مسعود برزاني.. سيطرة عائلية وطموحات رئاسية سلطوية؟
١٦ أكتوبر ٢٠١٥بدأ الخلاف حول شكل السلطة في إقليم كردستان العراق يظهر على السطح بعد أكثر من عقد على تولي رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود برزاني رئاسة الإقليم. والأسباب كثيرة حول الخلافات القائمة بين الأحزاب السياسية الخمسة المنضوية تحت قبة البرلمان الكردستاني وهي أحزاب الاتحاد الوطني الكردستاني، كتلة التغيير، الجماعة الإسلامية والاتحاد الإسلامي. بيد أن أهم الخلافات تدور حول طريقة انتخاب رئيس الإقليم ورحيله من بقاءه.
التصعيد وصل إلى حد أن عزل رئيس وزراء إقليم كردستان العراق نجيرفان برزاني (وهو ابن شقيق مسعود برزاني) أربعة من أعضاء حكومته يوم الاثنين الماضي، كلهم من كتلة التغيير (كوران). ومنعت قوات الأمن الموالية للحزب الديمقراطي الكردستاني رئيس برلمان الإقليم يوسف محمد - أيضا من كتلة التغيير- من دخول أربيل، ما دفع الأخير لوصف ما حدث بأنه "انقلاب". الناشط في حركة التغيير روّاز هلكوت وصف هو الآخر منع رئيس البرلمان بالقول لـ DWعربية: "الأخطر من إقالة وزراء التغییر، هو عدم السماح لرئیس برلمان کردستان (السید یوسف محمد) بدخول مدینة أربیل، حیث تم إيقاف سیارته فی سیطرة وإجباره على الرجوع إلى السلیمانیة، فقد تم حشد قوة عسكرية کبیرة تابعة للحزب الدیمقراطي للقیام بهذه العملية، التي نعتبرها بمثابة انقلاب عسکري علی مؤسسة شرعیة". (وأعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني فض الشراكة السياسية مع حركة التغيير على خلفية الأحداث والاحتجاجات التي اندلعت مؤخرا في بعض المناطق التابعة لمحافظتي السليمانية وحلبجة وأدت إلى مقتل وإصابة عدد من أعضائه وحرق عدد من مقراته).
ويثير محاولة التمديد لبرزاني في الحكم الأحزاب الكردية الأخرى، ويصف الناشط روّاز هلكوت الوضع في كردستان العراق بالقول "نظام الحكم داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني هو نظام رئاسي قبلي من عائلة واحدة. أي أن البرزانيين يحكمون الحزب الديمقراطي". ويضيف: "نحن في حركة التغيير ليس لدينا مشكلة، هذا شأن داخلي للحزب الديمقراطي، لكننا لن نقبل أن يتغير الحكم الديمقراطي التعددي في كردستان العراق إلى نموذج سعودي أو خليجي أو أسري، نريد حكم ديمقراطي تعددي برلماني، البرلمان فيه المرجع الأساسي. لكن للأسف هذا ما لا يريده السيد برزاني وحزبه".
"الديمقراطي الكردستاني يناقض نفسه"
رئيس الإقليم مسعود برزاني انتخب لفترتين متتاليتين لثمانية أعوام، ثم مددت له فترة توليه سدة الرئاسة لعامين، وانتهت ولايته كرئيس للإقليم قانونيا يوم 19 آب/ أغسطس الماضي. توضيحا لهذه الإشكالية التي دفعت إلى التصعيد بين الأحزاب الأربعة والحزب الديمقراطي الكردستاني يقول روّاز هلكوت لـ DWعربية :"لم تكن هناك أي مشكلة بين الحكومة وحركة التغيير إلى أن طلبت كتلة التغيير تبديل أو سن قانون جديد لتحديد صلاحيات رئيس الإقليم". ويشير روّاز إلى أن الحركة طالبت من تحت قبة البرلمان "بتغيير نظام الحكم في كردستان العراق من نظام رئاسي برلماني إلى نظام برلماني رئاسي. يكون فيها الرئيس بصلاحيات محدودة ويمكن مسائلته من قبل البرلمان". ويؤكد على أن الحركة ليس لها أي مشكلة مع شخص برزاني نفسه، بل مع آلية انتخاب الرئيس.
بيد أن المستشار الإعلامي لمكتب رئيس إقليم كردستان العراق كفاح محمود صب اللوم على الأحزاب الأخرى وخاصة كتلة التغيير بدلا من الحزب الديمقراطي الكردستاني. إذ يقول لـ DWعربية :"الرئيس برزاني انتهت ولايته في 19 آب/ أغسطس الماضي، وقبل هذا الموعد اجتمع مع الفعاليات السياسية وفي مقدمتهم جماعة كوران (كتلة التغيير)، أبلغهم أن عليهم أن يجدوا مرشحا لرئاسة الإقليم. وتعديل قانون رئاسة الإقليم".
الأمر الذي لم ينفه روّاز هلكوت لكنه شكك في قانونية طلب الرئيس ذلك. فالحزب الديمقراطي الكردستاني يصر على انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب الكردي في العراق، فيما تعارضه الأحزاب الأخرى ويوضح الإشكالية القانونية، قائلا: "برلمان كردستان له صفة خاصة، فهو برلمان ضمن العراق الموحد. هناك فقرة في الدستور العراقي، الذي شارك أعضاء من الحزب الديمقراطي الكردستاني بكتابته، تنص على أنه لا يجوز سن أي قانون يتعارض مع الدستور العراقي".
ولكن ما الذي يعارض الدستور العراقي؟ روّاز يوضح "نظام الحكم في العراق نظام برلماني، الرئيس يلعب فيه دورا شرفيا والحكم لرئيس الوزراء"، مشيرا إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يناقض نفسه، فهو يطلب من بغداد حكما لا مركزيا فيدراليا، "بينما يتمسك بحكم رئاسي ينتخب فيه رئيس إقليم كردستان من الشعب بسلطات مركزية".
دستوريا وعلى نطاق عالمي تكون سلطة الرئيس المنتخب مباشرة من الشعب أكبر من سلطته لو انتخب من البرلمان ضمن توافقات سياسية بين الأحزاب الفائزة بمقاعد البرلمان. المستشار الإعلامي لرئاسة إقليم كردستان السيد كفاح محمود ينتقد هذه الخطوة موضحا أن الحزب الديمقراطي يطالب بانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة. لأن انتخابه "في البرلمان سيكون صفقة سياسية، كالصفقة التي جعلت من يوسف محمد رئيسا للبرلمان دون استحقاقه!"، حسب قول المستشار الإعلامي.
الحرب على داعش
جبهة الرئيس المنتهية ولايته تتحجج بالحرب مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، سببا في بقاء الرئيس مسعود برزاني في السلطة حتى بعد انتهاء صلاحياته. فكردستان "بجاحة لرئيس قوي"، حسب قول السيد كفاح محمود. بعكسه ينفي روّاز هلكوت هذه الحجة لأن الحرب مع داعش مر عليها أكثر من عام ويستغرب الفكرة بالقول إن "أحد الوزراء المقالين من الحكومة من حركة التغيير وهو السيد مصطفى سيد قادر، هو وزير البيشمركة". ويتساءل :"كيف تحارب داعش وتقيل وزير البيشمركة؟".
حركة التغيير تعتبر إقالة الوزراء خطوة غير قانونية وغير إدارية وأن القرار اتخذ من قبل المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني وليس من قبل رئاسة الوزراء. روّاز يوضح أنها "خطوة سيئة جدا نحو اللاديمقراطية ونعتبرها خطرا كبيرا على أمن كردستان والمنطقة ونحن في حرب مع داعش".
وفي خضم الصراع حول قانونية وعدم قانونية أو آلية انتخاب الرئيس في إقليم كردستان الذي يعتبر واحة للاستقرار في منطقة تعصف بها أخطار الإرهاب والصراعات، يشير خروج عدد كبير من المتظاهرين في السليمانية ومهاجمتهم مقار الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى أن الجيل الجديد من شباب كردستان يريد تغييرا حقيقيا في شكل السلطة. كل ذلك يحدث في ظل حرب على داعش وجمود أصاب الاقتصاد في الإقليم متزامن مع تأخر دفع رواتب موظفي الدوائر الحكومية. (وقالت واشنطن بوست إن ما يعزز الاضطراب السياسي في كردستان هو تعرض حكومة الإقليم لصعوبات اقتصادية جعلتها تفقد القدرة على دفع رواتب الموظفين لشهور، وذلك بسبب نزاع مع الحكومة المركزية في بغداد حول حصة الإقليم من الميزانية الفيدرالية).
ولعقود كان الحزبان الرئيسان في كردستان العراق؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة برزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة الرئيس العراقي السابق السيد جلال طالباني يحكمان المشهد السياسي في الإقليم. بيد أن الأمر تغير تماما مع ظهور أحزاب أخرى منها التغيير. رئيس كتلة التغيير في مجلس النواب هوشيار عبد الله اتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني بـ"كبت" المواطنين في أربيل من خلال وضع "أجهزة بوليسية"، محذرا من كارثة" قد يجلبها النظام الرئاسي إلى الإقليم.