كنس ومتاحف - شواهد على ثقافة يهودية في فاس المغربية
١٠ مارس ٢٠١٤يعود تاريخ تواجد اليهود في المغرب إلى أكثر من ألفي عام. وإلى حدود خمسينات القرن الماضي كان نحو 250 ألف يهودي يعيش في المغرب. أما اليوم فلا يتجاوز عدد الطائفة اليهودية ثلاثة آلاف شخص يتوزعون على مدن مثل فاس ومراكش والرباط والدار البيضاء. DW عربية زارت مدينة فاس حيث تتواجد بعض الكنائس والمعالم التاريخية اليهودية.
ومن بينها حي الملاح، وهو الفضاء الرئيسي الذي تم تخصيصه لسكن الطائفة اليهودية في مدينة فاس، الواقعة شمالي المغرب. وكان ذلك في سنة 1267 في عهد السلطان المريني أبو يوسف يعقوب. وتعود تسمية "الملاح" إلى كلمة ملح لأن ساحة الحي - كما تقول روايات منقولة - كانت عبارة عن سوق لتجارة الملح، الذي كان يتم استخراجه من الجبال المجاورة. وكانت للملح آنذاك أهميته كبيرة في حفظ بعض المواد والمنتوجات الزراعية.
حي اليهود في جوار قصر السلطان
وعندما يجوب المرء "حي الملاح" بدروبه الضيقة وأزقته الملتوية تطالعه منازل عتيقة بشرفات ونقوش فنية على الخشب والجبس والسيراميك بالإضافة إلى متاجر صغيرة وروائح وألوان لتغوص بالزائر في أجواء شرقية من قديم الزمان.
وفي بداية القرن العشرين كانت توجد في فاس عشرة كُنس يهودية، أربعة منها تميزت بشكل خاص على غرار كنيس "ابن دنان" و"صلاة الفاسيين" و"مانصانو" وكنيس "أمها بانيم" (أي أم البنين). وكلها تتواجد بالقرب من "المقبرة اليهودية" بالإضافة إلى متحف صغير أسسته يهوديات من مدينة فاس عام 1928.
وقد شُيّد كنيس "ابن دنان" في القرن 17 على يد أحبار آل دنان، وقد خضع لعملية إصلاح وترميم بمبادرة من "الطائفة اليهودية في المغرب". وجرى افتتاحه رسميا سنة 1999. كما يعتبر كنيس "ابن دنان" الأول الذي تعلنه وزارة الثقافة المغربية عام 2002 معلما تاريخيا.
دعم ألماني لترميم "صلاة الفاسيين"
وفي زقاق يحمل اسم "درب الفاسيين"، يوجد كنيس "صلاة الفاسيين" ويعرف أيضا ب"بيعة يهود فاس" المعروفين باسم "طوشابيم"، وهم اليهود الذين طردوا من الأندلس واستقروا في مدينة فاس بداية من عام 1492. وقد شيد أيضا في القرن 17 على مساحة 170 متر مربع. بيد أنه تعرض للإهمال لفترة طويلة قبل أن يتم ترميمه بمبادرة من "الطائفة اليهودية في المغرب" ودعم مالي من الحكومة الألمانية من خلال البرنامج الثقافي لوزارة الشؤون الخارجية وقدره 150 ألف يورو. وقد استغرقت عملية الترميم والإصلاح عامين، ليتم افتتاح "صلاة الفاسيين" في 13 فبراير/شباط 2013 تحت رعاية ملك المغرب وبحضور رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران ورئيس البرلمان الألماني نوربارت لامارت وعدد من الشخصيات المغربية واليهودية.
وعن الدور الألماني في دعم عملية ترميم "صلاة الفاسيين" يقول رالف لوريش، مستشار الشؤون الثقافية في سفارة ألمانيا بالرباط، في حديث مع DW عربية: "ألمانيا ستبقي على انخراطها أيضا مستقبلا من خلال المساهمة في ترميم معلم يهودي آخر هو كنيس سيمون أتياس في مدينة الصويرة". وهو ما يشيد به أرموند غيغي، رئيس الطائفة اليهودية بفاس، بالقول: "الحكومة الألمانية استجابت برحابة صدر لطلب المشاركة في ترميم الكنيس."
تعايش بين اليهود والمسلمين منذ قديم الزمن
وحول تعايش اليهود مع المسلمين في المغرب، فيقول غيغي: "هو تعايش منذ تاريخ قديم، وقد كان فلاسفة وعلماء من العرب واليهود وفيهم مايمونيد، الذي درس في فترة بجامعة القرويين هنا بفاس، يتحاورون مع بعضهم البعض. كل يدافع عن أطروحته مع احترام تام لرأي الآخر وحريته."
من جهته، يرى محمد ( 27 سنة)، وهو شاب مغربي من فاس أن تاريخ المسلمين واليهود في المغرب مشترك، بحيث يقول: " اليهود كانوا يعيشون وسط الأسر المغربية المسلمة، قبل أن تأتي ظروف ساهمت في التفرقة. فيما يؤكد علي، وهو مغربي مسلم في الأربعينات من العمر، ويعمل مساعدا في "مركز مايمونيد" التابع للطائفة اليهودية في مدينة فاس، قائلا: علاقتي باليهود طيبة وتزيد عن عشرين سنة، والدي أيضا اشتغل معهم." لكنه يعبر في الوقت نفسه عن أسفه قائلا: "لكن عددهم اليوم في المدينة أصبح قليلا."