ليزي دورون: ألمانيا اليوم تمثل الحرية والمساواة والتعاطف
١٢ سبتمبر ٢٠١٧هل سيعاد انتخاب ميركل؟" يسألني صديقي، وهو بائع كتب في تل أبيب، عندما جلسنا معا عند إحدى زوايا متجره لاحتساء القهوة، "ما رأيك؟" يريد أن يعرف، دون الخوض في مزيد من التفاصيل. "اللاجئون، ما رأيك في اللاجئين؟" ارتعشت عند سماع كلمة لاجئين، لأنه موضوع يلمس روحي. ويصر صديقي موجهاً لي السؤال "وإذا كنت ألمانية، من سوف تختارين؟" أجتبه "ولكني لست ألمانية".
صورة ألمانيا من طفولتي
ألمانيا وأنا لدينا علاقة طويلة و معقدة مع بعضنا البعض. ولدت في خمسينيات القرن الماضي في إسرائيل لأبوين من الناجين من المحرقة، وكانت ألمانيا دائما حاضرة في حياتي منذ ولادتي. وقد كان الناس وقتها في إسرائيل يقولون أنهم فروا من الجحيم. وكان هذا الجحيم هو ألمانيا.
أي منتج عليه بصمة "صنع في ألمانيا" كان يلقى به على الفور خارج منزلنا ويجب أن تلتهمه الأرض. كان الأمر نفسه بالنسبة لأصدقائي في منازلهم. اللغة الألمانية كانت لغة محظورة وكان السفر إلى ألمانيا على قائمة المحرمات. ومع ذلك رافقني في طفولتي همسات غريبة من والدتي "ألمانيا هي مهد الثقافة"، "ليس كل الألمان سيئين" و"ألمانيا هي المكان الذي أردت دائما أن أعيش فيه". تمكنت والدتي وقتها من تشتيت ذهني وإزعاجي، "لكن لدي بلد"، أجبتها بغضب. "اثنان أفضل، وأنت بحاجة إلى وطنين"، كانت هذه دائما إجابتها.
التسعينات
والدتي توفيت وتوفي أيضا ً الكثير من الأشخاص الذين قضيت معهم طفولتي. وعن تجارب طفولتي وذكرياتي، وقصة حياتي ظهرت سلسلة من الكتب. بعد أن نشر أول كتاب لي، كان الناشر ألماني وكان أول من قام بترجمة كتابي. ومن ثم كُسر التابو وسافرت إلى ألمانيا.
وصلت إلى هناك مع شعوري بالخوف والقلق. وخطوة بخطوة وبعناية، أقمت علاقات مع العديد من الألمان من الأجيال الثانية والثالثة الذين مزقتهم الصدمة، والشعور بالذنب، والوعي الذاتي. ومع كل كتاب آخر أنشره، تسقط جدران الخوف.
وبدأت تتطور بداخلي عملية تغيير بطيئة وصعبة ومؤلمة. في مرحلة ما كنت على استعداد للاستماع إلى قصص حياة أشخاص آخرين. وفي وقت لاحق قابلت فلسطينيين. العلاقات الشخصية التي تراكمت لدينا والمعرفة التي اكتسبتها قدمت لي المادة الخام لتأليف كتابين جديدين. وما أثار دهشتي أن الناشرين الإسرائيليين رفضوا هذه الكتب. في النهاية تم نشرها أول مرة في ألمانيا. ومنذ ذلك الحين أعيش في البلدين، في إسرائيل وفي ألمانيا. وتعلمت كيفية التعامل مع المشاكل التي تنشأ عندما أدبر حياتي بلغة لا أجيد بها بطلاقة. وهذا في غضون الفترة القصيرة التي تسمح بها إقامتي.
الآن عندما أنظر إلى العلاقات المعقدة والمتطورة بين الألمان والأجانب، والتغيرات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية التي تثيرها، يتسلل الشعور بالقلق إلى نفسي. وفي تلك الأيام التي يحتج فيها النازيون الجدد، اكتشف الخوف العميق بداخلي. وأقول لنفسي" لا أعتقد أنه سيمكنني العيش هنا ".
انتخابات 2017
"آمل فقط أن لا يصل اليمينيون إلى السلطة،" أفاجئ صديقي بعد أن انغمسنا في محادثة حول الصيف الممطر لعام 2017، والذي رفض الوصول إلى برلين، "ماذا عن اليسار؟ المتطرفون اليساريون يحدثون الفوضى أيضاً"، يطرح صديقي سؤاله بنبرة حيرة. بطريقة ما تمكنا من العودة إلى موضوع الانتخابات، والذي كان يجول في رؤوسنا طوال الوقت. وكما لو كان يحاول تهدئة الوضع، أضاف صديقي قائلاً: "في الوقت الراهن هناك مجموعات مهمشة في ألمانيا". وبعد ذلك بقينا صامتين لبضع لحظات.
صورتي عن ألمانيا اليوم
مؤخراً توسعت دائرة أصدقائي في ألمانيا. ويسعدني تكوين صداقات جديدة، من بينهم فنان سوري، وكاتب عراقي، وكاتب مسرحي تونسي، ومهندس إيراني، وطباخ يوناني. كل يوم أقضيه في ألمانيا، التقي بأناس وأستمع إلى قصص، لا أجدها إلا هنا. وأعتقد أن ابني، الذي جاء إلى ألمانيا كفنان، وجد أيضا مكانه هنا. وابنتي التي تعيش مع شريكها في إسرائيل، قالت لي أنهما سيتزوجان في ألمانيا، لأن ذلك مسموح به هنا.
"ميركل لأربع مرات على التوالي؟" يسألني صديق. "إنه امتياز للضيوف، لذلك لا داعي لإثارة ضجة"، أجيب. وأضيف " تعرف.. يجب علينا اليوم أن نفكر فقط في أمريكا أو حتى في بريطانيا العظمى والمجر وبولندا وإسرائيل (حماها الرب). تركيا، روسيا، كوريا الشمالية وسوريا والقائمة تطول. " وذكرت القائمة بلهفة ". "في الوقت الراهن هناك رياح تسامح في بلدك يجعل من ألمانيا بلداً يتوق له الكثيرون".
يبتسم صديقي.
"يبدو كما لو أن رغبتك قد تحققت. في نهاية المطاف نحن نعرف ـ أنت كما أنا تماما ـ فقط الأشخاص الذين يعيشون في نفس البوتقه مثلنا". "عصر الأيديولوجية حولنا ينهار. كفاية رأسمالية وشيوعية وقومية وعنصرية ودين. الناس يأتون من أماكن كثيرة ومن ظروف مختلفة في أماكن الإيواء في ألمانيا، وهم يريدون العيش حياة المساواة والحرية والأمن والعطف. هذا المكان، الذي يتوق إليه الكثيرون، يمكن أن يكون بداية لكسر الجدران. "
رأيت نظرته المندهشة والمتفاجئة. "ولكن أنت قمت بالفعل هنا بهدم جدار" يذكرني صديقي، "كان ذلك على الأرجح بداية العملية التي نمر بها الآن". دخل الزبائن إلى المكتبة وكان علينا إنهاء حديثنا. ولكن ما عبرت عنه، أدهشني أنا شخصياً "من الذي ستختارين إذاً؟" سأل صديقي بإصرار. أجبته "في الوقت الراهن سأختار ألمانيا".
إرث الأم
"أنت بحاجة إلى وطنين،" سمعت صوت والدتي عند مغادرة المكتبة. فجأة، أصبح واضحاً لي أن والدتي، التي دلتني في البداية على نوع آخر من السرد، والتي كانت أول من هدم الجدران. أجبت "نعم". شعرت أني أرضيت والدتي في تلك اللحظة. وأعتقد أنها ابتسمت..
ليزي دورون/ إ. م
*ولدت الكاتبة الإسرائيلية ليزي دورون عام 1953 في تل أبيب. كتبت سبعة كتب وحصلت على العديد من الجوائز الدولية على أعمالها. نشر لها كتابين لأول مرة في ألمانيا وهما " اللعنة من هو كافكا"، عام 2014، وكذلك " الاحتلال الحلو" نشر هذا العام 2017.