كارثة دارفور الإنسانية في صلب تقرير منظمة العفو الدولية
تُرتكب انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان المتقدمة والفقيرة على حد سواء. وتعد منظمة العفو الدولية (Amnesty) من أهم المنظمات النشطة في مجال الدفاع عن تلك الحقوق في العالم. لدى منظمة العفو الدولية شبكة متنوعة من الأعضاء والمؤيدين في جميع أنحاء العالم تتفاوت معتقداتهم السياسية والدينية تفاوتاً كبيراً، ولكنهم مُتحدون في تصميمهم على العمل من أجل عالم يتمتع كل فردٍ فيه بحقوقه الإنسانية. تسعى المنظمة إلى الحيلولة دون تفشي الاعتداءات على حقوق الإنسان، كما تبذل كل ما في وسعها من خلال آليات التدخل السريع لوضع حد للانتهاكات المرتكبة. ويعكف خبراء المنظمة يومياً على مراقبة وحصر وتسجيل الجرائم الإنسانية في القارات الست، لكي تصدر منظمة العفو الدولية تقريرا سنوياً ً يضم فصلاً عن كل قارة أو منطقة وباباً عن كل دولة يُرتكب بها انتهاكاً لحقوق الإنسان.
وبينما ينتظر الناشطون في مجال حقوق الإنسان تقرير المنظمة بفارغ الصبر لمعرفة ما جد في العالم من جرائم ضد الإنسانية يتنفس قادة بعض الدول الصعداء إذا خفت حدة نقد التقرير لتعاطيهم مع حقوق الإنسان في دولهم أو إذ لم تذكر حوادث معينة. وتتضمن أبواب البلدان الواردة في هذا التقرير أمثلةً عديدة على انتهاكات حقوق الإنسان التي نذرت منظمة العفو الدولية نفسها لمعارضتها بموجب صلاحياتها. ورداً على الاعتداء على حقوق الإنسان تحث المنظمة حكام جميع الدول التي تقع فيها الانتهاكات على اتخاذ خطوات ما لحل النزاعات دون اللجوء إلى الحد من حقوق الانسان. وعند الضرورة يتضمن الباب المحدد للدولة توصيات إضافية أكثر تفصيلاً تتعلق بأوضاع معينة.
ويتناول التقرير الجديد عدداً من القضايا التي توليها منظمة العفو الدولية اهتماماً أساسياً في سياق عملها مثل العنف ضد المرأة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحماية اللاجئين والمهاجرين. كما يحتفي التقرير بما حققه المناضلون من أجل حقوق الإنسان من إنجازات في هذه المجالات وغيرها. هذا العام يتضمن باب "السودان/أزمة دارفور" عناوين تبعث على الأسى على غرار "الإعدام بغير محاكمة"، " الاغتصاب تحت تهديد السلاح"، "الهجوم على مدنيين من قبل جماعات مسلحة"، "التعذيب"، "جرائم القتل في السجون" وغيرها من الجرائم النكراء. ويستند التقرير في حالات عديدة مثل " الاغتصاب تحت تهديد السلاح" إلى مقابلات أجرتها المنظمة مع لاجئات سودانيات في مخيمات اللاجئين بتشاد. ولا تزال الأوضاع في دارفور غير آمنة للأشخاص المهجرين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، والبالغ عددهم 1.86 مليون شخص. فما زال المدنيون في دارفور هدفاً للمليشيات التي تتلقى الدعم من الحكومة، أو تتغاضى الحكومة عن ما تقوم به من أفعال.
أبعاد مأساوية مازالت قائمة
في حديث خاص لموقع الدويتشه فيلله باللغة العربية صرح محمد أحمد النور من البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان بالقاهرة أن الأبعاد المأسوية لأزمة دارفور مازلت موجودة على أرض الواقع. فعدد الضحايا تلك الأزمة الإنسانية في تزايد مطرد كل يوم. وحسب بيانات النور "بلغ عدد القتلى الآن ما يفوق 600.000 قتيل. بالإضافة إلى حرق ما يقرب من 2.500 قرية في منطقة دارفور. أما عدد النازحين فيقترب من مليوني شخص، لجأ منهم 7 آلاف شخص إلى معسكرات اللاجئين في دولة تشاد المجاورة." ويندد محمد أحمد النور بإصرار الحكومة السودانية على محاكمة المتهمين المسؤلين عن اندلاع الأزمة أمام محاكم سودانية. فالبرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان يتبنى فكرة أن تتم محاكمة هؤلاء أمام محاكم خاصة. إذ أن المحاكم السودانية ليست مؤهلة للنظر في مثل هذه الجرائم على حد تعبيره.
و يري النور أن المحكمة الدولية الجنائية هي الأمثل لذلك. وقام البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان بتأسيس تحالف المنظمات الدولية من أجل دارفور والذي يضم عدداً من المنظمات الإفريقية والعربية منها المركز الإفريقي للدراسات الديموغرافية وحقوق الإنسان وشبكة المنظمات الغير الحكومية لحماية اللاجئين والجمعية الإفريقية للقانون الدولي والقانون المقارن والمنظمة السودانية لمناهضة التعذيب. ويسعى النور من خلال عمله إلى حشد عدد كبير من المنظمات لكسب التأييد بشأن محاكمة المسؤليين عن أزمة دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية.
انتهاك حقوق الناشطين
أما عن انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور فحدث ولا حرج على حد قول النور. فحتى حقوق ناشطي حقوق الإنسان في السودان منتهكة. حيث تمارس الحكومة السودانية " الضغط وعملية لي الذراع للمنظمات التي تعمل في مجال الإغاثة ومجال حقوق الإنسان". فهناك عدد لا بأس به من الناشطين الذين يتعرضون للتهديد والاعتقال. و أبرزهم الدكتور مضوى إبراهيم أدم مدير المنظمة السودانية للتنمية الاجتماعية والذي تم اعتقاله أكثر من مرة. و بالرغم من إطلاق صراحه في الـ 16 مايو/أيار لم تسقط التهم الموجهة إليه ومنها التخابر مع دول أجنبية وتصوير أماكن عسكرية.
ردود الفعل العربية بطيئة ومتباينة
أما ردود الفعل العربية إزاء قضية دارفور فقد جاءت بطيئة ومتباينة على حد قول النور، إذ "ظهر أول رد فعل حقيقي بعد صدور القرار 1593 عن مجلس الأمن والقرار القاضي بتقديم المتهمين إلى المحكمة الدولية الجنائية." بعد ذلك بدأت الجامعة العربية في شخص الأمين العام عمرو موسي بعض التحركات في المنطقة العربية لحل الأزمة. "كما دعى الرئيس المصري مبارك إلى عقد قمة بخصوص دارفور في شرم الشيخ. والقذافي إلى قمة في طرابلس للمساهمة في حل قضية دارفو مع التأكيد على أن قضية دارفور يجب تظل داخل البيت الإفريقي وأن تحل برعاية الاتحاد الإفريقي."
ماهو الحل؟
وفي معرض إجابته على سؤال حول الحل المثل لأزمة دارفور قال محمد أحمد النور: "الحل الأمثل من وجهة نظري هو تقديم المتهمين إلى المحكمة الجنائية الدولية ووقف الاعتقالات الدائرة في أوساط المدافعين عن حقوق الإنسان في السودان وفتح الباب أمام المنظمات الإنسانية للعمل في دارفور. إضافة إلى المضي قدماً في دفع عملية المصالحة الوطنية هناك.
علاء الدين سرحان