كيف حمل اللاجئون الوطن في حقائب السفر؟
٢٢ أكتوبر ٢٠١٧"الغربة عن الوطن في الظروف العادية تكون موجعة، فكيف تكون بحالة النزوح أو اللجوء القسري، أن تنتزع من أرض وطنك ومن حياتك عنوة، لتبدأ حياةً جديدة من الصفر في كثير من الأحيان، ووقتها لا يبقى لك سوى قطعة حديدة على شكل مفتاحٍ لمنزلٍ شعرت فيه بالامان يوماً، أو صورةً تخلّد ذكرى جميلة عشتها في لحظةٍ ما"، تقول فريدة، السيدة في أول الثلاثينيات هذه الكلمات وهي تقلب مفتاحاً بين يديها.
فريدة التي تعيش في ألمانيا منذ سنتين بعد أن فقدت شقيقها الوحيد في قصف بسوريا، تقول "منذ قدومي إلى هنا، وأنا أعلق هذا المفتاح مع مفاتيح منزلي في ألمانيا، أشعر بالراحة، مع أن منزلنا في ريف حماه لم يعد موجوداً، إلا أنه الشيء الوحيد الذي يشعرني بالأمان، اشعر أن لي مكانٌ وسند، بعد أن فقدت كلَّ شيء".
تمسح فريدة دموعها، وهي تقلب صور ركام منزلها في سوريا، وتقول لـ"مهاجر نيوز" "لم أكن أفهم الفلسطينيين في سوريا عندما احتفظوا بمفاتيحهم لعشرات السنين، كنت أعتبر أن في الأمر نوعٌ من المبالغة، لكني بدأت أفهمهم، كيف يختصر الأمان بقطعة حديد، وكيف تصبح الطمأنينة مفتاحاً يفتح باب منزلٍ غير موجود".
شال أمي.. وما تُحِب!
ليست فريدة الوحيدة التي اختزلت وطنها بقطعةِ ذكرياتٍ، إذ كان شال أم سامي الذي أخذه من حول رقبتها هو آخر ما حمله قبل وصوله إلى تركيا.
يقول سامي، الشاب العشريني، لـ"مهاجر نيوز" "عندما طلبت من امي وهي تودعني أن تفك الشال من حول رقبتها لآخذه، ضحكت وسألتني هذا نسائي، هل سترتديه، لكنها لم تعلم أنني كنت اريد شيئاً منها لأشعر أنها بقربي دائماً، أرتديه دائماً، حتى في الصيف، كلما اشتقت إليها أشمه، يذكرني بأمي وبوريا، وكلما شعرت بالضيق أنظر إليه".
أما نور الواصلة إلى ليون الفرنسية حديثاً تقول إنها حملت معها كأساً تحبه أمها، لم يعني لها شيء لكنها أخذته لأن أمها تريد ذلك، ما يعني أنه سيبقى يذكرها بها إلى الأبد.
وتشرح نور لـ"مهاجر نويز" "لا أعلم لم حملت الكأس، ربما لا قيمة له، غلا أن أمي تحبه وهذه حصتي من هناك".
في حين كانت هدايا الحب الأول هي ما حمله عمر من دير الزور إلى دمشق ومن ذم من دمشق إلى تركيا وبعدها إلى ألمانيا، يخبرني عمر بلهجة حيادية "حملت معي شال وساعة كانوا هدية من بنت كنت أحبها، حملتُ كنزةً لأبي الذي قضى على يد داعش في دير الزور، ونظاراتٍ طبية كانوا هديةً من أمي، وكل أوراقي المهمة، هكذا اختصرت الوطن".
النقود بقيمتها المعنوية هذه المرة!
لا يمكن لأي لاجئٍ أن يعيش دون استحضار طقس الوطن، باكلةٍ ما، او ذكرى، كما ان الغالبية تختصر الوطن بقطعةٍ مادية تحملها كل ما يستطيعون من قيمٍ مادية.
وربما كانت نصف الخمسين ليرة سورية، هي ذات قيمةٍ أكبر من قيمتها الحقيقة لدى أمجد، الشاب العشريني، القادم من دير الزور في سوريا، يقول أمجد لـ"مهاجر نيوز": "لقد كانت نصف القطعة الورقية هذه هي آخر ذكرى فرحة عشتها في سوريا، فبعد خروجي من الاعتقال، قررت مغادرة سوريا، وجاء أصدقائي ليودعوني، وطلبت إحدى صديقاتي ذكرى قبل أن أغادر، ولم أجد شيئاً سوى قطعة نقدية فئة "الخمسين ليرة" فقسمتها إلى قطعتين وكتب كلٌّ منا للآخر كلمات للذكرى"، وكانت هذه القطعة النقدية هي الشيء الوحيد الذي حملته معي من سوريا مع جواز سفري".
كذلك كانت 15 عشر ليرة سورية المنسية في جيب بنطال رامي أثناء مغادرته سوريا إلى ألمانيا، هي ما تذكره بـ"هناك" الآن، بحسب ما يقول.
الصور الطريقة الأبقى!
الطريقة التقليدية لاختزال الذكرى هي الصور، لكن حتى صور اللاجئين لها قصصٌ مختلفة، فأشرف وهو مصورٌ فوتوغرافي، يختزل ذكرياته بحوالي 15 صورة "بورتريه" لأصدقاءٍ قام بتصويرهم في اوقاتٍ وظروفٍ مختلفة.
ويقول أشرف لـ"مهاجر نيوز" "الصور كانوا الشيء الأخف وزناً والأكثر معنى بالنسبة لي، كانوا يذكرونني بعملي، وبآخر اربع سنوات قضيتها في سوريا، بمرسمي في مدينة حلب، ويجسدون احاديثاً تبادلتها مع أصدقائي، وبالتالي ذكرياتي، فقررت أنني سآخذ حائطي معي، وانتزعت الصور، ونقلتهم من دولةٍ إلى أخرى، وكنت اعلقهم في كلِّ مكانٍ استقريت به قبل وصولي إلى ألمانيا".
ويضيف اشرف "المضحك أن العديد ممن هم في الصور، لم اعد أتواصل معهم، فأصبحت علاقتي بالصور أقوى من علاقتي بأصحابها".
كذلك حملت منال صور بناتها وهن طفلات إلى سويسرا، وتقول منال "حملت الصور القديمة التي كانت مطبوعة على ورق لا الصور الالكترونية، فيها تفاصيل ناس وملابس وأماكن لا يجب أن تضيع، كما أن هذه الصور تختزل تاريخي، وتاريخ بناتي، مع اشخاصٍ أحبهم، لذلك حملتهم لأدع حفيداتي يتعرفن علينا عندما يأتين إلى الدنيا".
أما صورة دمشق القديمة المعلقة في غرفة احمد بتركيا كانت آخر ما اشتراه عن سبقٍ إصرارٍ قبل سفره، ليتذكر دمشق، ويقول أحمد "هكذا ببساطة يمكنني أن أبقى متذكراً".
لتختلف الحالات وليختصر الوطن بقطعةِ حلوياتٍ احياناً، أو قطعة ملابس، مع الكثير من الذكريات المترافقة بالرائحة والأصوات.
راما الجرمقاني- مهاجر نيوز