كتاب: "بين البوب والجهاد. الشباب المسلم في ألمانيا"
٢٢ سبتمبر ٢٠٠٦تُقدِم يوليا جيرلاخ في كتابها مجموعةً مغايرةً من المسلمين، مجموعة لا تتوافق مع القوالب الجامدة لصورة المهاجرين المتداولة في الغالب. إنهم أولئك المولودون في الغرب، حديثو السن، الناجحون، المندمجون في المجتمع، والمتدينون للغاية، يجيد أكثرهم اللغة الألمانية أكثر مما يجيدون لغة ذويهم. ويبدو أن الحداثة والإسلام يشكلان نوعًا من التزاوج فيهم.
أسلمة موسيقى الشباب
تَعتبر يوليا جيرلاخ البوب الإسلامي "خليطًا" من طرائق الحياة. إذ يتناول مسلمو البوب الموسيقى الغربية بالفعل، وكذلك الموضة، وثقافة التلفزيون، إلا أنهم "يُؤسْلِمُونها". يأخذون منها ما يتوافق مع الإسلام، بينما لا تجد القيم "غير الإسلامية" طريقها إلى حياة مسلمي البوب. نجد جذور هذه الحركة في العالم العربي، حيث نلاحظ ميلاً للعودة للإسلام منذ سنوات. فالجيل الناشئ في المدن العربية الكبيرة، الذي يفتقد لأفقٍ ما، يبحث عن خلاصه في الإسلام. بينما تعزز القنوات الفضائية السعودية هذا التوجه وكذلك الجمعيات. ونلاحظ أنّ البوب الإسلامي هو تيار إسلامي جديد، يقف على نقيضٍ تام مع السلفية المغرقة في محافظتها.
واعظون نجوم
النجوم المحبوبة بالنسبة لحركة النشء الجديدة هذه هم الواعظون الذين يلقون التقدير على غرار نجوم البوب. الواعظ التلفزيوني المصري عمرو خالد هو أحد هؤلاء، ويُعتبر بمثابة المثل الأعلى للكثير من الشباب المسلم. وبالرغم من أنه لم يتلق تعليمًا دينيًا كلاسيكيًا، إلا أنه أحد الواعظين الأكثر جماهيريةً في العالم العربي. حيث يصل عمرو خالد من خلال القنوات الفضائية إلى ملايين المسلمين، وإلى مسلمي ألمانيا أيضًا.ويهدف عمرو خالد لإعادة إحياء الإسلام، ولأن يُخرِج النشء المسلم في العالم من محنته الوجودية. لذا يُحفِّز المسلمين على أنْ ينشطوا، وأنْ يعملوا في سبيل المجتمع والعقيدة. ويدعوهم تحت شعار "الجهاد المدني" لأنْ يحسِّنوا صورة الإسلام باسم عقيدتهم.
قد يبدو إسلام مسلمي البوب وكأنه عصري، لكنه بعيد كل البعد عن أنْ يكون ليبراليًا. بل على العكس، فهو محافظ ويعطي قيمة كبيرة للعادات المتشددة، وللفصل بين المرأة والرجل، وللحجاب. كثير من مسلمي البوب يتّبِعون أقوال الشيخ المصري يوسف القرضاوي، وهو أحد الواعظين العرب الأكثر تأثيرًا في العالم العربي. وبالرغم من أنه يُعتبَر وسطيًّا في العالم الإسلامي، إلا أنّ أقواله غالبًا ما تعتبر متطرفة من وجهة نظر غربية، كما تُبيِّن دعوته الأخيرة للجهاد ضد إسرائيل.بالرغم من ذلك، يؤكد مسلمو البوب على رفضهم لما يسمى بالتيارات السلفية، ولمفاهيم هذه التيارات التي تتسم بالتخلف وضيق الأفق. بينما يقبل مسلمو البوب بالحداثة ويريدون المشاركة فيها، لكن من خلال قيمهم الإسلامية المحافِظة فقط.
ترسم يوليا جيرلاخ صورًا شخصيةً لبعضٍ من النشء المسلم في ألمانيا مقدمةً بذلك أمثلةً عن حركة البوب الإسلامي. ومجمل الشخصيات التي تقدمها هي شخصيات متدينة، وُلِدَت وترعرعت في ألمانيا، ولكنها في ذات الآن ناجحة وناشطة في المجتمع. وتسمي يوليا جيرلاخ هذه الأقلية بـ"الطليعة الإسلامية". ولو لم يكن هؤلاء متدينين لما كان بالإمكان تمييزهم عن أقرانهم من النشء الألماني، فبوسعك أن تجد حتى موسيقى راب إسلامية. عمار على سبيل المثال، هو شاب أثيوبي اعتنق الإسلام، يغني على إيقاعات الراب عن الرسول، وعن القرآن، ويمتدح أخواته في الدين المتماشيات مع روح الحداثة على الرغم من تحجبّهن.
عصريون بلا ليبرالية
يتحدث هؤلاء في المقابلات التي أجرتها يوليا جيرلاخ معهم عن حياتهم في ألمانيا، وعن دينهم، وعن آرائهم. كلهم يعتبرون أنفسهم، شبانا وشابات، عصريين، يمثلون إسلامًا جديدًا أوروبيًا. أنا مسلم وهذا قمة العصرية، هذه هي فحوى الرسالة التي يقولون بها. يبدو وكأنّ اعتدادًا إسلاميًا جديدًا بالنفس في طور النشوء. يريد النشء المسلم تغيير صورة الإسلام في ألمانيا نحو الأفضل بعد أنْ أصابها عطب شديد بسبب الإرهاب. لذا ينشط هؤلاء لصالح المجتمع، فيقدمون دروسًا إضافيةً لمساعدة التلاميذ في حل واجباتهم المدرسية على سبيل المثال، أو يوزعون شطائر الطعام على مدمني المخدرات وعلى المشردين. إلا أنهم ليسوا ليبراليين على الرغم من إطلالتهم الواثقة غالبًا، فمسلمو البوب يضعون الإسلام فوق كل شيء، بما في ذلك الحكومة والدستور، ولا يريدون لأولادهم أنْ يشاركوا في دروس السباحة، ويعتبرون أنّ للرحلات المدرسية مردودًا سلبيًا على تلاميذ المدارس.
نعم للإندماج، لا للإنصهار
يبدو أن هناك ثقافة نشء إسلامية جديدة في طريقها للتطور، حيث لا تناقض فيها بين أنْ يكون المرء مؤمنًا متدينًا ومواطنًا صالحًا في آن. مسلمو البوب ينشطون لصالح المجتمع ويريدون المشاركة في صياغته، لكن من وجهةٍ إسلاميةٍ، كما تقول يوليا جيرلاخ. نعم للاندماج لا للانصهار، بهذا الشكل يمكننا تلخيص موقفهم. وبالرغم من أنّ الكتاب يساعد القارئ على إلقاء نظرة جيدة على أفكار النشء المسلم في ألمانيا، إلا أنّ بعض المعضلات لم تعالج. فغالبًا ما تفسح جيرلاخ مجالاً لأصوات ناقدي مسلمي البوب، إلا أنّ آراءهم قلما تجد مكانًا لها في الكتاب.
وكذلك قلما تطرح يوليا جيرلاخ أسئلةً شائكةً على النشء المسلم ممن أجرت مقابلات معهم في الكتاب. حيث تسجل أنّ مسلمي البوب يضعون الله فوق الحكومة والقانون، إلا أنّ ذلك يبقى بلا أي تعليق. تكتب يوليا جيرلاخ أنّ لحركة البوب الإسلامية فهما إسلاميا أقرب للمحافظة، إلا أنّ مدى هذه المحافظة يبقى في نهاية الأمر بلا تحديد.
بقلم إنجمار كرايزل
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2006