الأطفال يدفعون ثمن الحروب
٢٣ أبريل ٢٠٢٤يشهد العالم حاليا أعلى مستويات الصراع العنيف منذ 30 عاماً على الأقل. إلى جانب الحرب في غزة والحرب في السودانوالصراع الدائر في أوكرانيا، هناك ما لا يقل عن 110 صراعات مسلحة تجري في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا.
وتدور العديد من هذه الحروب في مدن ومناطق مزدحمة، وتستهدف الضربات العشوائية بالصواريخ والطائرات المسيرة مدنيين ومدارس ومستشفيات وملاجئ أطفال.
ويحذر مسؤولون من أن أكبر ضحايا هذه المعارك الجيوسياسية هم الأطفال، أكثر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث. وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مراراً وتكراراً من أن الأطفال يتحملون وطأة صراعاتنا الحديثة "بشكل غير متناسب".
جزء من تأثير الحروب على الأطفال هو تأثير مادي. بعض الأطفال يتم تجنيدهم في الصراع، بينما يتعرض البعض الآخر لاعتداء جنسي على أيدي مهاجمين مسلحين. لكن حتى بدون التعرض للإيذاء الجسدي المباشر، يعاني الأطفال في مناطق النزاع المسلح من ضيق نفسي شديد.
فعلى سبيل المثال، أمضى الأطفال في المدن الواقعة في الخطوط الأمامية في أوكرانيا ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف ساعة، أي من أربعة إلى سبعة أشهر، في ملاجئ تحت الأرض، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل عامين.
وتقول أخصائية دعم الصحة العقلية في اليونيسف، ليا جيمس، لـ DW إن "مزيج الخوف والحزن والانفصال عن الأحباء له تأثير هائل على الأطفال مع استمرار الحرب. كما أن ما يقرب من نصف الأطفال لا يذهبون إلى مدارس" وتضيف أن "العواقب شديدة". ويتوقع الخبراء أن تكون النتيجة مستويات عالية من مشاكل الصحة النفسية والعقلية لملايين الأشخاص في المستقبل.
مشاكل النمو
يخضع الصراع في أوكرانيا لمراقبة دقيقة، ويشعر العاملون في المجال النفسي والاجتماعي بالقلق من أن الطبيعة المطولة للحرب بين روسيا وأوكرانيا تسبب تأخراً حادً في نمو الأطفال. وفي هذا السياق، يقول كريستوف أناكر، عالم الأعصاب في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، في مقابلة لـDW : "يمكن لمسببات الضغط في سنوات الحياة المبكرة أن تسبب تشوهات محددة في التطور وفي وظائف الدوائر العصبية في مرحلة البلوغ، خاصة تلك التي تتعلق باستجابات التوتر".
وأوضح أناكر أن الصدمة في مرحلة الطفولة المبكرة تغير استجابات التوتر والخوف في اللوزة الدماغية، مما "يهيئ" الدماغ ليصبح أكثر عرضة للإجهاد في مرحلة البلوغ. وأضاف أن هورمونات الضغط غالبا ما يتم إفرازها بشكل أكثر تكرارا ردا على مسببات الضغط، بين الأشخاص الذين عانوا من الشدائد في مرحلة الطفولة مقارنة بأولئك الذين لم يعانوا.
ويواجه هؤلاء الأطفال خطراً متزايداً للإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب ومرض ألزهايمر في وقت لاحق. وعلى الرغم من أن اضطراب ما بعد الصدمة خطر يعاني منه الكبار والصغار على حد السواء، إلا أن "دماغ البالغ بشكل عام أكثر مرونة في مواجهة الضغوطات".
مناطق ينقصها الدعم
يمر الدماغ في مرحلة الطفولة بما يسمى "المراحل الحساسة للنمو". وفي هذا الإطار قال أناكر إن "الإفراط في التحفيز الناتج عن الحزن الشديد أو القلق الشديد من التعرض للقصف أو فقدان الأحباء، والافتقار إلى التحفيز الاجتماعي والعاطفي يمكن أن يؤدي إلى إعادة توصيل الدماغ بشكل جوهري" ويضيف أنه "لا توجد طرق ناجعة لعكس آثار صدمات الطفولة عندما نصبح بالغين".
لذلك فمن المهم جداً تقليل تعرض الأطفال لعوامل الضغط عندما يكونون في هذه الفترة الحساسة من النمو. وقال جيمس إن اليونيسف تعمل على الحد من الآثار طويلة المدى لضغوطات الحياة المبكرة على الأطفال الذين ينشأون في أوكرانيا.
ويضيف جيمس أن "بعض التدخلات التي نقوم بها بسيطة، مثل ضمان تواصل الأطفال مع أحبائهم وخلق مساحات آمنة للمساعدة في التعامل مع الحزن والانفصال". كذلك يتم تقديم هذا الدعم النفسي والاجتماعي لمقدمي الرعاية حتى يتمكنوا من العمل كقدوة للأطفال. لكن الأطفال الذين يعيشون في قلب النزاع في مناطق أخرى، لا يحصلون على نفس الدعم، حسبما قال المتحدث باسم اليونيسف جو إنجليش لـDW.
وأوضح إنجليش أن "أعمال حماية الأطفال في الأزمات الإنسانية تعاني من نقص التمويل بشكل خطير ومزمن". فبينما توجد بيانات متعلقة بالأطفال والأسر الأوكرانية وهي متاحة بشكل كبير، فإن مناطق الحرب الأخرى في العالم بما في ذلك غزة واليمن وجنوب السودان تعد مناطق مهملة، ولا توجد أي بيانات موثوقة من هناك.
أعدته للعربية: سمر كرم