أن استخدام الطاقة النووية في ألمانيا كبديل عن الوقود الأحفوري يعد قضية مثيرة للجدل، فعلى سبيل المثال أكد حزب الخضر على مدار عقود بأن المخاطر الناجمة عن استخدام الطاقة النووية خاصة التخلص من النفايات النووية تفوق أي منافع خاصة بتوليد الكهرباء من الطاقة النووية.
وقد برز ذلك منذ انضمام الحزب إلى الحكومة عام 1998 كأحد الأحزاب المنضوية تحت لواء الحكومة الائتلافية برئاسة غيرهارد شرودر من الحزب الاشتراكي، فقد دفع حزب الخضر بنجاح نحو التخلص من الطاقة النووية.
وعقب انتهاء حقبة شرودر وتولي المستشارة أنغيلا ميركل زمام الأمور، حاولت حكومتها بزعامة حزبها الاتحاد الديمقراطي المسيحي، التراجع عن خطط التخلص من الطاقة النووية في بادئ الأمر، لكن كارثة فوكوشيما النووية في اليابان عام 2011 دفعتها إلى المضي قدما في طي صفحة استخدام الطاقة النووية في ألمانيا.
وحاليا، أصبح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في مقعد المعارضة ويطالب في الوقت الراهن بإلغاء خطط التخلص التدريجي من الطاقة النووية، إذ أكد رئيس الحزب فريدريش ميرز الثلاثاء الماضي أنه "من الممكن من الناحية الفنية والقانونية" إبقاء عمل المفاعلات الثلاثة المتبقية إلى ما بعد نهاية هذا العام.
بيد أن هذا التوجه يتناقض مع تأكيد المستشار الألماني أولاف شولتس على أنه من الصعب الحصول على قضبان نووية في الوقت الحالي، مضيفا "لم يقدم أحد أي خطة مجدية" لزيادة إنتاج المحطات النووية الثلاث المتبقية في ألمانيا بوتيرة أسرع.
من جابنها، قالت منظمة "برانشينفيرباند كيرنينيرغي" الخاصة باستخدام الطاقة النووية في الصناعات في ألمانيا، في تصريحات صحافية إن تمديد عمل المحطات الثلاثة ممكنا، لكنها دعت إلى اتخاذ قرار سريع.
وأضافت "محطات الطاقة في مرحلة الإغلاق، لذا فكلما تأخر القرار، كلما زادت صعوبة تشغيلها مرة أخرى".
في المقابل، قال كريستيان فون هيرشهاوزن، خبير الطاقة في المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، إن المستشار شولتس يمتلك فهم حقيقي وعملي بشأن هذه القضية.
وفي مقابلة مع DW، أضاف إن سيناريو العودة إلى الطاقة النووية كان "مستحيلا" سواء من الناحيتين التقنية والقانونية، مشيرا إلى عدم وجود طريقة للتراجع عن عملية تفكيك محطات الطاقة خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة بسبب الوقت الذي يستغرقه طلب الحصول على اليورانيوم المخصب وتسليمه وأيضا تركيب المعدات.
وقال إنه في حالة العدول عن خطط التفكيك "سوف يتعين تنفيذ مجموعة جديدة من معايير السلامة والفحوصات" لتحل محل التدابير التي لم يتم تنفيذها منذ سنوات بسبب قرارات التخلص التدريجي والقوانين الجديدة بشأن استخدام محطات الطاقة.
أزمة الغاز
قرار ألمانيا بالتخلص من الطاقة النووية تزامن مع تزايد اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية حيث باتت كافة مصانع الصناعات الثقيلة في ألمانيا تعتمد تقريبا على الغاز الطبيعي فيما تعتمد نصف المنازل الألمانية على الغاز في التدفئة.
وكانت روسيا مصدر 65 بالمائة من الغاز الطبيعي الذي تستورده ألمانيا حتى وقت سابق من العام الجاري، لكن ذلك انخفض إلى أقل من 40 بالمائة.
وخلال العام الماضي، جرى استيراد حوالي 53 بالمائة من الفحم من روسيا، لكن من المقرر انخفاض ذلك إلى الصفر مع بدء سريان الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات الفحم من روسيا في أغسطس / آب.
ومن أجل تجنب حدوث أزمة طاقة في البلاد، تعمل الحكومة على ملء احتياطي الغاز الاستراتيجي للبلاد الذي وصل الآن إلى نسبة 60٪ مع الوصول إلى نسبة 80 بالمائة بحلول أكتوبر/ تشرين الأول بهدف الوصول إلى السعة الإجمالية قبل حلول فصل الشتاء.
كذلك يسابق السياسيون في ألمانيا الزمن لتأمين مصادر أخرى للغاز والنفط وتسريع خطط الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وإطالة عمر محطات الفحم في البلا، رغم التعهد في السابق بالتخلص التدريجي من الاعتماد على الفحم بحلول عام 2030.
بيد أن كثير من السياسيين يرون أن هذه النواحي غير كافية وسط دعوات لإيجاد مصادر أخرى للطاقة في ألمانيا حيث اقترح السياسي والنائب من الحزب الديمقراطي الحر تورستن هيربست ورئيس وزراء ولاية بافاريا ماركوس زودر قيام الحكومة برفع الحظر على "التكسير الهيدروليكي".
يشار إلى أن تقنية التكسير الهيدروليكي لا تزال تُستخدم في الولايات المتحدة وتسببت في ثروة للنفط الصخري في البلاد رغم ضررها الكبير على البيئة وهو ما دفع التكتل الأوروبي إلى حظرها منذ وقت طويل.
وتتمثل عملية التكسير الهيدروليكي في ضخ كميات هائلة من السوائل والمواد الكيماوية في التكوينات الصخرية تحت ضغط عال لإحداث شقوق لتسهيل عمليات التنقيب عن النفط والغاز. وتعرضت هذه التقنية لانتقادات كثيرة حيث من الممكن أن تتسرب المواد المستخدمة في هذه التقنية إلى المياه الجوفية ما يؤدي إلى تلوثها.
ورغم حظر الاتحاد الاوروبي لهذه التقنية ، إلا أن التكتل أبدى ترحيبه باستيراد الغاز من الولايات المتحدة التي لم تحظر تقنية التكسير الهيدروليكي بعد.
معارضة وزراء ألمان
في غضون ذلك، لا يزال وزير الاقتصاد والمناخ في الحكومة الألمانية روبرت هابيك الذي ينتمي إلى حزب الخضر، يعارض العودة إلى استخدام الطاقة النووية ورفع الحظر على التكسير الهيدروليكي فضلا عن الحرج في محاولة تبرير إلى الاعتماد على الفحم.
بيد أن الخبير في الطاقة فون هيرشهاوزن يشير إلى أن زيادة استخدام الفحم سيكون بمثابة "إجراء مؤقت للحيلولة دون نقص كبير في إمدادات الطاقة."
وفي مقابلة صحافية، أكد الوزير هابيك أن خطة الحكومة لإنهاء الاعتماد على الفحم بشكل كامل في غضون السنوات الثماني المقبلة لا تزال تسير كما هو مخطط.
إليزابيث شوماخر / م ع