قوانين انتخابية في لبنان: الشباب.. "ليسوا مجرد رقم"
٢٨ مارس ٢٠١٣وسط الشباب المتجمهر في ساحة الشهداء تسير "جمانة". شابة لبنانية تتطلع لقانون انتخابي "عادل". في يدها صندوق خشبي يحوي بعض الكلمات المدونة على وريقات صغيرة تُوزِّعها على المشاركين، منها: "المحسوبية"، "الهدر"، "الطائفية"، "الفساد" وغيرها، تماما كما في الأفلام المصرية القديمة حين كانت إحدى الفتيات تتجوّل بين جمهور السينما وفي يدها صينيّة لبيع بعض المنتجات. "انظروا إلى هذه الكلمات السيئة الفاسدة... وارفعوا الصوت ضد أي قانون انتخاب طائفي أو مناطقي"، تقول جمانة.
التحرك الشبابي المدني هذا جاء بدعوة من حملة "معاً" (ضد الحرب الأهلية ولبناء دولة مدنية)، وهو ليس الوحيد إنما يأتي ضمن حملات شبابية مدنية تنشط لحشد التأييد "للعدالة الانتخابية". ولأن القوى اللاطائفية لا تستطيع جمع حشود من المواطنين في الساحات، قرّرت الحملة اعتماد "أساليب مبسطة، مركّزة على استخدام الصوت والصورة في إيصال الفكرة"، وفق ما يؤكد القيمون على الحملة لـ DW عربية.
جورج عازار، ناشط في حملة "معاً"، يرى في حديثه مع DW "أن الصراع الإقليمي له ارتدادات طائفية ومذهبية على لبنان (في إشارة إلى الصراع في سوريا)، والمسؤولية بهذا تزداد على المجتمع المدني. علينا إرساء لغة الحوار والتفاهم، إلغاء الطائفية المقيتة، والوصول إلى قانون انتخاب على قياس الوطن لا على قياس زعماء الطوائف وزعماء السياسة"، يقول. القانون الأمثل برأيه "هو قانون النسبية على أساس الدائرة الكبرى، أي على امتداد الوطن". "منظمو النشاط الشبابي يضعون الإصبع على الجرح، ويقدمون تصوّراً للحل من خلال عرض مشروع قانون انتخابي مبني على مفهوم المواطنة خارج القيد الطائفي"، يقول عازار.
وللدلالة على تحوّل السواد الأعظم من المواطنين اللبنانيين إلى سلعة في يد الطبقة السياسية، أعدت حملة "معاً" صندوق اقتراع كبيراً يحمل رمزاً تجارياً إلكترونياً (Bar Code)، شكّل أحد شعارات التحرك في الأيام القليلة الماضية، يضيف عازار، وفي هذا إشارة إلى أن على اللبناني أن يعلي الصوت ويشارك بحرية في الاستحقاقات الانتخابية دون أي ابتزاز من الأحزاب أو شراء الأصوات الانتخابية. مع رأي جورج عازار يتفق الكثير من الشباب اللبناني، فالاستحقاق الانتخابي يقترب، تأجيله يبقى احتمالا واردا في ظل وضع أمني مترد وتطورات إقليمية متسارعة، "لكن بديل تأجيل الانتخابات سيكون الفوضى، والتراجع الأمني"، يقول عازار، مستندا في كلامه إلى موقف مشابه لرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان.
حملة "معاً" هي إحدى الحملات الشبابية المدنية إذن، ثمة ما يشبهها، لكن الهدف المشترك: "قانون انتخابات عادل... ورفض القانون الأرثوذكسي للانتخاب". ومشروع القانون الأرثوذكسي هو الوحيد المطروح عمليا بعد أن تقدم في اجتماعات اللجان الانتخابية، لكن ثمة كتل سياسية تعترض عليه، إضافة إلى الشباب اللبناني، والبحث جار عن قانون يحظى بتوافق الكتل والأحزاب السياسية اللبنانية، لكن الخشية الشبابية هي من قوانين تعيد نفس الطبقة السياسية إلى الحكم.
مشروع القانون الأرثوذكسي: لكل طائفة ناخبوها
ينقسم لبنان سياسيا بين فريقين رئيسيين، هما فريق "14 آذار" (مناهض للحكم الحالي في سوريا ويقوده رئيس الوزراء السابق سعد الحريري) وفريق "8 آذار" وعلى رأسه حزب الله. القانون الأرثوذكسي أتى فشق طريقه بين الفريقين المتنافسين بشدّة على السلطة وحصل على تأييد جميع قوى 8 آذار وقوى مسيحية من 14 آذار فيما عارضته كتل أخرى وبعض المستقلين.
المادة الثانية من القانون الأرثوذكسي تشير إلى أن "انتخاب النواب المحددين لكل طائفة يتم من قبل الناخبين التابعين لها على أساس النظام النسبي ويعتبر لبنان دائرة انتخابية واحدة". وتضيف إحدى فقرات هذه المادة: "يقترع الناخبون لمرشحين من طائفتهم فقط، أما الناخبون المسيحيون الذين ينتمون إلى طوائف الأقليات فيقترعون إلى مرشحي الأقليات وأما الناخبون المسلمون الذين ينتمون إلى طوائف الأقليات غير المخصص لها أي مقعد في المجلس النيابي فيكون لكل منهم الحق في الاقتراع لمن يختاروهم من المرشحين المسلمين إلى أي طائفة انتموا وأما الناخبون اليهود فيكون لهم الحق في الاقتراع لمن يختاروهم من المرشحين المسلمين أو المسيحيين".
فُسحة تواصُل: معارضون ساخرون
المادة هذه بالتحديد أثارت امتعاض الشباب المدني المعارض للطائفية، فضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات. "أسرار" (السنيّة) وجهت رسالة إلى رنا (الدرزية) قائلة: "رنا أعلن إلغاءك من قائمة أصدقائي إلى أن تصبحي سنية مثلي". أما "ليليان" فبعثت عبر صفحتها على الفيسبوك بتحية إلى أصدقائها الدروز فقط، "مش هيك (القانون) الأرثوذكسي بدّو؟!"، معتبرة أن "هذا القانون هو اغتصاب للرأي اللبناني الحر".
"مَيْ" المنتمية إلى الطائفة الشيعية، سخرت على الفيسبوك أيضا مرددة مقطع من أغنية "يا زمان الطائفية" للموسيقي اللبانين زياد الرحباني، وأضافت أن "الشيعة سيتضاعف عددهم حتى موعد الدورة الانتخابية المقبلة". وأصرّت على أصدقائها بعدم التعليق والإعجاب "إلا في حال كانوا من نفس الطائفة".
التعليقات التي أطلقها اللبنانيون على الفيسبوك تنوعت بين الرفض والاستهزاء. فيصل الأشمر يقول: "أنا مواطن متخلف لا أهتم لنوع القانون الانتخابي، همي الوحيد أن تكون المقاومة (حزب الله) بخير". الموقف عينه يؤكده محمد كشاكش بقوله: "القانون الانتخابي الذي يؤيده السيد (في إشارة لحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله) أنه معه"، أما حمزة الأمين، فيرى انه "بكل بساطة، الحديث عن قانون انتخاب في هذه الظروف مضيعة للوقت، ففي ظل ما يجري الانتخابات في لبنان تفصيل صغير، وهي لا تعني سوى بعض الحالمين بالكرسي النيابي، ولا يخفى على أحد أن الانتخابات في لبنان لها أبعاد إقليمية ودولية". هذا ويسال الصحافي جاد يتيم: "الجوع كافر... الجوعانين عن أي طائفة بينتخبوا؟".
...ومؤيدون
القانون الأرثوذكسي يأخذ حيّزاً كبيراً من اهتمام الشباب اللبناني إذ لا تزال الردود تتوالى على مواقع التواصل الاجتماعي والنقاشات تتسم بالحدة أحياناً، ووسط ذلك ثمة من يؤيد القانون. "بيار ينتمي إلى أحد الأحزاب المسيحية اللبنانية، يرى في القانون الأرثوذكسي فسحة للمساواة في التمثيل داخل المجلس النيابي بين المسيحيين والمسلمين، ويقول لـ DW: "لطالما شعرنا كمسيحيين بالغبن في التمثيل. القانون الأرثوذكسي يقرب الناخب من النائب، ويصبح بإمكاني الاختيار الصحيح للنواب المسيحيين".
"ماريو" من جهته يقول إن "القانون الأرثوذكسي يجعل المنافسة داخل الطائفة نفسها وهذا جيد... هكذا يصبح بإمكاننا إيصال ذوي الكفاءة إلى المجلس النيابي".