كردستان العراق - من الازدهار إلى حافة الإفلاس!
٢١ فبراير ٢٠١٦حكومة إقليم كردستان العراق لا تستطيع دفع رواتب قسم كبير من موظفيها منذ أشهر، ما أدى إلى حركة احتجاجات واسعة على ذلك منذ أسابيع. غير أن المشكلة لا تقتصر على تقليص الرواتب وعدم دفع الكثير منها وحسب، فهي تشمل أيضاً ركود وتوقف الأعمال في مختلف القطاعات وهروب كبير لرؤوس أموال واستثمارات. وكالة الصحافة الفرنسية نقلت عن هفال أبو بكر، رئيس مجلس محافظة السليمانية، تحذيره من أن الوضع "يتدهور وبدأ بالخروج عن السيطرة".
طفرة استثمارية أم استهلاكية؟
يبدو خبر كهذا غريباً بعض الشيء، لاسيما وأن الإقليم شهد بين عامي 2004 و2014 طفرة اقتصادية غيرت معالمه العمرانية وجعلت منه محط أنظار عالم المال والأعمال لعقد من الزمن. ووصل تفاؤل بعض المراقبين والمحللين إلى وصف ما يجري هناك بـمعجزة اقتصادية تنبئ بتحول الإقليم إلى "هونغ كونغ الشرق الأوسط". لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن لإقليم يشهد مثل هذه الطفرة أن يواجه خلال أقل من سنتين أزمة خانقة تجعله عاجزاً عن دفع رواتب موظفيه؟
ما يزال الإقليم، مثله مثل العراق ككل، يعتمد في إيراداته على الصادرات النفطية بشكل شبه كامل. وتذهب التقديرات إلى أنه يصدر يوميا 600 إلى 700 ألف برميل عبر ميناء جيهان التركي. ومع تدهور أسعار النفط بنسبة أكثر من 70 في المائة، تراجعت الإيرادات السنوية إلى نحو أربعة مليارات دولار. وتبلغ حصة الإقليم، الذي يقدر عدد سكانه بنحو 4 ملايين نسمة، من الموازنة العامة العراقية 17 في المائة، مع أن تحويلات بغداد لحكومة الإقليم مجمدة منذ الصيف الماضي لأن الحكومة العراقية تعتبر مبيعات الإقليم من النفط غير شرعية كونها لا تتم تحت إشرافها.
أما الطفرة الاقتصادية التي تم من خلالها استثمار عشرات المليارات من الدولارات، فقد ركزت على العقارات وبعض قطاعات البنية التحتية، في وقت لم تحتل فيه القطاعات الإنتاجية، الزراعية منها والصناعية أو الحرفية، أهمية تذكر. وهكذا تحول الإقليم إلى سوق استهلاكية لمنتجات دول أبرزها تركيا وإيران والصين. وتعد تركيا، إلى جانب إيران والصين، أهم ثلاثة شركاء له، إذ تقدر حصة كل منها في سوقه بما لا يقل عن 30 في المائة. ويستورد الإقليم ما يزيد على 95 في المائة من سلعه الاستهلاكية من الخارج.
احتكار المصالح والفساد
في هذا السياق، يرى أحمد رشيد، النائب الكردي ومقرر اللجنة المالية لبرلمان العراق، أن أزمة الإقليم مرتبطة بشكل وثيق بنظامه الإداري، مع أنها أيضاً جزء من أزمة سياسية واقتصادية يعاني منها العراق ككل. ومنذ خروج الإقليم عن سلطة الحكومة المركزية في بغداد قبل ربع قرن، يتولى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، الذي يرأس الإقليم أيضاً، وحليفه الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، احتكار إدارة الإقليم سياسياً واقتصادياً دون شركاء آخرين منافسين.
وفي حديث مع DW عربية، يرى رشيد أن الحزبين "يسيطران على مفاصل النشاط الاقتصادي بشكل يقوم على فساد مالي وإداري واسع النطاق، ما أدى إلى غياب الفرص للكفاءات وتنمية الموارد المحلية بشكل يقوم على الجدوى والكفاءة". وإذا لم يكن الأمر كذلك، يتساءل رشيد: "أين ذهبت إيرادات الإقليم من مبيعات النفط وتحويلات الحكومة المركزية والرسوم الجمركية؟" ويقدر رشيد حجم هذه الإيرادات بنحو 211 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2004 و2104، مع أن القسم الأكبر منها مصدره تحويلات الحكومة في بغداد.
هل الاستقلال عن بغداد أفضل؟
يعاني إقليم كردستان حالياً من أزمة سياسية داخلية على ضوء بروز معارضة قوية لنظام الحكم الحالي بزعامة برزاني. كما أن هناك خلافات سياسية مع الحكومة المركزية، إضافة إلى تحديات أمنية تتعلق بمواجهة الإرهاب ولجوء مئات الآلاف من سوريا ومناطق وسط وغرب العراق إلى مناطق الإقليم هرباً من الحرب. كل هذه العوامل تزيد من حدة الأزمة الاقتصادية التي يبدو تجاوزها أكبر من قدرة الإقليم. لذلك، هنالك تساؤلات حول ما إذا كانت الدعوات إلى استقلاله بشكل كامل عن العراق في محلها، لاسيما وأن الطفرة الاقتصادية عمقت الفوارق الاجتماعية ولم تقض على الفقر والبطالة التي تصيب الشباب بنسبة 40 في المائة.
ويرى خبير الشؤون السياسية والمتحدث باسم حركة التغيير المعارضة في البرلمان الكردي، رَوَز هلكوت، أن "مقومات الإقليم لا تسمح حالياً باستقلاله، مع أن الدولة المستقلة حلم كل كردي". ويتفق أحمد رشيد من جهته مع هذا الرأي، إلا أنه يعتبر أن الإقليم يتمتع بثروات زراعية وسياحية وبشرية تؤهله للاستقلال مستقبلاً شريطة توفر إدارة رشيدة وشفافة في استغلال الموارد واستثمارها على أساس علاقات حسنة مع بغداد ومع دول الجوار بشكل خاص، لاسيما تركيا وإيران.
غير أنه، وبعيداً عن وجهات نظر كهذه، فإن خبرات الكثير من الدول التي نجحت في تحقيق نهضة اقتصادية مستدامة تشير إلى أن الأسواق الصغيرة ليست جاذبة للشركات والبنوك العالمية. كما أن السياحة لا ينبغي التعويل عليها بسبب المنافسة العالمية الشديدة وحساسية هذه القطاع في منقطة تعج بالأزمات.