كاتبة إسرائيلية تسرد رواية الجانب الفلسطيني وتؤيد التسوية
٣ يونيو ٢٠٢١كتبت الروائية الإسرائيلية ليزي دورون كثيرا عن اضطهاد اليهود، لكنها في 2015، نشرت رواية تحت عنوان "اللعنة.. من هو كافكا". ويعد أول عمل أدبي للكاتبة - المقيمة في تل أبيب - يسرد رواية الجانب الفلسطيني، فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. ثم نشرت عام 2017 رواية حملت عنوان "الاحتلال الحلو" أجرت فيه مقابلات مع (إرهابيين) فلسطينيين سابقين.
ولم يُنشر الكتابان في إسرائيل، فالكاتبة دورون (67 عاما) لا تتمتع بشعبية في إسرائيل بسبب موقفها العلني المؤيد للتوصل إلى تفاهم سلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي مقابلة مع DW، توضح سبب اعتقادها بعدم وجود حل للصراع في المدى المنظور.
DW : سيدة دورون، ما رأيك بالصراع الحالي في الشرق الأوسط الملتهب؟
ليزي دورون: لا يوجد أي شيء جديد. نفس الشيء تقريبا، في كل مرة تشتعل شرارة التصعيد. يمكنني القول إن الاختلاف هذه المرة هو وباء كورونا الذي دفعنا إلى تجاوز حدود المنطق والعقل. أصبح القلق يساورنا كثيرا. نرغب في العودة إلى حياتنا الطبيعية. إننا سعداء بوجود لقاحات ضد فيروس كورونا وسعداء بالنجاح الذي حققته إسرائيل التي ربما كانت الأولى في تجاوز هذه الأزمة. الحرب لم تمثل مفاجأة كبيرة لكن توقيتها كان سيئا للغاية. وهذا موقف جديد، لكن الحروب في حد ذاتها باتت جزءا من حياتنا.
لكن لماذا تم التصعيد هذه المرة بشكل كبير؟
كان لدينا بعض الأوهام- ربما كان وهما - بأن هناك نوعا من التضامن في المجتمع خلال جائحة فيروس كورونا. كنا نواجه نفس العدو، إذ كان فيروس كوورنا عدوا شرسا. شعرت بأن هذا سيكون بمثابة حقبة جديدة واعتقدت أننا في طريقنا للعثور على علاج، إذ كان التطعيم رغبة عالمية وحلا دوليا، فلم يكن هذا الحل ذا ارتباط بدولة بعينها أو دين بعينه أو حتى شعب بعينه. كنا نحارب معا من أجل بقائنا واستمرار حياتنا.
يمكنني القول إن الحياة عادت إلى طبيعتها بوتيرة سريعة، لكننا للأسف لم نتعلم أي شيء بسبب الإحباط والأوقات العصيبة التي عاصرناها خلال جائحة كورونا، لذا أصبحنا أكثر عدوانية.
دفعنا هذا إلى كسر كل الحدود والقيود بالتوازي مع حاجة السياسيين إلى تقوية وجودهم. السياسيون – كما أفهمهم - يحاولون استغلال الشعوب، فهم يريدون أن يجعلوهم ضعفاء ويعتمدون على السياسيين الذين يسيطرون عليهم ويتحكمون في شؤونهم. ففي زمن الحروب، أصبحنا في حاجة إلى من يقودنا. فأنا على سبيل المثال لا أشعر بالأمان وأنا في الخارج، لذا يتعين علي أن أمكث في الملجأ وفي هذه الحالة، أنتظر من ينقذني من الخارج.
كيف تتصرفين في الوضع الحالي؟ هل كان بإمكانك التأقلم معه؟
هذا سؤال جيد. وبالمناسبة، أنا أجلس هنا والجدار الذي خلفنا هو جدار الملجأ. كل منزل في إسرائيل فيه ملجأ. وبالنسبة لي فإن ملجئي هو مكتبتي فهنا لدي 5 آلاف كتاب وماء للشرب. وأسرتي دائما تمازحني وتقول: إنها ستموت مع كتبها.
أنا كاتبة مهووسة، فأنا أكتب من الصباح إلى المساء. وأعتقد أن حياتي ككاتبة ترافقها وطوال عشرين عاما الحروب والمرض والصعوبات ولم يتغير الأمر. ولا أتذكر أنني كنت في حاجة إلى التوقف عن الكتابة. لكن خلال هذه الحرب، كنت أجلس أمام الحاسوب ولم أتمكن من كتابة حرف أو حتى كلمة، إذ كنت أشعر بالاكتئاب، أنا في السبعين من العمر تقريبا، وحياتي كلها مليئة بالحروب. فخلال طفولتي عاصرت حربا وعندما كنت أما عاصرت حربا وحاليا أنا جدة وقد عاصرت حربا. أشعر أن الحروب لن تنتهي، بل أعتقد أن هذا المكان ربما يكون غير مناسب لمستقبل عائلتي.
لقد حظيت بشهرة بسبب كتاباتك عن الهولوكوست وبعد ذلك التقيت بمخرج فلسطيني. وفي روايتك "اللعنة.. من هو كافكا" سلطت الضوء على ما إذا كان قيام صداقة بين إسرائيلي وفلسطيني ممكنا. وفي كتابك "الاحتلال الحلو"، أجريت مقابلات مع (إرهابيين) فلسطينيين سابقين، كيف جرى هذا التحول بشأن إفساح المجال للطرف الآخر أيضا كي يتحدث؟
اعتقدت في البداية أنه كان من السهل سرد قصتي، لكنني فيما بعد شعرت بأن جاري في المناطق المحتلة ربما تكون لديه قصة مماثلة يحكي خلالها عن حلمه في تحقيق حريته وحلمه في الحصول على دولة وحلمه في تكوين أسرة تعيش في سلام ومناخ منفتح.
أدرت أن أفهم كيف يغير الأعداء حياة الإنسان. في حالتي، كان الأعداء هم النازيون خلال الحرب العالمية الثانية الذين دمروا حياة بأسره. لا يمكن مقارنة الأمر، لكن بالنسبة لي ككاتبة من المهم سرد قصة الفلسطينيين الذين جاء إسرائيليون واحتلوا أرضهم. طبعا القصة مختلفة والناس مختلفون والتاريخ أيضا مختلف. إن أبطال رواياتي هم أناس يتعين عليهم النضال من أجل حياتهم.
صراحتك دفعت بعض الناس في إسرائيل إلى النظر إليك كـ"خائنة"؟
أنا لا زلت هكذا. لأنني كنت رمزا لأدب الهولوكوست وكان يتعين أن أستمر في سرد معاناة اليهود. انزع الناشرون والقراء من منشوراتي عندما اكتشفوا أني أتناول قصة عدوي، وكان من الصعب عليهم استيعاب هذا التحول، إن صح التعبير. ومع ذلك، فإن القصص المتعلقة بالهولوكوست تحظى بشعبية كبيرة ومعدلات بيع كبيرة.
وسينشر كتابي الجديد (Was wäre wenn أو ماذا لو) في 20 أغسطس/ آب العام الجاري في ألمانيا. يدور الكتاب حول قصة صديق مقرب لي كان ضد الحروب. فقد قررت أن أسرد قصص شخصيات يرغبون في إسماع أصواتهم في بلدهم وفي أماكن عيشهم، لكن لا يوجد شخص مستعد للإنصات. يحدوني الأمل في أن يجد كتابي الجديد ناشرا في إسرائيل. هناك كثيرون في إسرائيل يرغبون في إحداث تغيير، لكننا في توقيت من الصعب فيه الاستماع إلى صوت الآخر أو سماع صوت شخص يحاول تحدي الإجماع العام أو تغييره.
هل ترين أنه من واجب الكاتب أن يشارك في التغيير؟
أعتقد أن الكاتب يمكنه زرع بذور فكرة أو رؤية أخرى أو حتى وجهة نظر أخرى، لكننا نعرف أن الكتب وحدها أو الكُتاب وحدهم لا يمكنهم إحداث التغيير.
ما هي رؤيتك حيال التعايش السلمي؟
ربما يكون هذا التوقيت غير مناسب للإجابة على هذا السؤال. فحاليا، أعتقد أن هناك قضايا وأزمات في العالم تفتقد إلى حلول. معظم الناس من العالم الغربي يبحثون عن حلول. وهناك أناس متدينون على سبيل المثال يحلمون بأن الله سوف يحل مشاكلهم أو أناس يعتقدون أن الحرب هي الحل. وفي هذه اللحظة، أعتقد أن الصراع في الشرق الأوسط لا يمكن حله الآن، لأنه يجب أن يكون هناك تغيير كبير في سلوك الأفراد.
يتعين على الإسرائيليين النضال من أجل إعادة بناء دولتهم كدولة ديمقراطية، دولة حرة لليهود والعرب. لكنني لا أستطيع الذهاب إلى القول بأننا على وشك جعل هذا التغيير ممكنا. إنه حلم ولم يتبلور بعد. لذا فإن إجابتي ستكون أن هذه القضية غير قابلة للحل، لكن يمكن للمرء العيش في ظل موقف أو أزمة غير قابلة للحل. سوف نعيش كما عشنا في الماضي وسيتخذ الناس قرارتهم بأنفسهم في الوقت الحالي.
أجرت الحوار أنابيل ستيفس هالمر