كرة القدم تُنسي الهموم وتُقرب المسافات
١٣ يوليو ٢٠١٠بطولة كأس العالم ليست كغيرها من الأحداث الرياضية، إذ يحظى هذا العرس الكروي الذي يقام مرة كل أربع سنوات باهتمام جماهيري منقطع النظير، يفوق الاهتمام بالألعاب الأولمبية الحدث الأم لهذه البطولة. وتؤكد الاحتفالات الكرنفالية التي تميز هذه الفترة، والتي يقوم بها مشجعو المنتخبات عقب كل مباراة،على الشعبية الكبيرة التي تحظى بها سيدة الرياضات "كرة القدم".
فما أن يبدأ هذا الحدث العالمي إلا وتحل أحداث البطولة كضيف شرف على الموائد الحوارية، وتصبح العروض الكروية الحديث الأكثر تداولا بين الناس. وتعد لحظات السعادة التي يعيشها الملايين في لحظة واحدة مع كل هدف يحرزه منتخبهم المفضل دليلا واضحا على دور كرة القدم في تجاوز الحواجز التي تفرق بين الكثير من الشعوب، فهل أصبحت الساحرة المستديرة هي المتنفس الوحيد لهمومنا اليومية ومشاكلنا السياسية؟
"اللعب النظيف يرطب الأجواء"
يجيب الدكتور فيشر أستاذ علم النفس في جامعة بون على هذا التساؤل في حديث له مع دويتشه فيله قائلاً "لم تعد متابعة أحداث بطولة كأس العالم مقتصرة على فئة معينة من المجتمع، بل باتت مؤخراً تجذب الأطفال والفتيات حتى أولئك الذين لا يعرفون كثيرا عن هذه الرياضة، ما يدل على أن كرة القدم أصبحت وسيلة مهمة للترفيه بعيدا عن هموم الحياة اليومية ومشاكلها".
وتوافق حليمة وهي صحفية مغربية الدكتور فيشر رأيه، وترى أن تنظيم هذه البطولة له دور مهم أيضاً في تعريف الشعوب على بعضها البعض، كما أنها تساهم في خلق العلاقات الودية فيما بينهم حسب ما أكدت في حديثها مع دويتشه فيله "تساهم المبارايات القائمة على اللعب النظيف في ترطيب الأجواء بين الشعوب حتى وإن كانت هناك صراعات سياسية فيما بينهم". وتذكر حليمة العلاقات السياسية المتوترة بين المغرب والجزائر مثالاً على ذلك قائلة "توجد مشاكل سياسية بين البلدين ولكن مشاركة المنتخب الجزائري في بطولة كأس العالم لهذا العام دفعنا لأن ننسى هذه المشاكل ونشجع المنتخب الجزائري كما لو كان منتخبنا المغربي هو المشارك في المونديال".
لكل قاعدة استثناءات
لكن من جانب أخر ترى حليمة أن بعض المقابلات الكروية قد تفسد جو الود بين الشعوب، مثل المقابلة الكروية التي جمعت المنتخب المصري والجزائري في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2010، والتي كانت سبباً في إفساد العلاقة بين الشعبين على حد قول حليمة التي تابعت قائلة "أهم ما يميز كرة القدم هو تقبل الهزيمة بروح رياضية وهذا ما نراه تماما لدى تبادل اللاعبين القمصان في نهاية المباراة".
وأما في لبنان فيشبه محمد الصحفي في جريدة السفير المنتخبات المشاركة في كأس العالم بالأحزاب السياسية، إذ تنقسم لبنان في فترة المونديال إلى أحزاب منوعة تابعة للمنتخبات المشاركة "تضم أتباعا لأحزاب سياسية مختلفة ومن طوائف دينية متنوعة". ويشير محمد إلى أن حزبي ألمانيا والبرازيل هم من أكثر الأحزاب استقطابا للجمهور اللبناني، إذ وصلت نسبة المشاركين فيهم إلى 70 بالمئة، ويعزو محمد سبب إقبال اللبنانيين على تشجيع منتخبات النخبة كوسيلة للهروب من فشل العالم العربي في الوصول إلى مراحل متقدمة في هذا المجال. ويقول محمد "كرة القدم هي مرآة المجتمع، ويصعب على عالمنا العربي مضاهاة الدول العظمى ليس على المستوي السياسي والاقتصادي فحسب بل على المستوى الكروي أيضا".
بين بلد الأم وبلد الأصل
ويتفق فيصل مع حليمة في أن التعامل بروح جماعية واحترام الآخرين والتسامح من أهم القيم التي تميز كرة القدم، ويبدي إعجابه بالمنتخب الألماني الذي ضم 11 لاعباً من أصول أجنبية، وتمكن من رسم صورة جميلة عن الاندماج في ألمانيا، حيث يقول "تميز المنتخب الألماني في هذا العام بتنوعه الثقافي، ورغم ذلك شهدنا تعاملا رائعا بين أعضاء المنتخب مبنيا على أساس الاحترام والثقة المتبادلة بين اللاعبين وهذا باعتقادي من أهم أسباب تألق المنتخب رغم صغر سنه وخبرته الحديثة".
أما معتصم فقد لمس ما قاله فيصل بنفسه، حيث تابع أحداث المونديال في ألمانيا، وهي المرة الأولى التي يتابع فيها المونديال في دولة منتخبها مشارك في البطولة. ويتذكر معتصم مشهد المشجعين في أحد المقاهي في اللقاء الذي جمع ألمانيا بالأرجنتين قائلاً " كان مشهد التضامن بين الجاليات الأجنبية مع الجمهور الألماني رائعا، إذ لم تقتصر الفرحة على الشعب الألماني فحسب بل شاركهم فيها الجمهور التركي والتونسي والبولندي وغيرهم وكأن المنتخب الألماني هو منتخب بلدهم الأم". مشهد التضامن الجميل الذي شهده معتصم دفعه للتساؤل "هل الشعور بالانتماء إلى ألمانيا آني ويزول بانتهاء المونديال؟ وماذا لو كان اللقاء بين المنتخب الألماني ومنتخب بلدهم الأم؟".
وتجيب خديجة وهي شابة تركية الأصل تعيش في مدينة كولونيا و تعشق كرة القدم قائلة "إنني أرى أن المنتخب الألماني هو منتخب بلدي الأم الذي ولدت فيه وترعرعت، أما المنتخب التركي فهو منتخب بلدي الأصل الذي تعود جذوري إليه "وتؤكد خديجة في الوقت ذاته على أن ولائها في اللقاء الذي جمع المنتخب الألماني والتركي في الدور نصف النهائي لبطولة كأس أوروبا عام 2008 "كان مرتبطاً بجودة اللعب". ويوافق أنيس وهو شاب تونسي يدرس العلوم السياسة في مدينة دسلدورف خديجة في رأيها ويقول" إنني فخور جدا بان سامي خضيرة التونسي الأصل هو أحد لاعبي المنتخب الألماني وفوز المنتخب هو فخر لتونس أيضاً".
الكاتبة: دالين صلاحية
مراجعة: هيثم عبد العظيم