كابوس العنف و"المؤتمر الوطني" يخيم على الانتخابات في بنغازي
٢٤ يونيو ٢٠١٤في شوارع وأحياء مدينة بنغازي ثاني كبرى المدن الليبية، تغطي جدرانها صور وملصقات حملة المرشحين للانتخابات البرلمانية. نفس الوجوه تقريبا التي كانت تهيمن في المؤتمر الوطني، عادت لتطل من جديد على رأس لوائح المرشحين. في شارع دبي الشارع الرئيسي في المدينة، يعج بالملصقات والصور بشكل عشوائي.في هذا الشارع، التقينا الشابة مروى معداني ومعها صديقاتها، وعندما سألناهم عن رأيهم في انتخاب البرلمان، بدين متحفظات في الإدلاء بآرائهم، أقلها "لأننا شعب محافظ وتحكمه أعراف وعادات تفرض على المرأة التحفظ" كما تقول مروى.
وبعد إلحاح في السؤال تجيب مروى قائلة:"خطوة انتخاب البرلمان خطوه ممتازة ليتم من خلالها بناء هيئة رسمية شرعية تقود البلاد إلى بر الأمان حتى يتسنى للشباب فرص عمل وآفاق جديدة وتفكيك المليشيات المسلحة واندماجها في مؤسسات المجتمع".
وبينما يقول الشاب جابر المجبري، إنه لا ينتظر من انتخابات البرلمان شيئا، ويوضح "اعتقد أن الانتخابات ستكون أسوء من سابقتها" مبرزا أن "الأولوية ينبغي أن تكون للأمن لأنك لن تستطيع حماية دستور أو ديمقراطيه أو حكومة منتخبه بغير وجود أمن". يرى الشاب سعد مفتاح، أن "انتخابات البرلمان تعني لليبيين طوق نجاة .. نأمل من خلاله الاهتمام بملف الأمن وكذلك بالشباب وحل جميع المليشيات المسلحة".
انتخاب البرلمان طوق نجاة
تبدو آراء الشبان والشابات الذين التقيناهم في عدد من شوارع مدينة بنغازي، متباينة إزاء الجدوى من انتخاب البرلمان. سعد مفتاح شاب التقيناه في مركز تجاري بشارع فينيسيا وهو من أرقى شوارع التسوق في المدينة، يقول إن "انتخابات البرلمان تعني لليبيين طوق نجاة .. فنأمل من خلاله الاهتمام بملف الأمن وكذلك بالشباب وفك جميع المليشيات المسلحة".
بينما تعتبر هند الهوني، هي إعلامية وناشطة في المجتمع المدني ببنغازي، أن "هذه الانتخابات البرلمانية ما هي إلا خطوة مسلسل خطوات لقيام دولة، وأنه لا يُعول عليها الكثير في خروج ليبيا من أزمتها الأمنية بالنظر إلى فشل المراحل السابقة في تكوين مؤسسات قادرة على النهوض وتحقيق الاستقرار".
وأضافت هند أن "من يتابع الشأن العام في الواقع الليبي يدرك صعوبة انتظار تكوين هذه المؤسسات في ظل غياب هوية أو شكل الدولة". وتابعت "لا نغفل أن هذه الخطوة من انتخاب مجلس النواب أخذت جدلا كبيرا على خلفية الخلافات التي ظهرت بشأن تجربة المجلس الوطني الانتقالي وكذلك المؤتمر الوطني". وأشارت بالخصوص إلى" ان فترة ولاية المؤتمر الوطني أخذت حيزا طويلا من الزمن كما انه تماطل وتراخيه في تسلم السلطة".".
وبرأي هند فإن أوضاع ليبيا ازدادت تعقيدا بسبب " أيديولوجيات جديدة وافدة على البلد وطرح لمشاريع تمس وحدة الدولة بينما ظلت عملية تسيير الدولة تشهد اضطرابات متواصلة". وفي تفسيرها للأزمات المتعاقبة التي تشهدها البلاد منذ الثورة، تعتقد الناشطة الشابة ان "كل هذا المزيج الغريب خلق حالة من التوتر تظهر فى شكل العنف والقسوة والقوة بين أفراد الشعب الواحد. مما أثر سلبا على تفاعل الشعب مع المراحل السياسية لقيام الدولة ويعتبرها غير أولوية بالنظر الى الوضع الامني المتدهور وعدم الاستقرار".
أولوية الأمن
في شارع عشرين وهو شارع تجاري في قلب مدينة بنغازي أخذ نصيبه ايضا من لافتات وملصقات المرشحي، الذين يتوددون للتجار كي يصوتوا عليهم. لكن الباعة وزبنائهم يبدون منصرفين إلى معاملاتهم التجارية وغير مكترثين بالانتخابات.
أسماء حمد، بائعة عطور، في الحي التجاري، ترى أن التجربة السلبية للمؤتمر الوطني تخلف انطباعا سلبيا عند الناس وهي ترى أن الأولوية كان ينبغي ان تعطى لانتخاب لجنة إعداد الدستور ووضع نظام سياسي وتعددية حزبية واضح المعالم، كي يعرف الناخبون أنهم سيصوتون على مؤسسة برلمانية ضمن نظام معين. وهو السبيل الذي كان يمكن ان يمنح البلد فرصة الخروج من الأزمة التي التي يتخبط فيها منذ ثلاث سنوات.
ولا تخفي الشابة أسماء، تذمرها وخوفها من تكرار تجربة المؤتمر الوطني، بحكم "الدور الأساسي الذي تلعبه الأحزاب السياسية في مجلس النواب، وتكرار نفس أسماء المرشحين أي أن العملية الانتخابية هي مجرد تغيير أسماء" وتضيف" أخشى من تكرار بعض وجوه المؤتمر الوطني السابق في البرلمان ولكن يبقى الصندوق هو الذي يفصل". وهي تعتقد أن البرلمان المقبل عليه أن يضع في أولوياته "ملف الأمن لأنه مطلب أساسي للجميع".
وبرأي عدد من شبان المدينة فان مشاكل الأمن تشكل أولوية، ويرى مروان الطشاني، وهو ناشط حقوقي، ان الانتخابات يمكن ان تشكل "فرصة للخروج من المأزق السياسي"، ويعلل الطشاني رأيه قائلا "نظرا لعدم قبول الشارع لسلطة المؤتمر الوطني العام وعدم احترام قراراته، فان انتخاب برلمان جديد من شأنه أن يساعد البلد على الخروج من المأزق".
ويرى الطشاني ان" قدوم سلطة جديدة منتخبة قد يخفف من حالة الاحتقان السياسي رغم أن البرلمان الجديد لا يملك العصا السحرية لمشكلة الأمن وانتشار السلاح، لكنه خطوة مهمة على المسار الديمقراطي لابد من اجتيازها والشعب وحده يملك القدرة على إنجاح هذه الانتخابات خصوصا بعد اكتسابه للخبرة من تكرار العمليات الانتخابية".
سكان مدينة بنغازي يتابعون بقلق الأوضاع الأمنية المتدهورة في مدينتهم وفي مدن أخرى قريبة في شرق ليبيا، حيث تصل أنباء يوميا عن سقوط قتلى وجرحى بسبب الاشتباكات المتواصلة بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد "عملية الكرامة" وميلشيات مسلحة.
ويرصد المتتبعون انقساما شديدا في الشارع بين مؤيد للعملية التي يقودها اللواء المتقاعد حفتر ووبين معارض لها. لكن هؤلاء يتفقون في غضبهم واستيائهم من العمليات المسلحة التي يقوم بها عناصر الميشليات المتطرفة لأنصار الشريعة، والتي نتج عنها اغتيالات في صفوف شخصيات عسكرية ومدنية وتفجيرات هزت أمن مدينة بنغازي. وكانت مدينة بنغازي قد شهدت مظاهرات تطالب بحل الميليشيات التي تحمل مسميات عديدة، وإدماج عناصرها في مؤسسات الأمن والجيش.
ولا يخفي عدد من الشبان اليوم مخاوفهم من تعثر العملية الانتخابية بسبب أعمال العنف المتفرقة في هذه المنطقة من ليبيا والتي كانت المعقل الذي انطلقت منه ثورة 17 فيبراير 2011 ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي.