مراقبة اللاجئين لبعضهم البعض.. معاناة إضافية في الغربة
٩ أغسطس ٢٠١٧هرب اللاجئون من الظلم والقتل والمراقبة في بلادهم، بحثاً عن الحرية والاحترام وحق الاختلاف، في دول تحتل مراتب متقدمة في مؤشرات الحرية. بيد أن توفر الحريات في هذه البلدان لا يعني بالضرورة إمكانية التمتّع بها بالكامل، وذلك بسبب المراقبة والضغط الاجتماعي، اللذين يمارسهما اللاجئون ضد بعضهم البعض، وتحد من الحريات الجديدة. ولعلَّ اللاجئات هن الأكثر تضرراً من هذه المراقبة.
"العقليات لا تتغير"
تطلقت هديل من زوجها في سوريا ولجأت مباشرة إلى ألمانيا، لأنها كانت تعرف نظرة المجتمع السوري إلى المطلقة، وتعتقد أنها ستجد في ألمانيا فرصة لعيش حياة طبيعية من دون أن تثقل كاهلها صفة "مطلقة".
وحكت اللاجئة السورية لـDW عربية: "اغتربت عن بلدي وأهلي ليكون الثمن معانقة الحرية بعد سنوات من العيش في الذل والمهانة والسكوت عن ذلك لسنوات، بسبب المجتمع ونظرته."
إنها أم لثلاثة أطفال، ولجأت إلى ألمانيا منذ سنتين، غير أن ما واجهته هديل هنا في ألمانيا لم يكن ضمن حساباتها. وقالت إنها تعاني من اكتئاب شديد بسبب استمرار تدخل طليقها وإخوانها في حياتها وتابعت: "الكل يقول بأن علي واجبات، لكن أين حقوقي وواجباتي أنا؟" وتضيف هديل بصوت متوتر: "طليقي لا يفهم أنه لم يعد علي أي واجبات تجاهه، وواجبي الوحيد تجاهه كأب لأبنائي، هو السماح له برؤيتهم والتواصل معهم".
وتعاني هديل من مراقبة إخوانها لها أيضاً؛ بسبب وضعها الاجتماعي الآن كمطلقة، وأنه يجب عليها مراعاة تصرفاتها، خاصة في مجتمع متحرر كالمجتمع الألماني، ما يضايقها بشدة ويجعلها تعاني بسبب عدم حصولها على حريتها في ألمانيا أيضا، البلد الذي يتمتع نساؤه بحريتهن وحقوقهن بعد الطلاق، كما تقول.
وتشعر اللاجئة السورية أنها لا تستطيع استكمال حياتها بشكل طبيعي، بسبب مطاردة زوجها السابق لها وإخوانها والآخرين، كما تقول: "تدخل اللاجئين الآخرين في خصوصيات غيرهم، بات ظاهرة آخذة في التزايد." وتضيف هديل: "حال معرفتهم أني مطلقة وأعيش في شقة بمفردي في ألمانيا، يبدأ الكلام من وراء ظهري، وضع المطلقة في الغربة أسوأ عن وضعها في بلدها الأصلي، لأن العقليات للأسف لا تتغير بتغير المكان."
"عنصرية ذوي القربى"
دُعِيت السيدة السورية هناء لحضور نشاط اجتماعي في إحدى كنائس دورستن، غرب ألمانيا، مع مجموعة من النساء من عدة مدن ألمانية أخرى. ومن المعتاد أن تدخل هذه التجمعات السرور على قلوب اللاجئين، حيث يجتمعون مع أبناء وطنهم ويقتربون ولو للحظات من جو الوطن، الذي اضطروا لمغادرته، كما تقول هناء في حديثها لـDW عربية. "لبيت الدعوة ورافقت باقي النساء اللاجئات، وفي القاعة، رمقتني إحدى النساء اللاجئات وبدأت تعنفني بنظراتها وعباراتها العنصرية لأنني أرتدي الحجاب"، تضيف هناء، وهي تستغرب تصرف السيدة. وتتابع في حديثها: "كانت سيدة خمسينية تلبس الجينز وتتكلم العربية الصحراوية، فدهشت لتصرفها وتجاوزت عنصريتها وفهمها المحدود للحرية وجلست بثقة مع السيدات في الكنيسة يربطنا الوئام الإنساني وترفعت عن قياس التحضر بمقاييس سطحية."
وما أدهش هناء هو أن الناشطة الألمانية المرافقة لهن لم تنتقص من كرامتها وقيمتها الإنسانية أو تخدش معتقدها بأي أذى، في حين تعرضت للتمييز العنصري من أبناء بلدها المنبهرين بكل جديد في بلد اللجوء، حسب قولها.
الرجال أيضا يعانون
لا يختلف الوضع بالنسبة للشباب السوريين عن النساء، فهم أيضا يعانون من مراقبة اللاجئين الآخرين لهم، بحسب وسام، الذي عانى من تدخل أبناء بلده في خصوصياته وحياته الجديدة في ألمانيا "يريدون أن تكون نسخة منهم، وتسير على نفس الطريق، الذي رسمه لك المجتمع، والكلام عنك لن يتوقف، بصراحة، لهذا السبب حاولت أن أنأى بنفسي عن الاحتكاك بالعرب والسوريين قدر الإمكان”، يقول موسام.
يطرح وسام مثالاً على ذلك، حين قرر أن تكون لديه صديقة ألمانية وأن يسلك نمط حياة مختلف عن باقي أصدقائه، حيث واجه مضايقات كثيرة بسبب قراره هذا من الغريب قبل القريب، كما يقول. "لم يقتصر الأمر فقط على الأصدقاء والأهل وإنما أصبح الغريب يرمقك بنظرات اتهام وكأنك ارتكبت جرماً كبيراً، في حين أنك فقط اخترت أن تكون مختلفاً"، يقول وسام ويضيف: "لا أحد يرغب أن تختلف عنه وأن تخرج عن القطيع."
الضغط الاجتماعي عائق أمام الاندماج
ولتسليط الضوء على الضغط الاجتماعي من قبل اللاجئين على بعضهم البعض تحدثت DW عربية مع الخبير والناشط الاجتماعي سامي شرشيرة، الذي قال إن العلاقات الاجتماعية مع أفراد المجتمع الواحد لها أهمية كبيرة في بداية اللجوء وذلك لما يوفره التواصل والدعم مع أفراد نفس المجتمع من أمان نفسي خاصة للوافدين الجدد.
وعن الجانب السلبي لهذه العلاقات يقول شرشيرة في حدثه لـDWعربية: "العلاقات الاجتماعية التي تتغذى على أسس عرقية أو لغوية أو دينية، تصبح خطراً كبيراً على عملية اندماج الوافدين الجدد، وتنتج مجتمعات موازية، عندما يعيش اللاجئون بمعزل عن المجتمع الجديد."
ويرى شرشيرة أنه لسوء الحظ، تُظهر العديد من الدراسات أنه ما يزال هناك العديد من الحواجز التي تقف في طريق المهاجرين، خاصة في أسواق العمل والسكن في ألمانيا، وهذه الحواجز لا تؤدي فقط إلى زيادة خطر ظهور مجتمعات موازية، بل تقضي على مشاعر الانتماء وتؤثر سلباً على التضامن.
دعم اللاجئات.. "امضي في طريقك"
ولعل النساء هن أكثر الفئات تضرراً من المراقبة والضغط الاجتماعي، ولهذا تعمل العديد من المنظمات الحقوقية في ألمانيا على مساعدة اللاجئات وتعريفهن بالحقوق التي يضمنها لهنّ القانون الألماني، والتي تتساوى المرأة بحسبها تماماً مع الرجل.
ومن بين أهم هذه المبادرات مبادرة للصحفية الألمانية بيرته فوغل باسم "امضي في طريقك!" وهي عبارة عن نشرة معلومات تُوزع مجاناً على اللاجئات لتعريفهن بحقوقهن في ألمانيا وحقهن في تقديم شكاوى، في حالة مس هذه الحقوق. وتتضمن النشرة الإعلانية نبذة عن أهم الحقوق للمرأة في ألمانيا، منها حرية العمل والتعليم واللباس والحرية الجنسية. والنشرة متاحة بعدة لغات منها العربية.
وعن فكرة تلك المبادرة ومدى نجاحها تقول بيرته فوغل في حوارها مع DW عربية: "هذه النشرة تعطي اللاجئات فكرة عن مدى الحريات والحقوق، التي يضمنها لهن الدستور الألماني". وتصف الصحفية الألمانية الأصداء حول النشرة الإعلانية بـ"الجيدة" لحد الآن، إلا أن التغيير لا يحدث بين عشية وضحاها، بحسب رأيها، وتضيف: "الكثير من اللاجئات أتين من مجتمعات لم يتمتعن فيها بأدنى حقوقهن، ولهذا من الصعب عليهن استيعاب الحقوق الجديدة، حيث سمعت أن إحداهن كانت تتفادى حمل النشرة الإعلانية معها إلى البيت، خوفا من زوجها."
وترى الصحفية الألمانية أن هذه المباردة تعد وسيلة مساعدة لللاجئات المتضررات من الضغط المجتمعي، وأنه على الدولة المساهمة أيضا، من خلال برامج الاندماج، في ترسيخ حقوق وحريات اللاجئات في ألمانيا.
إيمان ملوك - كولونيا