كيف يتابع النظام السعودي تحولات الربيع العربي؟
١٤ نوفمبر ٢٠١١اتخذت السعودية مواقف متباينة من الثورات، تارة بصورة تدخل عسكري مباشر كما هي الحال في البحرين، وتارة بصورة دبلوماسية حين سحبت سفيرها من دمشق. وبالنسبة إلى تونس، فقد كانت المملكة العربية السعودية الوحيدة التي تجرأت على استضافة الرئيس التونسي المطاح به زين العابدين بن علي بعد سقوط نظامه. أما في مصر فقد تعاونت السعودية مع المجلس العسكري المصري وقدمت دعماً مالياً له وعلى الرغم من العلاقات الوطيدة التي كانت تربطها بالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك.وتبرر د.أولريكه فرايتاغ، رئيسة معهد دراسات الشرق المعاصر في برلين تلك المواقف المتباينة قائلة إنه يجب تفسير المواقف السعودية المتباينة من الحراك الشعبي في الدول العربية المختلفة في ضوء الاهتمامات الإقليمية، وأضافت في برنامج مع الحدث على قناة دويتشه فيله عربية أن "المشكلة القائمة سياسياً بين إيران والسعودية هي المفتاح لتفهم الكثير من هذه السياسات".
هل يخاف النظام السعودي من الثورات العربية؟
أما مستخدمو صفحة دويتشه فيله على الفيسبوك فكان لهم تبريرات أخرى لتلك المواقف، حيث اعتبر هانز يوزيف إيرنست في تعليقه أن "النظام السعودي لديه خوف كبير من الثورات العربية".وتوقع سليمان آل عبد الله أن "يسقط النظام السعودي لأن السعودية بنظامها الديكتاتوري لن تكون أبداً الأب الروحي للثورات العربية".صاحب حساب "ضحايا الأنظمة السياسية"يقول إن "موقف السعودية واضح منذ حرب الخليج وتزامن ذلك بالحرب ضد الإرهاب" ويبرر ذلك قائلاً: "لقد تلقت السعودية أمراً غير معلن بدفن رأسها في التراب حتى إشعار آخر" أما كاديرو كاديروويست فيرى أن "السعودية لا تهتم إلا بمصالحها فقط" ويختلف منير مسراني مع هذا الرأي حيث يرى أن "ألسياسة الخارجية للسعودية حتى الآن جيدة تجاه الوضع الراهن".
"مواقف السعودية ثابتة وهي عامل استقرار في المنطقة"
من جانبه، يرى د.محمد عبد الله آل زلفة، العضو السابق في مجلس الشورى السعودي، أن المملكة العربية السعودية تشكل عامل استقرار في المنطقة، وأن مواقفها لم تتغير لأنها ملتزمة بأهم الأسس وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المختلفة، لكنها تقف مع إرادة الشعوب" ويضيف أن "أحوال المنطقة تغيرت بينما بقيت المملكة لم تتغير والمنطقة العربية ملتزمة بأهم الأسس".
أما عن التدخل المباشر في البحرين، فيفسره د. آل زلفة قائلاً إن "البحرين عضو في مجلس التعاون الخليجي، ومن الدول المؤسسة له"، لذلك فهو يعتبره قضية مختلفة ويوضح قائلا: "بين هذه الدول من الاتفاقيات ما يجعل لكل الدول حق التدخل في أي شأن يهدد أمن واستقرار تلك البلدان.وقبل البحرين، عندما حدث الغزو العراقي للكويت، وقفت دول مجلس التعاون كلها إلى جانب الكويت في مواجهة هذا الغزو. موقف السعودية من أحداث البحرين أمر مبدئي وواضح، أمن البحرين مرتبط ارتباطاً مباشراً بأمن السعودية".
ويوافقه الرأي د.أندرياس شوكنهوف، عضو لجنة الدفاع بالبرلمان الألماني، الذي يعتقد أن السعودية لديها سياسة عملية واضحة، وهي السعي لحفظ أمنها والعمل بشكل واضح وعملي لضمان استقرار البلد، لذلك تم تعيين ولي العهد بسرعة كبيرة. ويضيف تعليقاً على تباين مواقف السعودية من الثورات العربية المختلفة قائلاً: " السعودية ليست ضد الثورات بشكل جذري، بل هي تحاول الحفاظ على توازن القوى في المنطقة.ولكن يمكن أن نقول إن السياسة السعودية عملية في تعاملها مع الحكومات الجديدة". ويرى شوكنهوف أن هناك تهديدات كبيرة من قبل القاعدة مثلا ومن قوى إرهابية وفي البحرين هناك مملكة يقودها السنة، ويعتبر أن السعودية تلعب دوراً كبيراً في هذا السياق لتحقيق استقرار الأمن.
التدخل السعودي في البحرين هل هو مساندة أم هجوم؟
ويوافق محمد الدوادوة في تعليقه على صفحة دويتشه فيله على فيسبوك على التدخل السعودي قائلاً "أقبل به لتحجيم الخطر الفارسي في منطقة الخليج"ويقبله أيضاً محمد سيمو الذي يقول:"نعم أقبل به. وللبحرين ودول الخليج الحق في طلب المساعدة من بعضها البعض، حفاظاً على أمنها، ولدرء التدخل الإيراني في المنطقة، ومنع الأشخاص والميليشيات الموالية لإيران من تنفيذ مخططها في المنطقة".
أما بالنسبة إلى ضحايا الأنظمة السياسية فيتساءل الدادوة "عن أي أمن يحكي، عن أمن الزعماء أم أمن الأنظمة أو أمن الشعوب؟عن أمن يردع العدوان الخارجي أم أمن يمنع العدوان الداخلي؟ ولنفترض أن إيران وراء كل هذا فما هو ذنب المواطن البحريني؟ أليس من حقه التعبير عن رأيه؟ وفي جميع الحالات ليس عذرا أن تسفك دماء تحت عنوان التدخل الإيراني؟"
وترفض أيضاً دعاء مهدي التدخل السعودي، واصفة إياه بـ"تدخل سافر ذي أساس طائفي". ويرفض على الطيار، وهو بحريني، أي تدخل قائلاً: "التدخل في البلاد الأخرى بأي طريقة وتحت أي مسمى هو مجرد احتلال.ولن يجعلني اختلاف المذهب أو الدين أو الجنسية أغير من مقاييسي للخطأ والصواب. نحن نلوم الغرب على ازدواجية المعايير، فكيف نرضى أن نقوم نحن بذلك". أما هانز يوزيف إيرنست فيعتبر النظام السعودي "يقاتل ليس فقط ضد التأثير الإيراني، بل ضد كل الحركات الديمقراطية في المنطقة".
هل تكفي الإصلاحات الحالية لإرضاء مثقفي السعودية؟
وعلى الصعيد الداخلي، انتهجت السعودية سياسة العصا والجزرة، فمن جهة أخمدت الاحتجاجات التي شهدتها المناطق الشرقية من البلاد بصورة سريعة واتهمت أياد خارجية بالوقوف وراء الاحتجاجات خاصة في المناطق الشيعية، ومن جهة أخرى قامت بإصلاحات من شأنها تحسين معيشة المواطنين. لكن مساحة الحريات العامة في السعودية مازالت تواجه انتقادات كثيرة من المنظمات الحقوقية، فالمرأة لا يسمح لها حتى الآن بقيادة السيارة.
وتعليقاً على هذه الانتقادات يقول د. الزلفة إن المملكة العربية ستبقى من أكثر البلدان في المنطقة استقراراً. ويعتبر أن تلك الثورات أو" الحركات البسيطة التي حدثت في المنطقة الشرقية حركات لا تمثل حقيقة الناس بقدر ما تمثل من يحرك هؤلاء الأقلية من خارج البلاد"، متهماً إيران بالسعي لزعزعة استقرار السعودية والمنطقة بأكملها قائلا: إيران تشكل خطراً على استقرار العراق، واستقرار العراق جزء من استقرارنا. وهي تشكل خطراً أيضا من خلال دعمها للحوثيين، فالحوثيون مع الأسف سلموا أمرهم لإيران التي تريد أن تؤذي السعودية".
يؤكد عضو مجلس الشورى السابق أن الملك عبد الله بن عبد العزيز اعترف منذ سنوات بالفقر الذي تعاني منه نسبة كبيرة من الشعب، وقاد الكثير من الإصلاحات في محاولة الرفع من مستوى معيشة المواطنين، كان آخرها إشراك المرأة في المجالس البلدية. ويعد هذا نقلة حضارية مهمة جداً في تاريخ السعودية.
وتوافق د. فرايتاغ على أن للمملكة خطوات مهمة جداً في الإصلاحات الداخلية، لكنها تعتقد أن التساؤل الهام هو هل ستستمر هذه الإصلاحات، خاصة في ظل ازدياد التربية والثقافة العامة في البلاد التي تجعل عدداً كبيراً من المثقفين يبدؤون بالمطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية ومزيد من الحريات. وتعتبر رئيسة معهد دراسات الشرق أن نتائج الإصلاحات مازالت غير واضحة حتى الآن.
"السياسة لا تبنى على المبادئ الأخلاقية"
ورغم انتقاد ألمانيا والدول الغربية لأوضاع الحريات وحقوق الإنسان في السعودية، إلا أن ألمانيا باعت مؤخراً للمملكة السعودية دبابات من طراز ليوبارد ذات الكفاءة العالية في حرب الشوارع، وتزامنت هذه الصفقة السرية مع التظاهرات في دول الخليج، ويعلق شوكنهوف على هذا الأمر قائلاً: " بالنسبة لحقوق الإنسان والحريات في السعودية، لدينا موقف ناقد واضح. ومن ناحية أخرى، نحن نعرف أن للسعودية دوراً مهماً في ثبات واستقرار المنطقة. ونحن بحاجة أيضاً إلى توازن القوى هناك".
وبالطبع تنتقد بعض منظمات حقوق الإنسان أن تأتي حسابات توازن القوى على حساب حقوق الإنسان والحريات، ويعترف شوكنهوف أن هناك تناقضاً بين دعم الدولة الصديقة والحليفة في المنطقة رغم قيامها بانتقادات لحقوق الإنسان، لكنه يضيف: "ليست ألمانيا وحدها هي من يقوم بذلك، بل الغرب بأكمله، الذي عمل مثلاً لسنوات طويلة مع نظام مبارك، فمصر كانت الدولة العربية الأولى التي عقدت صلحاً مع إسرائيل. وانتقدنا الوضع الداخلي في مصر، وطالبنا بأن تتحقق حقوق الإنسان ويحصلوا على حريات أكبر. لكن في السياسة علينا دائماً أن نتعامل بشكل معين مع تلك الأوضاع. هناك أوضاع لا يمكن أن نغيرها. تبقى السعودية بالنسبة لنا عنصراً هاماً للأمن في المنطقة، ونحن نتوجه بنقد لأصدقائنا في السعودية".
أما فرايتاغ فتعتقد أن المشكلة الأساسية تكمن في أن السياسة الخارجية لأي دولة من الدول ليست مبنية على المبادئ الأخلاقية بشكل عام. ولكنها توضح أن ما يعطي الأمل للدول الصديقة في الغرب والشرق الأوسط هي الإصلاحات التي تمت. والتي يرى الزلفة أنها إصلاحات لن يتنازل عنها من سيخلف الملك عبد الله في القيادة "لأنها متطلبات شعب".
هل تكيل ألمانيا بمكيالين في علاقتها بالسعودية؟
وتعليقاً على هذا التناقض بين أقوال الغرب وأفعاله، يقول محمد السعدي على صفحة دويتشه فيله على الفيسبوك إن "مشتريات السلاح المتراكمة في المخازن لصنع التوازن تنعش مصانع السلاح الألماني كل عام بمئات المليارات ومعها مئات الملايين من الدولارات.. فعلاً أمام سطوة المال تنعدم النزاهة". ويوافقه عمر الجلالي الذي يقول: "الغرب لا يعرف إلا المصالح فقط". أما أبيصافي فهو يقول إن "ألمانيا وغيرها يبحثون عن مصالحهم الاقتصادية فقط، أما حقوق الإنسان فهي مسألة داخلية، على المجتمع السعودي أن يتحمل مسئوليتها".
وتعتبر سوزان العبود أن الموقف الألماني يكيل بمكيالين وترجع ذلك "للمصالح والنفط". ويعتقد بوكي أرام زندي أن "سبب التمسك الغربي تجاه السعودية معروف، لأنها القوة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تساند الغرب ضد مصالح وأطماح إيران المناقضة لمصالح الغرب في الخليج، وهي السبب الوحيد لاستخدام ألمانيا سياسة مزدوجة (انتقاد نظري ودعم عملي). أما دون علي كاريلوني فيختلف معهم في الرأي حيث يقول: "أول من وقف لحقوق الإنسان هي ألمانيا وأول من تخلوا عن إخوانهم لأجل المال هم العرب. دائماً يرمي العرب السبب وراء أخطائهم على بقية الشعوب، مثل إيران أو إسرائيل، فمتى تنتهي الحجج؟".
سمر كرم
مراجعة: منى صالح