حسن الأمين: الفوضى في ليبيا تخدم الجماعات المتطرفة
٨ مايو ٢٠١٤يكشف الجدل المتواصل في ليبيا حول مدى شرعية انتخاب المؤتمر الوطني احمد معيتيق رئيسا للحكومة الجديدة، حالة فوضى مؤسساتية وسياسية تعيشها البلاد بعد حوالي ثلاثة أعوام من إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، إثر ثورة شعبية ومسلحة.
حسن محمد الأمين، إعلامي وناشط حقوقي، كان معارضا لنظام القذافي من منفاه في بريطانيا، وعاد إثر ثورة 17 فبراير إلى بلاده وخاض تجربة سياسية في ظل الوضع الجديد، بانتخابه نائبا عن مدينة مصراتة في المؤتمر الوطني التأسيسي، لكنه استقال (في مارس آذار 2013) لأسباب يرى، كما يؤكد ذلك في حوار أجرته معه DW، أنها ما تزال قائمة وتتسبب في شلل المؤتمر(المجلس) وإعاقته عن أداء المهام الرئيسية التي انتخب من أجلها. ولذلك يخشى الناشط الليبي حسن محمد الأمين استمرار حالة الفوضى السياسية والأمنية في البلاد بسبب سيطرة جماعات إسلامية متطرفة وميليشيات مسلحة على زمام الأمور.
وفيما يلي نص الحوار:
DW: رغم إعلان رئيس المؤتمر الوطني المصادقة على تعيين احمد معيتيق رئيسا للحكومة، لماذا يستمر الجدل حول شرعية التصويت عليه؟
حسن محمد الأمين:يعود الجدل إلى إشكالية يعاني منها المؤتمر الوطني الليبي، وتتمثل في سوء الأداء وعدم التزامه حتى باللوائح التي وضعها لنفسه. كما أن اللوائح الداخلية المنظمة لعمل المؤتمر ما تزال مؤقتة، وغير مكتملة. وما اكتمل منها لا يطبق في أغلب الأحيان.
ولذلك فان ما حدث قبل يومين من هرج ومرج بعد التصويت، يتكرر في كل مرة يجري فيها التصويت على قضايا مهمة. ومرد ذلك إلى الارتجال والفوضى وعدم الانضباط وقلة الوعي والخبرة في هذا المجلس. فقد حدث نفس الشيء، أي الجدال قانوني، إثر إقالة علي زيدان رئيس الوزراء السابق. وعندما تم التصويت على قانون العزل السياسي وتم فرضه بالقوة.
وبالتالي فان القضية ليست مسألة خلافات سياسية وتباين في الرأي حول مرشح معين، بل تكمن في الأداء والالتزام، ولذلك أتوقع أن تتكرر هذه المشاهد في ظل وجود هذا المؤتمر الذي بات واضحا أنه عاجز وغير قادر على انجاز الاستحقاقات التي اُنتخب من أجلها. ولا يمكن مقارنة المجلس الحالي ببرلمانات الدول الديمقراطية العريقة، لأنه مجلس تأسيسي منتخب لانجاز استحقاقات معينة.
في ظل التجاذب في قمة هرم الدولة، هل يعني ذلك أن الشرعية الدستورية والمؤسساتية ذاتها في مهب الرياح، خصوصا أن المجلس سيعود للتصويت من أجل منح الثقة للحكومة التي سيشكلها معتيق؟
في حقيقة الأمر، الشرعية في ليبيا هي اسمية (بالاسم فقط)، لأننا وبكل واقعية لا نتحدث عن دولة بمعناها الحقيقي. فالمؤتمر يفترض أن يكون أعلى سلطة تشريعية في البلاد، والحكومة المنبثقة عنه يفترض أن تكون بدورها أعلى سلطة تنفيذية في البلاد. ولكن، لا المؤتمر ولا الحكومة، يستطيعون تنفيذ حتى القرارات التي يتخذونها. لأن من يحكم على الأرض في ليبيا، هي جماعات مسلحة، وتكتلات أخرى هنا وهناك. أي أن الحكومة والمؤتمر عاجزين بالكامل في ظل الوضع الأمني الذي تعيشه ليبيا.
وما لم يحسم الملف الأمني في ليبيا، فستظل الشرعية في مهب الرياح، ولا وزن ولا هيبة لها ولا إمكانية لها في تنفيذ قراراتها.
هل يعني ذلك أن السبب الرئيسي وراء الأزمة القائمة حول تعيين معيتيق ليس خلفياته السياسية أو الجهوية، بقدر ما يعود الأمر إلى حالة الفوضى في دواليب المؤتمر الوطني؟
إذا التزمنا بالعملية الديمقراطية، وقمنا بهذا وفق أداء واضح ولوائح شفافة، فكيفما كان هذا المرشح أو ذاك، فان الحسم سيعود لصناديق الاقتراع. ولذلك لن تحدث مشكلة في تباين اتجاهات التصويت لهذا المرشح بسبب خلفياته، بل تكمن الإشكالية في الارتجال والتخبط وعدم الالتزام بالقواعد الديمقراطية التي وضعها هذا المؤتمر لنفسه.
السيد معيتيق، شاب عصامي، وحسب علمي لا ينتمي على الإطلاق إلى أي تنظيم سياسي أو جماعة إيديولوجية، ولا أساس لحديث البعض على أن الإسلاميين وراءه. ينتمي معيتيق إلى عائلة لها باع في السياسة، وكان والده عضوا في مجلس النواب إبان حكم الملك السنوسي، وهو رجل ميسور. والثروة التي يملكها معيتيق اليوم لم يجمعها من المال الفاسد مثلما فعل كثيرون في عهد القذافي.
اعتقد أن المشكل لا يتعلق بمعيتيق نفسه أو بأي مرشح آخر، بل المشكلة تكمن في مؤسسة المؤتمر نفسه وبأدائه السيئ الذي وصل إلى حد أن بعض أعضائه لا يحضرون جلساته ويبقون في بيوتهم متقاعسين بدل أن يحضروا ويدلوا بأصواتهم ويساهموا في اتخاذ القرار، نيابة عن ناخبيهم.
ولذلك فان كثير من نواب المؤتمر، وخصوصا الجيدين منهم، أصبحوا يملون من مداولات المؤتمر وإهدار الوقت بشكل غير عادي، فتحولت الأمور عندهم إلى لا مبالاة لا حدود لها.
كنت نائبا في المؤتمر، واستقلت من عضويته، هل كان ذلك نتيجة اليأس من فعاليته؟ ألم يكن أجدر البقاء ومحاولة إصلاح الأمور وبناء الديمقراطية الوليدة؟
أجل كنت في المؤتمر، وأنا أول من استقال من عضويته. وأصلا كان دخولي للمحك السياسي وترشحت للانتخابات على مضض، وكان ذلك نتيجة إلحاح وضغوط من أصدقاء ومن أبناء مدينتي مصراتة، على أساس أن لا أخذل الوطن وبأن أساهم في بناء هذه المرحلة. وعندما دخلت المؤتمر كان ذلك على أساس أنه مجلس له استحقاقات معينة من أهمها انجاز دستور للبلاد، وبالتالي لا يتعلق الأمر ببرلمان من أجل التشريع.
وقد لاحظت منذ البداية، أن المجلس لم تكن له انطلاقة صحيحة، حيث لم يضع لنفسه لوائح واضحة، ولم يعالج بوضوح مسألة الأولويات وفي مقدمتها لجنة الدستور. ومن ثم بدأت عملية إهدار الوقت، وانصبت الضغوط على المؤتمر من أطراف عديدة، وخصوصا الجماعات العسكرية والمسلحة، وبالتالي اُختطف المؤتمر وأصبح يجسد حالة الانقسام في ليبيا. حيث أصبح لبعض أعضائه علاقات وطيدة بالجماعات المسلحة وبالتيار الإسلامي المتطرف، وبعض الأعضاء يأتمرون بأوامر من خارج المجلس. وهنالك أحزاب سياسية للأسف نسوا منذ البداية أنهم يؤسسون لدولة من لاشيء وباتت الأجندة الحزبية هي التي تهيمن.
وأنا كعضو مستقل لا انتمي لأي تيار سياسي، وجدت نفسي في موقف يصعب علي، في ظله، أداء مهامي، ولذلك قررت أن أستقيل من أجل التفرغ لمواصلة عملي في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في ليبيا.
وبماذا يختلف أداؤك في الدفاع عن حقوق الإنسان في ليبيا الآن، قياسا لما كان عليه الأمر قبل ثورة 17 فبراير؟
لقد تفرغت من أجل مواصلة الدفاع عن حقوق الإنسان في بلادي، وكشف التجاوزات القائمة بكل شجاعة وصراحة. وقد وضعني هذا في موقف صعب من حيث أمني الشخصي، حيث بدأت التهديدات تتوالي علي، وأقولها بكل مرارة رجعت إلى منفاي الأول(بريطانيا)، وكما كنت أعارض نظام القذافي، ها أنا الآن أعارض من جديد هذه الأوضاع السيئة والمؤسسات الهشة في بلدي، كما أعارض هذه الميليشيات المسلحة التي باتت تسيطر على كل شيء.
توجه انتقادات عديدة للتيار الإسلامي ومحاولاته السيطرة على مؤسسات الدولة، لكن بالمقابل لماذا يشهد المعسكر الليبرالي والمدني حالة تشتت ويفتقد للمبادرة؟
التيار الليبرالي والمدني بشكل عام في ليبيا، ما يزال ضعيفا ومتشتتا، ولا يوجد تيار وطني مدني يعمل بشكل منسق وحقيقي على الأرض. وبالمقابل فان التنظيمات الإسلامية، وهي تنظيمات قديمة ولها علاقات خارجية بتنظيمات أخرى، هي أكثر تنظيما وقدرة على اختراق الشارع والمؤسسات وهذا ما حصل في ليبيا.
في حقيقة الأمر، ان النخبة المدنية الليبرالية في ليبيا خذلت الثورة والشعب الليبي، لأنها ابتعدت عن المشهد منذ اللحظات الأولى، وأفسحت المجال لقوى ظلامية متطرفة باتت تمسك الآن بزمام الأمور وتتحكم في مفاصل عديدة في الدولة. ولذلك فهم يحاربون اليوم إنشاء جيش وشرطة من أجل كسب الوقت كي يتمكنوا من زراعة عناصرهم في كل مفاصل الدولة. و هو ما اعتبره أكبر خطر يهدد مستقبل ليبيا.
في ظل الأزمة السياسية الحالية، هل تتوقع أن يشهد الوضع الأمني انتكاسة، بعدما ظهرت بوادر انفراج مثلا في موضوع الموانئ ومنافذ تصدير النفط؟
أي انتكاسة سيشهدها الوضع الأمني أكثر مما نحن فيه؟ فمدينة بنغازي يذبح أولادها في كل يوم وتفجر مؤسساتها بشكل يومي، وكذلك يحدث في درنة، بالإضافة إلى عمليات الاختطاف في طرابلس ومدن أخرى.
وحتى فيما يتعلق بما أشرت إليه بشأن مؤسسات الدولة مثل الموانئ، فان كل الحلول التي تم التوصل إليها لحد الآن هي حلول تلفيقية وغير مكتملة، وهي قائمة على عمليات مهادنة وخضوع لابتزاز قوى متعددة في ليبيا.
إن الوضع الأمني في ليبيا سيء إلى أبعد الحدود، ويتفاقم يوما بعد يوم، خصوصا أن المجموعات الظلامية تزداد قوة كل يوم، لأننا نتحدث عن بلد مفتوح بالكامل لعبور السلاح والعناصر الأجنبية الموالية لتيارات متطرفة ما تزال تدخل عبر منافذ عديدة في ليبيا.
ولذلك اعتقد أن التعامل مع المجموعات الإسلامية المتطرفة ومن يتبعون تنظيم القاعدة لابد أن يكون بشكل استثنائي، والمعركة مع هذه المجموعات العسكرية التي لها إيديولوجية متطرفة ينبغي أن تكون مختلفة عن التعامل مع المجموعات العسكرية الأخرى الموجودة في ليبيا، لأنها (هذه الأخيرة ليست مؤدلجة) وهي متمسكة بالسلاح بسبب غياب الدولة ومؤسسات الجيش والأمن. ولكن إذا ما استتبت الأمور وقويت شوكة الدولة فلن تكون إشكالية في نزع السلاح وحل هذه الميليشيات وإدماج عناصرها في مؤسسات الدولة.
أما المجموعات الإسلامية المسلحة فالحوار والتفاوض لن يجدي معها، لأنها ترفض العملية الديمقراطية برمتها وتريد أن تكون ليبيا معقلا وملاذا للمجموعات الإرهابية المتطرفة، فهي لا تريد قياد دولة بل تريد استمرار الوضع الحالي في ليبيا إلى أطول أمد ممكن، لأن حالة الفوضى تناسبهم تماما ويستطيعون في ظلها القيام بعمليات ومشاكل في دول الجوار ودول أخرى.
أجرى الحوار منصف السليمي