الحرب بين إسرائيل وحماس - الأطفال يدفعون الثمن الأكبر
٢١ نوفمبر ٢٠٢٣في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعلى وقع هجوم حماس المباغت على إسرائيل، لم يجرِ استثناء الأطفال والصغار من القتل والخطف.
وفي ذلك، قدم مسلح قُبض عليه، رواية مروعة للسلطات الإسرائيلية، عمّا حدث خلال الهجوم قائلا: "سمعنا أطفالا يبكون من داخل إحدى الغرف الآمنة. قمنا بإطلاق النار على الغرفة حتى ساد الصمت".
وحركة حماس التي هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية، تحتجز 38 طفلا ومراهقا كرهائن فيما قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن أصغر الرهائن طفل لم يتجاوز عمره تسعة أشهر.
وأفادت وزارة الرفاه والضمان الاجتماعي في إسرائيل بأن هجوم حماس تسبب في تيتيم 21 طفلا من بينهم 16 طفلا قُتل والداهم واثنان لأمهات عازبات قُتلن وثلاثة آخرون فقدوا الأب أو الأم، فيما جرى خطف الأخير أو أُدرج اسمه على قائمة "المفقودين".
أطفال جنوب إسرائيل
وأدى الهجوم إلى تحمل الأطفال الذين يعيشون في جنوب إسرائيل أعباء نفسية صعبة، وفقا لما ذكرته سابير فيشر- ترغمان وهي أم لطفلين وتعيش في مدينة عسقلان الساحلية قرب غلاف غزة.
وتروي سابير، وهي مجندة سابقة في الجيش الإسرائيلي، كيف تغير سلوك طفليها منذ بدء الحرب، مضيفة: "لاحظنا أن أحد الطفلين بات أكثر عدوانية وقليل الصبر رغم مساعينا لبقاء الطفلين بعيدا عن أخبار الحرب".
وفي السياق ذاته، قالت أسر إسرائيلية إن أطفالها لا تستطيع النوم بسبب الخوف إذ ذكرت أم أن طفلتها البالغة من العمر 8 سنوات والتي كُتب لها النجاة من الهجوم، باتت لا تنام إلا تحت السرير بسبب حالة الرعب التي تسودها.
وأقرت فيشر أنه بات من الصعب "البقاء في المنزل طوال الوقت، لكن لا يوجد خيار آخر فلا مناطق آمنة تكفل لنا الحماية من الصواريخ سواء في الشوارع او قرب الملاعب في عسقلان".
لكن يبدو أن قصة الصبية الإسرائيلية ليٍل هتسروني ستكون عالقة في أذهان الإسرائيليين في قادم الأيام، إذ قامت عائلتها بدفن بعض أغراضها الشخصية مثل ملابسها وألعابها المفضلة بدلا من أن يوارى الثرى جثمانها، وذلك رغم عدم تأكيد وفاتها رسميا.
ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أحد أقاربها قوله: "لم ينج أحد من المكان الذي كانت فيه. باعتبارنا عائلة علمانية، ليس من المهم بالنسبة لنا أن ننتظر التأكيد الرسمي".
وأضاف أنه بعد مرور أكثر من 40 يوما على الهجوم، لم يتم التعرف على جثتها بعد.
غزة اليوم "جحيم حي"
قبل أيام قليلة، فرت الغزاوية هند وشاح وزوجها وأطفالها الثلاثة من منطقة شمال قطاع غزة التي تتعرض لقصف إسرائيلي مكثف وقتال عنيف بين جنود إسرائيليين ومسلحين فلسطينيين. وقالت هند إن ابنتها الكبرى - سلمى - تبلغ من العمر 11 عاما، فيما يبلغ محمد وماجد من العمر تسع وأربع سنوات على التوالي.
وفي اتصال هاتفي غير مستقر، قالت هند، التي تعيش حاليا في مدينة رفح جنوب قطاع غزة: "أصبحت حياتنا جحيما حيا نعيشه بما تحمل الكلمة من معنى. أطفالي يصرخون باستمرار وأحيانا أجد نفسي أصرخ وأبكي إلى جانبهم. أصبح الخوف من الموت يخيم علينا في كل لحظة".
وأضافت هند أنه خلال الأسبوع الأخير من تواجد الأسرة في منزلها بشمال غزة، "اضطرنا إلى تقنين ما تبقى من المياه وغذاء. أطفالي هم أغلى شيء في حياتي".
وبنبرة يعتصرها الأسى والمرارة، روت هند كيف أصبح حال طفلتها الكبرى، قائلة: "تسألني سلمى في كثير من الأحيان عمّا سيحدث إذا ماتت؟ وتقول لي: ماذا سيحدث لأغراضي؟ هل سترافقني إلى الجنة؟"
وقالت هند إنها لم تعد قادرة على توفير الشعور بالأمان لأطفالها، مضيفة: "لقد تحملوا شهرا ساده الرعب والخوف وسوف يظل ذلك عالقا في ذاكرتهم. نشكر الله أننا مازلنا على قيد الحياة وأن أطفالي في مأمن. ندعو الله أن يأتي من ينقذنا من هذا الجحيم ويعيدنا إلى بيتنا المدمر".
غزة.. "مقبرة للأطفال"
وينطبق حال هند على كثيرين داخل قطاع غزة، إذ ذكرت وزارة الصحة التابعة لحماس أنه جرى قتل أكثر من 4600 طفل، فيما أصيب قرابة 9 آلاف أخرين. ولم يتم التحقق من هذه الحصيلة من مصدر مستقل.
ويبدو أن الأطفال ليسوا وحدهم من يتحملون العبء الأكبر من الصراع الدائر إذ إن الشباب يعانون أيضا الأمرين.
يشار إلى أن مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني قال إن قرابة نصف سكان القطاع - البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة - تقل أعمارهم عن 18 عاما، فيما قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إن الحرب قد أدت إلى تشريد قرابة 1.5 مليون من سكان غزة، من بينهم ما لا يقل عن 700 ألف طفل.
وفيما يتعلق بأوساط الشباب في غزة، فقد اعتاد صغار السن في القطاع العيش وسط الصعاب والتصعيد العسكري، فمنذ عام 2007، يخضع القطاع لحصار بري وبحري مشدد من قبل إسرائيل وجزئيا من قبل مصر، عقب استيلاء حماس على القطاع.
وعلى مدى سنوات، تفرض إسرائيل قيودا صارمة على تنقل الأفراد والبضائع داخل القطاع وخارجه مما أدى إلى عزله فعليا عن باقي دول العالم، فيما يقول كثير من الشباب في غزة إن هذه هي الحرب الخامسة التي يعيشونها.
السيناريو الأسوأ
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد دق ناقوس الخطر إزاء مصير أطفال غزة قائلا: "غزة أصبحت مقبرة للأطفال. التقارير تتحدث عن أن المئات من الفتيات والفتيان يُقتلون أو يُصابون كل يوم".
وعقب تفقدها قطاع غزة الأسبوع الماضي، أصدرت المديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل بيانا حمل تحذيرا مفاده: "ترتكب أطراف النزاع انتهاكات جسيمة ضد الأطفال؛ وتشمل هذه الانتهاكات القتل والتشويه والاختطاف والهجمات على المدارس والمستشفيات ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وهي أمور تدينها كلَّها اليونيسف".
وتابعت أن الكثير من الأطفال باتوا في عداد المفقودين، فيما يعتقد أنهم "مدفونون تحت الأنقاض"، مضيفة هذه هي "النتيجة المأساوية لاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة. وفي الوقت نفسه، فإن أطفالا حديثي الولادة، ممن يحتاجون إلى رعاية متخصصة توفوا في أحد مستشفيات غزة بسبب نفاد الكهرباء والامدادات الطبية".
ومع دخول الحرب أسبوعها السابع، بات على سكان غزة تدبير أمورهم بأنفسهم في ظل نقص المساعدات، إذ مازالت إسرائيل تغلق معابرها الحدودية مع غزة منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول.
وبالنسبة لمعبر رفح الحدودي مع مصر، فإنه يمر من خلاله عدد قليل فقط من الشاحنات المحملة بالمساعدات الدولية من الجانب المصري إلى القطاع. ومعظم الفلسطينيين محاصرون في هذا الجيب الصغير.
وفي ظل ذلك، باتت رانيا مشتهى قلقة حيال تداعيات الحرب على أطفالها ليثقل ذلك كاهلها المثقل فعليا بكيفية تمكنها من سد رمق أطفالها.
وفي مقابلة مع DW عبر الهاتف، قالت رانيا، الأم البالغة من العمر 46 عاماً: "لا يستطيع الأطفال الذهاب إلى المدرسة أو مقابلة الأصدقاء أو حتى تصفح الإنترنت، فهو أمر غير متوفر. الأطفال هم الأكثر تضررا من الحرب، حيث يفقدون طفولتهم ومظاهر الحياة المألوفة وباتوا يعيشون في خوف دائم وسط مشاهد مرعبة". وأضافت أن أطفالها لا يستطيعون النوم إلا إذا كانوا بالقرب من والديهم.
وأوضحت أن أسرتها المكونة من سبعة أفراد كانت تسكن في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة، لكنها اضطرت إلى النزوح مرتين منذ بدء الحرب لتعيش في الوقت الراهن مع بعض الأقارب في دير البلح جنوب قطاع غزة.
وقالت "عندما نسمع الأخبار في الراديو، تسألني ابنتي الكبرى رنا هذا السؤال: هل سنواجه هذا المصير أيضًا؟ لا أريد أن أموت". وتضيف رانيا: "من الصعب أن أبعث أي شعور بالطمأنينة في نفسها لأنها ترى الخوف في عيني وتشاهدني أبكي بسبب القصف والخوف وتدهور الأوضاع".
وتابعت لـDW: "يسألني طفلي الصغير كثيرا لماذا هذه الحرب مختلفة ومتى ستنتهي؟ في الواقع لا أستطيع الجواب، لكن يحدوني الأمل في أن ينتهي الأمر قريبا".
تانيا كريمر وفيليكس تمسوت و حازم بعلوشة / م. ع